فيما حلت امس "الأحد" الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل المثقف الوطنى والمفكر الاستراتيجى المصري جمال حمدان فان ذكرى الرحيل الغامض لأحد انجب من أنجبتهم مصر جاءت هذا العام وكأنها تجسد المقولة الشاعرة :"في الليلة الظلماء يفتقد البدر" بقدر ماهي دالة على الحاجة لمدرسته الوطنية في الاستراتيجيات والأفكار الخلاقة ناهيك عن تحذيره دوما من الاستسلام لليأس .
فعند "الغائب الحاضر" جمال حمدان :كل واقع بدأ خيالا وكل امر واقع كان مجرد فكرة" واذا كان "التفاؤل الحذر والفاعل يختلف تماما عن التفاؤل التواكلي الساذج فان البديل للتفاؤل هو اليأس اي الاستسلام" ومن هنا "فعلينا ان نناضل ونكافح والنصر لمن يريد".
واذ قامت عائلة الدكتور جمال حمدان بإهداء مقتنياته وأوراقه لمكتبة الأسكندرية التي ستعرضها قريبا في جناح يحمل اسمه فان اهم ما تركه هذا المفكر الاستراتيجي ثروة من الأفكار تجسد "قوة الأفكار الخلاقة" والقابلة للتطبيق في الواقع الراهن.
ومن ثم يتعين الاستفادة من هذه الأفكار الخلاقة والأصيلة بما يخدم الوطن الذي ذاب جمال حمدان عشقا له وتوحدا معه في أمثولة إخلاص لشعبه وجماهير أمته العربية بينما يكاد من يقرأ أوراقه الخاصة التي تركها قبيل رحيله يشعر بدهشة كبيرة إن لم يكن بذهول حيال القدرة الفريدة لهذا المفكر الاستراتيجي على التنبؤ والتوقع استنادا على مزيج مدهش من المعارف والخبرات الثقافية.
وإذ بات جمال حمدان رمزا من أعز رموز مصر ونجما لامعا للأبد في سماء الثقافة المصرية يمكن القول دون تزيد ان مثقفا فى حجم وقيمة وقامة جمال حمدان لا يزيده الموت إلا توهجا فى الذاكرة الثقافية المصرية ولن يزيده الغياب سوى المزيد من الحضور فى وعى أجيال تلو أجيال من المصريين وضمير بلاده ووجدان امته.
ولعل الإقبال الواضح على أعماله وخاصة العمل الفكرى الرائد لجمال حمدان "شخصية مصر" ولاسيما من الشباب مجرد إشارة من إشارات عديدة دالة على حجم حضوره الثقافى فى الحياة المصرية والعربية الراهنة فيما كان قد أوضح فى مقدمة هذا السفر الموسوعى نظرته العميقة للجغرافيا التى تخصص فيها ليقول إنها "علم بمادتها وفن بمعالجتها وفلسفة بنظراتها".
وبعد أن انتهى جمال حمدان من ملحمته العلمية الكبرى "شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان" التي صدرت في أربعة أجزاء على مدى عشر سنوات كاملة ووصل مجموع صفحاتها إلى أربعة آلاف صفحة من القطع الكبير فانه لم يكف عن الكتابة والبحث كعادته وراح يدون ما يعن له من أفكار وآراء حتى رحيله المفجع ليتولى شقيقه الدكتور عبد الحميد حمدان-الذي قضى بدوره مؤخرا في سويسرا- جمعها وإعدادها في كتاب صدر بعنوان :"د.جمال حمدان..صفحات من أوراقه الخاصة".
وواقع الحال أن هذه الأفكار كانت تعبر عن اهتمام المفكر والمثقف الوطني المصري جمال حمدان بوطنه وامته العربية والعالم الإسلامي ككل فيما كان الراحل الحاضر قد اختار لآخر مؤلفاته عنوانا دالا هو :"العالم الإسلامي في الاستراتيجية العالمية" على نحو ماذكر شقيقه الراحل في مقدمة الكتاب الذي تضمن صفحات من أورافه الخاصة وهو كتاب يضم نوعين من الأفكار:الأول وهو النوع القصير المقتضب الذي لم يتبلور بعد, والثاني هو المطول الذي أخذ شكله النهائي في سياق البحث او الدراسة.
ولم يجانب الدكتور عبد الحميد حمدان الصواب أو ينزع نحو المبالغة عندما اكد على أن ما خلفه الراحل العظيم الدكتور جمال حمدان من آراء وأفكار إنما تتناول أمورا على درجة كبيرة من الأهمية لمصر والعالم العربي والإسلامي والعلاقات مع الغرب وهي موضوعات محورية وحاسمة تفرض نفسها حتى الآن على مصير الشعوب وهويتها.
وكان الدكتور عبادة كحيلة أستاذ التاريخ الراحل قد ذكر في كتاب صدر صدر منذ نحو ثلاثة أعوام بعنوان :"عبقرية في الزمان والمكان" أن أستاذه جمال حمدان كان يعتزم قبيل رحيله في "الحريق اللغز" الذي اندلع بمسكنه في منطقة الدقي يوم السابع عشر من ابريل عام 1993 نشر كتابين جديدين احدهما عن الصهيونية والآخر بمثابة طبعة جديدة مزيدة ومطورة لعمله الكبير :"جغرافيا العالم الاسلامي".
وجمال حمدان الذي ولد في الرابع من فبراير عام 1928 بقرية "ناي" في القليوبية وقضي يوم السابع عشر من ابريل عام 1993 هو الذي قال قبيل وفاته :"أن لم تحقق مصر محاولة قوة عظمى تسود المنطقة بأثرها فسوف يتداعى عليها الجميع يوما كالقصعة" !.
ولأنه ينتمي لذلك النوع النادر من كبار المثقفين الذين يحق وصف كل منهم "بزرقاء اليمامة التي تحذر قومها من المخاطر القادمة " فان جمال حمدان حذر المصريين بشدة قبيل رحيله من متغيرات خطرة "تضرب في صميم الوجود المصري ليس فقط من حيث المكانة وإنما المكان ذاته".
وهكذا فان أوراقه الخاصة التي جمعها شقيقه الراحل الدكتور عبد الحميد حمدان تتضمن تحذيرات واضحة وصارخة للمصريين من مخاطر التآكل الجغرافي جراء المشاكل البيئية وهو أيضا الذي قال :"كانت مصر سيدة النيل والآن انتهى هذا إلى الأبد وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة إن لم يكن للنقص" فيما وصل الطفح السكاني إلى مداه .
ولفت جمال حمدان في عمله الموسوعي الرائد "شخصية مصر" إلى خاصية مدهشة ضمن شخصية مصر الاستراتيجية وهي انها كانت دائما "قطب قوة وقلب إقليم حتى وهي مستعمرة محتلة ومهما كانت أوضاعها الداخلية فقد كانت مصر-للغرابة والدهشة-مركز دائرة ما وليست على هامش دائرة اخرى" وتلك الصفة الجوهرية بلا شك ترتد إلى جذور جغرافية أصيلة وكامنة فيما يرجع الدور القيادي لمصر الى"موقعها الجغرافي الذي تكامل فيه الموضع مع الموقع".
ولأنه عاشق لمصر بالعاطفة والعقل معا فقد وصف ارض الكنانة "بمستودع القوة البشرية الطبيعي وخزان الطاقة الحيوية الأول في المنطقة ومن ثم آلة الحرب الأساسية وقلعة العروبة الحامية وقوتها الضاربة.انها القلعة والحصن والدرع والترس جميعا ومن هذا الدور الاستراتيجي الفذ بالدقة استمدت ركنا هاما من أركان زعامتها التقليدية في المنطقة وقيادتها الطليعية لها..أنها عاصمة العرب استراتيجيا وعلى كتفيها وقع عبء الدفاع عن المنطقة كلها عبر التاريخ".
وإذ اكد أن عروبة المصريين "قدر ومصير وحياة" يحذر هذا المفكر الاستراتيجي الفذ من الخلافات العربية بقوله :"في جميع الحالات لابد من حصر الخلاف في دائرة التكتيك الإجرائي وداخل إطار الحوار الأخوي وبعيدا عن الشقاق المدمر..إن نصف قوة العرب في وحدتهم بينما نصف استراتيجية العدو ان يشق هذه الوحدة".
ولعل جمال حمدان كان أول من سيبارك التوجه الرسمي الحالي لإقامة عاصمة إدارية جديدة لمصر وهو الذي تحدث عن تورم القاهرة واطلق صيحته المحذرة :"انقذوا مصر من القاهرة والقاهرة من نفسها" معتبرا ان "كل طوبة توضع في القاهرة هي جريمة في حق مصر كلها وأولها القاهرة نفسها وكل كوبري يبنى داخل القاهرة هو كوبري مسروق من مدينة أو قناة أو منطقة أخرى في مصر".
والمشروع القومي عند جمال حمدان "ليس إلا بناء مصر القوية الكريمة :أي العمل والإنتاج المادي والسلعي مع إعادة توزيع العائد بعدالة" مضيفا :"حين نقول مصر القوية فنحن نقصد مصر القوية العزيزة الكريمة في الخارج والداخل والقوة وحدها على خطورتها لاتكفي بل لابد من ثنائية القوة والجمال".
القوة بمعنى التحرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية ونفي التبعية اما الجمال كما يوضح الدكتور جمال حمدان فهو عزة الانسان المصري في دولته القوية حيث العدالة والمساواة وإعادة توزيع الملكية والدخل.
وليس دقيقا بالضبط-في رأي جمال حمدان-القول بأن "مصر رأسها في أوروبا وجسمها في افريقيا" وانما الصحيح كما يقول ان "مصر رأسها في أوروبا وأقدامها في افريقيا وجسمها في العالم العربي".
إنها رؤية المثقف الوطني والعالم الجغرافي الذي يكاد يتغزل في الجغرافيا عندما يقول :"قد لا تكون الجغرافيا قمة العلوم ولكنها بالتأكيد قمة الثقافة" مضيفا "الجغرافيا هي أعلي مراحل الثقافة وهي علم الثقافة الأساسي بدونها انت غير مثقف مهما فعلت وبها انت مثقف مهما قصرت" !.
غير انه يستدرك وكأنه يحذر من الغلو في هذا التصور فيقول :"لا ينبغي للجغرافي أن يشعر بمركب نقص إزاء العلوم الأخرى التي يأخذ منها ولكنه أيضا لا ينبغي أن يكون لنفسه مركب عظمة إزاءها فالتوازن النفسي مطلوب كالتوازن العلمي".
وإذا كانت الجغرافيا السياسية في قول جمال حمدان "تكثيف استراتيجي للسياسة" فالجغرافيا الاجتماعية في نظره "تكثيف استراتيجي لعلم الاجتماع" والجغرافيا ككل كما يقول "علم استراتيجي" وربما يمكن فهم بعض ملابسات حياته الخاصة مع تأمل العبارة التالية له :"الجغرافيا لاتقبل شريكا قط لافي العلم ولا في الحياة:انت محكوم عليك بالجغرافيا إلى الأبد وإلا خرجت من حوزة الجغرافيا بمعنى لن تكون شيئا مذكورا في الجغرافيا ان لم تتفرغ لها تماما العمر كله".
ويرى الدكتور جمال حمدان أن الجغرافيا أقوى من التاريخ "لأن الجغرافيا تحكم وتصنع التاريخ ولكن التاريخ لا يحكم الجغرافيا ولا يصنعها" معتبرا أن الجغرافيا "علم مفصلي ليس فقط بموقعها وسط العلوم الطبيعية والاجتماعية ولكن أيضا بربطها بين الظاهرات المختلفة أفقيا ورأسيا" ويتابع :"الجغرافيون بالضرورة تلاميذ كل المتخصصين الآخرين ابتداء من الجيولوجيا حتى التاريخ ولكن ماذا بعد هذه التلمذة ؟..أليست إلا الأستاذة؟!..فبعد أن يأخذ الجغرافي عنهم يصبح في النهاية قائدا وأستاذا لهم" !.
وينعي عاشق الجغرافيا حال الجغرافيا في جامعاتنا بقوله إنها:"جغرافيا تقليدية صرف, جامدة, محنطة, شكلية, متخلفة" معتبرا أن مأساة الجغرافيا في الحياة تتمثل في أن العمليين يرونها عبئا لا داعي له والنظريين يرونها عالة عليهم بلا داع "يالضيعة الجغرافيا بين الرجل العملي والأكاديمي النظري".
ثم يعود في هذا الكتاب الذي جمع بعض أوراقه الخاصة ليتغزل في الجغرافيا والجغرافي الحق من وجهة نظره ويقول :"ان المثقف الجغرافي هو سيد المثقفين" ثم يضيف وكأنه يستشرف لحظتنا العربية الراهنة بكل ما تنطوي عليه من مخاطر للتفتيت وتهديدات لكيانات دول عربية فيقول :"الوحدة الجغرافية تقول للعرب :اعتصموا بحبل الجغرافيا جميعا ولا تفرقوا" !!.
يجب على الجغرافي-كما يوصي الدكتور جمال حمدان-ان يضع نفسه داخل وخارج الإقليم في آن واحد لكي يستنبطه ويسبر أعماقه ودخائله ويراه رؤية كلية شاملة وكذلك بنظرة موضوعية بحتة مجردة" ولأنه مفكر مبدع فالعلم في نظره "إبداع" والمخيلة العلمية هي أساس كل ابتكار وتجديد وخلق في العلم .
وعند المفكر جمال حمدان :"المفكرون الحقيقيون قلة وكل مفكر مثقف ولكن ليس كل مثقف مفكرا" والفكر كما يقول مركب من ثلاثة عناصر هي :العلم والفلسفة والفن كما أن الأفكار في الجغرافيا هي الإطار الوحيد والضروري لصب وترتيب المعلومات وهذا هو الحل الوحيد والحقيقي لمشكلة الجغرافيا الرهيبة وهي طوفان الحقائق والمعلومات اللانهائي وبغير الأفكار تصبح الجغرافيا علما رهيب الحجم فاقد الهدف "فالأفكار قاطرة الجغرافيا والمعلومات قطارها او مقطورتها".
التفاصيل ‘ذن مجرد وسيلة لا غاية في الجغرافيا وجسر لا هدف عند هذا المفكر المصري الكبير الذي ذهب إلى أن التاريخ "ليس التاريخ المكتوب بيد الإنسان ولكنه التاريخ المكتوب بيد القدر وممكن أيضا القول :الإنسان يكتب التاريخ ولكن القدر هو الذي يصنعه.القدر يملي والإنسان يدون".
ولعلنا اليوم أحوج ما نكون لتأمل وتطبيق أفكار لجمال حمدان مثل :"الدين للحياة, ولا دين بلا دنيا كما لا دنيا بلا دين,الجسم للدنيا والروح للآخرة والدين الوسطي يضع قدما في الدنيا وقدما في الآخرة" فيما رأى أن عدم التكيف مع حضارة العصر هي مشكلة المسلمين لا الإسلام مضيفا :"المهم أن يرتفع العالم الإسلامي إلى مستوى التحدي القادم من الغرب ويفرض احترامه ليبدأ سلام الشجعان وصلح الفرسان" .
وتكاد كلماته تنطق بالحسرة وهو يتحدث عن العالم الإسلامي الذي تحول إلى "دار حرب" وساحة لحروب عديدة لا تنقطع أما داخله بين دوله أو حروب أهلية داخل الدولة الواحدة معيدا للأذهان أن من أسوأ المسيئين إلى الإسلام بعض من أشد من يزعمون أنهم يدافعون عنه !.
وفيما يقول الدكتور جمال حمدان ان مقولة "الدولة الإسلامية العالمية الواحدة هي محض هوس ديني محموم جاهل ومعتوه" فهو يوضح :"أن الاستراتيجية العظمى لأعداء الإسلام هي استدراجه وتوريطه في صدام وصراع دموي مسلح إن أمكن مع المسيحية" فيما لاحظ أن الغرب الذي كان يتحدث عن الخطر الأحمر أي الشيوعية قد ابتكر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي "الخطر الأخضر إشارة إلى خطر الإسلام".
وخلافا لما قاله المفكر الأمريكي الجنسية والياباني الأصل يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ" بعد انتصار الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة على المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي الذي بات في ذمة التاريخ فالرأي عند المفكر المصري العربي جمال حمدان أن ما حدث وأسفر ضمن تداعياته عن انفراد أمريكا بقيادة العالم ليس نهاية التاريخ وإنما "نكسة التاريخ".
فالصراع أبدي ومتعدد الأبعاد والجوانب وقد ينتكس التاريخ في رأي جمال حمدان ويتقهقر ثم يعود ليتقدم للأمام وكأن هذا المفكر المصري الكبير كان يستشرف لحظة نرى الآن بعض إرهاصاتها عندما قال في أوراقه الخاصة قبيل رحيله :"ستعلن أمريكا يوما عجزها عن الاستمرار في قيادة العالم الأحادية وإدارة شؤون هذا الكوكب وحدها وتعلن الانسحاب من الزعامة والقيادة والصدارة وهنا ستظهر القوى الجديدة المتحدية الآن في صمت".
وفي الوقت ذاته رأى جمال حمدان إن "قبول العرب نهائيا بضياع فلسطين نهائيا سيكون اعترافا بل إعلانا من العرب عن إنهاء وحل العروبة والقومية العربية نهائيا والى الأبد بمعنى أن أمة قررت حل نفسها واعتبار ذاتها ليست أمة تماما كما أعلن الاتحاد السوفييتي حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة" وهو ما يصفه "بالانتحار السياسي والقومي".
ويقول جمال حمدان : "كان العالم العربي في الشرق الأوسط بمثابة مرتفع قوة أشبه بالجبل المحدب العالي ولكن تحول الآن الى منخفض قوة تحيط به مرتفعات القوة من كل الجهات فتحول من جبل الى أخدود" وأقطاب منطقة الشرق الأوسط في نظره : مصر وإيران وتركيا بينهم منافسات وصراعات إقليمية حتمية أرادت أم لم ترد والمسألة مسألة توازنات جيوبوليتيكية لا إرادية وكل ارتفاع هنا يعني انخفاضا هناك اما اسرائيل فدخيل هزيل.
كان جمال حمدان صاحب "الاستعمار والتحرير فى العالم العربى" و"استراتيجية الاستعمار والتحرير" قد حذر من إمكانية تفكك الاتحاد السوفييتى ومنظومة دول حلف وارسو قبل سنوات طوال من هذا الحدث بكل نتائجه وتداعياته العالمية .
ومن أعماله الفكرية وكتبه العديدة:"دراسات فى العالم العربى" وبترول العرب" و"المدينة العربية" و"اليهود انثربولوجيا" و"6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية" و"قناة السويس" فيما واصل المفكر الاستراتيجى جمال حمدان رحلته الثرية فى البحث والاستشراف المستقبلى ليؤكد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وسقوط منظومة حلف وارسو أن الغرب الذى يسعى دوما "لخلق العدو" سيصطنع لعبة صراع الحضارات وسيكون العالم الإسلامي هو العدو الجديد.
رحلته في الحياة الدنيا حالة فذة "لتفجير الإمكانية" وإبحار جسور في عالم الأفكار واحتشاد ثقافي يجسد مقاومة المثقف الوطني ومعنى النضال وتحمل ثمن القرار وشرف الكلمة.. انه جمال حمدان صاحب الوجه النجيب العنيد المؤنس فى الحق والذي ضرب المثل وقدم أمثولة خالدة في التواضع عندما قال قبيل رحيله وبعد كل أعماله الفذة وفي مقدمتها "شخصية مصر" إن "دراستنا حتى الآن لجغرافية مصر لا تزيد على مجرد خدش سطحي"! .
في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيله الغامض الملغز :سلام على الجغرافي المصري الأعظم وعاشق الجغرافيا الوفي الذي اعتبرها "شعر العلم" وقال :"يموت الجغرافي الجيد وفي نفسه شييء منها"..سلام على من قال :"الخريطة لا تمنح أسرارها إلا لمن يعشقها"..وهو ذاته صاحب عبارة :"الجغرافيا الفكرية هي وحدها الجغرافيا الخلاقة"..جمال حمدان : لئن حق القول فيك انه "في الليلة الظلماء يفتقد البدر" فمن الحق أيضا القول انك سوف تلهمنا وتلهمنا بقوة أفكارك الخلاقة فنستعصى على الهزيمة ونتابع خطاك ونلتقط جوهر رحلتك النبيلة في حب مصر الخالدة.
أرسل تعليقك