رحل عادل محمود، واحد من الذين رفعوا اسم مصر عاليًا، فهو أحد رواد أبحاث اللقاحات والأمراض المعدية في العالم، عن عالمنا، الاثنين الماضي، إثر نزيف دماغي عن عُمر يناهز 76 عامًا. ويعتبر محمود من أبرز العلماء في المجال الأكاديمي والطبي في الولايات المتحدة الأميركية، وعبر الكثير من الأطباء والباحثين عن حزنهم لرحيله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات تعكس مكانته وإنجازاته وسطهم.
واتجه البروفيسور إلى مجال الطب بدافع شديد الصلة بمرض والده، حيث تعرض خلال طفولته إلى موقف تسبب في تحول طفري ورغبة مُلحة في دراسة الطب وإنقاذ أرواح المرضى، حيث اخترق جسد والده النحيل، في أحد الأيام، مرض الإلتهاب الرئوي، واشتد عليه المرض ما أجبر الطفل إلى الهرع نحو إحدى الصيدليات للبحث عن حقنة البنسلين، وإنقاذ والده إلا أن محاولته باءت بالفشل وتوفى الوالد بسبب تأخر الصغير عن جلب العلاج في الوقت المناسب.
تركت صدمة وفاة الأب تأثيرها الموجع على الطفل، ذو الـ10 سنوات، لكنها رسمت الخطوط الأولى لحلم العمل بالمجال الطبي، إلى أن اجتاز مرحلة الثانوية العامة بنجاح ملتحقًا بكلية الطب بجامعة القاهرة واستمر في إنجازاته بالحصول على شهادته الجامعية بل كللها بالحصول على شهادة الدكتوراة في الطب.
وفي عام 1968، سافر محمود إلى بريطانيا لاستكمال دراسته وحصل على شهادة الدكتوراة للمرة الثانية عام 1971 من كلية لندن للصحة والطب المداري، وركز خلال رسالة الدكتوراه على دراسة الحمضات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، بهدف مكافحة الديدان الطفيلية، من بعدها سافر الراحل إلى الولايات المتحدة الأميركية في 1973، من أجل استكمال دراسته والعمل هناك.
وانضم إلى جامعة كيس وسترن ريسرف الأميركية، كمدرس جامعي مساعد، وسرعان ما أثبت كفاءته وعُيّن رئيسًا لقسم الطب هناك (1987-1998)، وكان للدكتور دور فعّال في الجامعة حتى أنه ترك تأثيرًا بين الطلاب في الجامعة، وأشادت عميدة الطب في الجامعة ذاتها، باميلا ديفيس، بأداء البروفيسور ودوره بالجامعة، قائلة: كان ذكيًا في التعامل مع المشكلات بدرجة تفوق الطبيعي حتى أن العالم صار مظلمًا بعد غيابه.
وبعد تلك السنوات بالجامعة، رغب البروفيسور في استكمال نجاحاته بالبدأ في مرحلة جديدة، وهي العمل ضمن إحدى شركات الطب كرئيس لقسم اللقاحات عام 1998، ودفعه التجديد نحو رغبة من نوع خاص، وهي إثبات نفسه في مجال الطب المُلتحق بالدعايا والإعلانات وعالم التسويق.
وكان لـمحمود دورًا فعّالاً في تطوير اللقاحات والتسويق للعلاج، ومن بين الأدوية التي طوّرها، علاج أمراض المعدة والحصبة الألمانية، حتى أن الشركة أطلقت إحصائية في 2017 تؤكد بيع 500 مليون جرعة من اللقاحات التي طورها البروفيسور، على مستوى العالم.
وعلّق رئيس مجلس إدارة الشركة والمدير التنفيذي، كين فرايزر، بعد رحيله: كان شخصية محبوبة، وترك تأثيرها الكبير في مجال الطب على مستوى العالم، بل وله الفضل في إنقاذ وشفاء العديد من الرضع والمراهقين، ويعتبر من الشخصيات القليلة التي تركت بصمتها في الطب عالميًا.
وفي 2006، تقاعد البروفيسور من العمل بالشركة، وعاد إلى الدراسة الأكاديمية مقدمًا النصائح إلى أبناء جامعة وينستون سالم ستيت، الواقعة في ولاية نورث كارولينا الأميركية، وكان يقدّم المشورة السياسية أيضًا، لذا أشاد الدكتور أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، التابع للمعاهد الوطنية للصحة، برأيه السياسي: كان من أوائل الشخصيات التي تتجه إليه للحصول على النصائح السياسية بأصعب القضايا.
وعلى الجانب الآخر، حاولت الجامعة عرض إنجازات البروفيسور خلال سنوات حياته، بإضافة المعلومات حول حياته وطفولته عبر موقعها الإلكتروني، وبدأت كلماتها، بذكر منصبه، كأستاذ بقسم البيولوجيا الجزيئية والشؤون الدولية وكمحلل سياسي، كذلك وصفته بونس باسلر، رئيسة قسم البيولوجيا الجزيئية في الجامعة: "بالرائد والزميل المرح والملهم"
كما قدّم في بداياته العديد من النصائح والمشورة إلى المنظمات الصحية العالمية والجامعات حول العالم، وفي 1990-1992، حصل على منصب رئيس الجمعية الدولية للأمراض المعدية، كما ساهم في الكثير من المبادرات مثل مبادرة اللقاحات الدولية لمكافحة الإيدز وغيرها.
وأخيرًا، تركت زوجته البروفيسورة الأميركية، سالي هودر، تعليقها حول حياته وإصراره، قائلة: "كنت أتعجب من إصراره الشديد بحياته وكنت أتسائل حول السبب، وما إن كانت تلك الدوافع نشأت من تربيته المبكرة أم أنها جزء من شخصيته".
أرسل تعليقك