قرّر أحد الصيادين في بحيرة المنزلة، منذ أكثر من 150 عامًا، إرساء مركبه على جزيرة خاوية، وبناء كوخ صغير ليعيش فيه منفردًا، ومن ثم قام باستقدام أفراد عائلته للإقامة معه في الجزيرة، وأسوة بالصياد الكبير ويدعى "العزبي"، قام عدد من الصيادين بصحبة عائلاتهم ببناء أكواخ وأكشاك خشبية صغيرة صنعوا منها منازل للإقامة في الجزيرة ذاتها، أطلقوا عليها جزيرة العزبي .
تاريخ الأزمات :
تتبع جزيرة العزبي إداريًا محافظة الدقهلية نظرًا لبعدها 16 كيلومترًا فقط عن مركز الجمالية التابع لمحافظة الدقهلية ، بينما تقع على بعد 21 كيلومترًا من مرسى قرية غيط، تحديدًا في وسط بحيرة المنزلة، وتُقطع المسافة في فترة زمنية تعادل الـ45 دقيقة ، قرب الجزيرة في المسافة بين المحافظتين جعلها محل نزاع فيما بينهما لعدة سنوات إلى أن تم حسم الجدل بإعلان الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه، محافظ دمياط، نقل سكان جزيرة العزبة بوسط بحيرة المنزلة، بعد قرار الحكومة بإخلاء كل الجزر الموجودة ببحيرة المنزلة ، ما أثار ريبة الأهالي في القرية من مصيرهم المجهول بعد الإخلاء .
الجزيرة المنسية :
تحظى جزيرة العزبي بموقع مترامي على طرف محافظتي دمياط و الدقهلية، نتج عنه خطورة أمنية كبيرة نظرًا لانعدام المرافق والخدمات سواء الطبية أو الأمنية، وقلة الخدمات بها سواء العامة أو الخاصة، وانحدار مستوى التعليم لعدم وجود مدرسة وحيدة، ونقص الموارد الأساسية من مياه وكهرباء والمتطلبات التي تكفل للإنسان حياة طبيعية كريمة ، لأكثر من 210 أسرة يقيمون في الجزيرة بما يعادل حوالي 4000 آلاف مواطن من بينهم 1000 طفل ، يعيشون جميعًا من الصيد وتربية الأسماك .
وفي مدخل القرية مساحة يكسوها العشب الأخضر جعل منها الأطفال ملعبًا لكرة القدم التي صنعوها يدويًا من " الشرابات "، وبعض العشش والبيوت في القرية صنعت أسقفها من قش الرز، و البعض الآخر صنع من الخشب المهترىء الذي لا يحمي من شمس الصيف ولا يمنع مطر الشتاء . وفي قلب القرية توجد زاوية صغيرة تستخدم للصلاة ، كما تقوم بدور ما كان يطلق عليه في منتصف القرن التاسع عشر " الكتاب " حيث يحفظ الأطفال القرآن و يحاول البعض منهم كذلك تعلم القراءة والكتابة .
أهالي الجزيرة : " احنا بنموت " :
بجوار أحد البيوت جلس عم حسن الصياد القرفصاء بعد عودته من رحلته الطويلة في الصيد التي أدت إلى عدد من الإصابات في قدمه ،ويده ، ولكن يبدوا أن عدد أكثر من الإصابات والتشوهات النفسية قد أصابته . وقال عم حسن تعددت زيارات المحافظين سواء محافظ دمياط أومحافظ الدقهلية ، وكل واحد بيشوف ويمشي وبعد كدة مابيعملوش حاجة "، مضيفًا "ما عندناش أي خدمات غير عن طريق اللانش بيروح ويرجع مرة واحدة في اليوم بينقل الناس ، ويرجعهم ويجيبلنا تموين اليوم ."
والتقط عادل العزبي أحد أهالي القرية طرف الحديث، وأضاف "نفسي أولادي يتعلموا وما يبقوش جهلة زي بس طبعًا مفيش مدارس .. احنا بنموت هنا بسبب قلة الخدمات ". ولم يتذكر عادل عدد تقريبي بحالات الوفاة ولكنهم تجاوزوا المئات - على حد قوله - ممن يموتون في اللانش قبل وصولهم للمستشفى .
وروى عادل قصة رفيقه وجاره في السكن الذي فقد ابنته الوحيدة بسبب حما أصابتها ولم يتمكن من إيصالها إلى المستشفى في الوقت المناسب ، وفي اليوم التالي استيقظ أهالي القرية ولم يجدوه ولا أحد يعرف إليه سبيلًا حتى الآن .
و على مقربة يستلقي " خالد " على مركب والده الذي توفى منذ سنوات وأهم ما ورثه عنه غرفة متفرعة من عشة جده، ومركب صغيرة يستخدمها في الصيد لكسب قوت يومه ، معربًا عن حلمه بأن يصبح محافظًا لدمياط لينتشل ذويه وأبناء جزيرته لمنطقة حضرية ، أو يجعل منها ذاتها منطقة حضرية . وأسوة بخالد عبرت " نورهان" الفتاة الحسناء ذات الـ14 عام عن أحلامها ، متمنية أن تصبح طبيبة لتعالج أهالي الجزيرة وتنقذهم من الموت ، كحال خالد و نورهان الأطفال في الجزيرة أحلامهم الصغيرة تتمحور بشكل جزئي و كلي حول ذويهم و جزيرتهم التي تمثل لهم وطنًا وملاذ لا يعرفون سواه .
وقبل حلول الليل بساعات أشعلت "خضرا " ربة منزل لمبتي الجاز اللاتان تعتبران مصدر الضوء الوحيد لعشتها التي تضم في كنفها أسرتها المكونة من 5 أفراد . وأوضحت " خضرا" أن مصدر الكهرباء الوحيد في القرية هو مولد كهرباء قام الأهالي بشراؤه يعمل من السابعة مساءً وحتى التاسعة يتوقف عن العمل ، معلنًا بتوقفه الموعد الرسمي للنوم في القرية .
وصب الأهالي غضبهم على جميع المسؤولين في المحافظتين ولم يستثنوا منهم أحدًا ،كما أجمعوا على رغبتهم بالتابعية لمحافظة دمياط، وأرجعوا السبب للجوءهم للمحافظة في قضاء جميع مصالحهم ، كما يعمل العديد من ابنائها في المحافظة سواء في الوظائف الحكومية أو الحرفية كما أن الغالبية العظمى منهم يحمل بطاقة شخصية تابعة لمحافظة دمياط .
الرد الحكومي :
كشف الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه محافظ دمياط ، أن جزيرة العزبي يقع عليها نزاع منذ سنوات طويلة بين محافظتي دمياط والدقهلية، وفي النهاية توصلوا لمناصفة الجزيرة بين المحافظتين وتقرر إنشاء عمارات للتابعين لمحافظة دمياط على أرض غيط النصارى، موضحًا " حاولنا إقناع الأهالي بالنقل لمساكن بديلة ولكن الناس مش عايزين يمشوا وعايزين يفضلوا كده وليس كما يشاع عن إهمال المحافظة لشأنهم".
أرسل تعليقك