القاهرة- مينا جرجس
نجحت مصر وبالتدريج في تقديم سعي مستمر منذ ٢٠١٣ بشكل يتسق مع قواعد التعامل الدولي التقليدية، من أجل إعلاء شأن المصالح المصرية كافة، بشكل يعلو على أي مصالح أخرى، ويظهر هذا النهج الاستقلالي جلياً في قضايا مثل أزمة سعد الحريري في لبنان والصراع السني الشيعي في المنطقة، ومحاولات تقسيم بلدان مثل العراق أثناء محاولة استقلال كردستان وتدعيم العلاقات السياسية والاستراتيجية مع روسيا وموقفها من أهمية الحفاظ علي كيان الدولة السورية، وهذا الاستقلال في الرؤية والقرار حقق لمصر مصالحها أولا وأعاد لها مكانة افتقدتها منذ أيام الرئيس عبد الناصر، حيث قادت العالم العربي ثقافيا وسياسيا، بينما بدت في عهد مبارك معتمدة علي واشنطن، وبذلك تكون قد حققت أحد مطالب ثورة يناير/ كانون الثاني ٢٠١١ في ضرورة استعادة دور مصر الريادي وهيبتها دوليا وإقليميا.
وقالت دورية "فورين أفيرز" الأميركية، في مقال كتبه مايكل وحيد حنا ودانيال بنيم، إن مصر في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تتبع نهجاً في السياسة الخارجية يقوم على تحقيق مصالحها أولا فيما وصفته المجلة بنهج "مصر أولا"، وأضافت الدورية الأميركية المرموقة في تقريرها، أنّ استقلال قرارات القاهرة في سياستها الخارجية أحبط العديد من الأطراف الأجنبية، لكنه لا ينبغي أن يكون مفاجئا، فقد كان رغبة واستعداد مصر لكي تسلك مسارها الخاص.
وأشارت "فورين أفيرز"، إلى أن مصر بقيادة الرئيس السيسي، قامت القاهرة تدريجيا بصياغة مذهب جديد في السياسة الخارجية قائم على الالتزام الأيديولوجي برفض الإسلام السياسي واحترام المفاهيم التقليدية المتعلقة باحترام السيادة، وعدم التدخل في شؤون الدول، والتأكيد القومي على حرية مصر في المناورة في المنطقة، وهو ما أدى إلى ابتعادها عن حلفائها التقليديين نحو مستقبل أكثر استقلالا، منوّهًا إلى موقف مصر تجاه الأزمة الأخيرة في لبنان وتأكيدها على أهمية الحفاظ على استقراره وإعلاء مصالحه الوطنية، وكيف أن زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للقاهرة لعبت دورا رئيسيا في حل الأزمة وعودته لرئاسة الحكومة في بلاده.
وقالت المجلة إن موقف مصر من هذا الأمر كان يركز على «أهمية الحفاظ على استقرار لبنان وإعلاء مصالحه القومية»، مشيرة إلى أن الموقف المصري كان بمثابة صوت معارض لمحاولات الرياض إعادة ترتيب نظم الشرق الأوسط، وهي المحاولات التي تنفذها الرياض تحت شعار «معنا أو ضدنا»، بل وخطَّت لها خطوطاً فاصلة بينها وبين طهران، وأضافت أن الحريري لم يكن الشخصية رفيعة المستوى، التي تزور القاهرة للحديث مع حكومتها عن مخاوف بعينها، ففي 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة مصر لتسليط الضوء على العلاقات الوثيقة بين البلدين، بما في ذلك الاتفاق المحتمل إبرامه، والذي يسمح للطائرات الحربية الروسية باستخدام القواعد العسكرية المصرية، على الرغم من 4 عقود من الشراكة بين القاهرة وواشنطن.
وتابعت المجلة أن هذه الاستقلالية، التي تتعامل بها القاهرة، والتي ربما تحبط وتغضب الدول المانحة لا ينبغي أن تكون مثار دهشة، إذ إن الاستعداد لاتخاذ مسار مستقل في السياسة الخارجية كان أحد سمات نظام القاهرة منذ يوليو 2013.وأكدت أن القاهرة تعمل، منذ وصول السيسي إلى الحكم، على تشكيل صيغة جديدة لعقيدتها فيما يتعلق بملف السياسة الخارجية، وأن تلك العقيدة تقوم على «التزامات أيديولوجية مناهضة للإسلام السياسي»، وقالت إن نظام السيسي يقود مصر بعيداً عن التحالفات التقليدية، ويتجه بها نحو مستقبل أكثر استقلالاً.
ورأت المجلة أن التوجه الجديد الذي يتبناه السيسي، تعود جذوره إلى ثورة 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق، حسني مبارك، حيث ظل مطلب المتظاهرين استعادة هيبة الدولة وكرامتها على الساحة العالمية مطروحاً طوال فترة المرحلة الانتقالية المضطربة، ما دفع النخبة في مصر للبحث عن كيفية استعادة استقلالية مصر في التصرف وتنويع علاقاتها بالخارج، وتابعت أن التوجهات السياسية الخارجية في مصر بعد الإطاحة بمرسي، كانت نابعة جزئياً من احتياجات أمنية واقتصادية في الداخل، وفوق كل هذا محاربة الدولة للمتطرفين والتغلب على عجز الميزانية، ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية، وبعدما تمكنت مصر من تحقيق استقرار سياسي واقتصادي، تحت حكم السيسي، تحولت هذه الاتجاهات المتناثرة (اتجاهات الاستقلالية في السياسة الخارجية) إلى رؤية عالمية متماسكة، ورفضت مصر اتباع المسار السياسي المتشدد للسعودية في تنافسها مع إيران، وقالت إنه على الرغم من أن مصر تقبل المساعدات الأجنبية، إلا أنها لا تقبل أي إملاءات من الخارج.
أرسل تعليقك