أّكد وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، أنه لا تعارض بين أن تتواجد سياسيا واقتصاديا في الخارج وبين استكمال التنمية في الداخل، وذلك ردًا على دعاة الانكفاء على الداخل، مشيرًا إلى أنه يجب على مصر أن تكون في مقدمة القوى التي تعمل على استقرار ليبيا ومنع سيطرة المتطرفين عليها، منوهًا في هذا الصدد بأن الجامعة العربية لم تسهل دخول الناتو إلى ليبيا في عهده، وأنه سيرد على مروجي هذه الأكاذيب بالوثائق في الجزء الثاني من مذكراته.
وجاء ذلك خلال حوار أجرته صحيفة الشروق المصرية معه، تطرق فيه إلى القضية الفلسطينية بعد اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفند بعين الخبير الأخطار المحدقة بالعرب في اللحظة الراهنة، وتجاوز ذلك إلى وضع تصورات لحلول يمكن البناء عليها في قضايا جوهرية مثل القضية الفلسطينية.
وعما إذا كان لا يزال بإمكانه لعب دور مصري يحول دون اختراق الكثير من المواضع في العالم العربي، قال: نعم مصر تملك مؤهلات القيادة.. لكن علينا أن نفعلها، وفي هذا السياق أقول إن مفهوم قوة مصر يجب ألا ينسحب فقط على القوة الصلبة أو القوة العسكرية، وهي مهمة جدا بطبيعة الحال، بل ينسحب أيضا بنفس الأهمية على القوة الناعمة التي تميزت بها مصر منذ عقود القرن التاسع عشر وحتى وقت قريب، لكنها بدأت تتراجع.
وردا على إذا كان من المؤمنين بأن الثورات العربية كانت مدفوعة بجهد المؤمنين بنظرية "الفوضى الخلاقة" في واشنطن، قال إن الثورات قامت لوجود أخطاء داخلية ضخمة صاحبها زخم خارجي ضخم أيضا، وهو ما أدى إلى ثورة 25 يناير في مصر مثلا. لكنني أشدد دوما على أنه ما كان للفوضى أن تنجح إلا في وجود سوء إدارة للحكم في مصر، وسوء إدارة للحكم في العالم العربي عموما، وعندما أقول سوء إدارة الحكم في مصر فإنني لا أعنى فقط السنوات الأخيرة من عهد مبارك، بل إن هذا السوء بدأ منذ الفترة الأخيرة من عهد الملك فاروق بكل العهود التالية دون استثناء بما في ذلك العام اليتيم الذي حكمه الإخوان.
وقال الأمين الأسبق للجامعة العربية "نعم أخطاء الحكم تراكمت، وعندما أتحدث عن سوء إدارة الحكم أتحدث عن سوء إدارة التعليم والصحة والخدمات، وعدم الاهتمام بتنمية الإنسان المصري وربما الاهتمام بالعكس، وهو ما أدى إلى ما حدث من تجريف وتراجع في الكفاءة والجودة؛ فمفهوم الحكم يجب ألا يقتصر على فاعلية مؤسسات مثل الجيش والشرطة، بل يتخطى ذلك إلى توفير الخدمات للناس بجودة عالية، وهو ما ينتج عنه قدرة هؤلاء الناس على التقدم بالدولة. إن تراكم سوء إدارة الحكم انتهى بفشل الدولة في تحقيق ما يريده الناس، ويأملون في تحقيقه بصرف النظر عن طبقاتهم أو أوضاعهم المجتمعية".
وبخصوص الشواهد التي تجعله واثقا من حدوث هذا التغيير الجذري في العالم العربي، أجاب بأننه في الحديث عن التغيير في العالم العربي، يود أن يقول إنه ليس شرطا أن يأتي هذا التغيير بواسطة الثورات والانتفاضات، قد يأتي من خلال تبني توجهات إصلاحية جديدة، كما يجري في السعودية حاليا بل إن التوجه نحو الإصلاح الشامل ــ الحقيقي ــ يمنع ردود الفعل العنيفة للشعور بالإحباط والقهر والتراجع في حظوظ الحياة الكريمة.
وبالعودة إلى حديثه عن المجال الحيوي لمصر، وماذا ينبغي على البلاد أن تفعل في ليبيا المأزومة، رد بأن ما نفعله الآن أي أن نتحسب ونستعد تماما للإرهابيين الموجودين على الأراضي الليبية، ونصد محاولات تسللهم واختراقهم لحدودنا بمنتهى القوة والحزم، في الوقت ذاته نعمل مع الأمم المتحدة ومع دول الجوار ومع الوطنية الليبية على إنضاج تسوية ليبية ــ ليبية، فالوضع الحالي يبقى وضعا مؤقتا. يجب أن تكون مصر في مقدمة القوى التي تعمل على استقرار الأمور في ليبيا؛ ومنع سيطرة المتطرفين باعتبار أن ذلك مرتبط مباشرة بالأمن القومي المصري.
وبمناسبة ليبيا، سألته الشروق عن اتهام يثيره البعض ضده يدعى أنه سهل تدخل الناتو فيها وقت أن كنت أمينا عاما للجامعة العربية، فأجاب أن البعض يحاولون أن يجعلوا من السؤال محلا للاتهامات المرسلة وللسباب والصياح، وقد ارتحت لحقيقة أن هذا السباب والصياح لم يكن له صدى يذكر لا عربيا ولا إقليميا ولا دوليا، حيث تهتم دوائر الإعلام فيها بالاطلاع على الحقائق والمعلومات الموثقة وخاصة في هذه الأمور الجادة.
وعن رؤيته لإصلاح العلاقات المصرية السودانية المتأرجحة، قال "حاولت خلال الفترة التي توليت فيها منصب وزير الخارجية (1991 ــ 2001) وضع أساس متين لعلاقات قوية مستقرة مع السودان، وهنا بالطبع نحن في مصر ندرك أن السودان دولة مستقلة وذات سيادة وهي في نفس الوقت الأقرب إلينا. ولنا معا مصالح مشتركة كثيرة. لكن الحادث أننا في بعض الأحيان لا نتعامل معها باعتبارها الأقرب إلينا، وفي المقابل وعلى الرغم من أن النظام السوداني يعلم الحساسية المصرية إزاء التطرف الديني، فهو في بعض الأحيان لا يراعي ذلك، والمطلوب منه تفهم المخاوف المصرية المبررة في هذا السياق بغض النظر عن مرجعيته الدينية.
وحول أزمة سد النهضة مع إثيوبيا التي طال أمدها من دون التوصل لاتفاق يحفظ الحقوق المائية المصرية، قال موسى: أنا لست على علم بجميع التفاصيل فيما يتعلق بأزمة سد النهضة.. وبشكل عام أرى أن المطلوب من مصر في مقاربة هذا الملف هو معالجته بـ"شمول سياسي"، بمقتضاه نسير في طرق مختلفة، ولكن مترابطة في النهاية؛ فعندما نتفاوض مع إثيوبيا في موضوع السد لابد أن نخدم على ذلك في العلاقة المائية مع السودان وإعادة الحديث عن قناة جونجلى، وعلاقتنا بخاصة مع دول القرن الإفريقي وكذا علاقاتنا الاقتصادية مع الدول الأفريقية الشقيقة، وعلاقات التضامن الأمني مع عدد من الدول العربية المهمة وعلاقتنا مع عدد من الدول الفاعلة على المستوى العالمي، وكذلك المنظمات الدولية ذات الصلة، ثم تعبئة الحكومة في حركة "شمول سياسي" يشبه الشمول المالي.
وأعني بذلك ألا تعمل الوزارات والهيئات والمصالح المختصة في هذا الموضوع دون الرجوع للآخر. أي أن على وزارة الزراعة مثلا أن تدرس خارطة المحاصيل لتعديلها وفق مخطط علمي وفي إطار زمني مدروس دون عجلة أو إبطاء، وفي نفس الوقت الذى تدرس فيه وزارة الري تغيير وتحديث عملية الري وشبكاته وأساليب وتجويد وحسن تنفيذ عمليات تدوير المياه وتنقيتها وتكرار استخدامها.
ودعا السيد عمرو موسى، الدبلوماسي والسياسي المخضرم، الدول العربية لأن تعلن موقفًا محترمًا وقويًا من القضية الفلسطينية، في إطار المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت سنة 2002 والشرعية الدولية، مشدد على أهمية عدم قبول العرب لأي صفقة غير متوازنة تحقق مكسبا فاعلا لطرف وخسارة كاملة للطرف الآخر "فلنبق القضية معلقة بدلا من الخسارة الشاملة الظروف الدولية تتغير، ولنحذر مكر التاريخ".
واعتبر الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، العرب مهددون في ظل السياسة الأميركية الجديدة التي تعتبر إيران الخطر الأول والأوحد وإن من منطلق التسلح النووي فقط. وأما باقي المشاكل التي يراها أهل الخليج ويؤيدهم العرب جميعا بنسب مختلفة بعضها يقترب من الصفر وأخرى تقترب من التأييد الكامل، تتعلق بالسياسات العدوانية أو سياسات الهيمنة التي يفتخر بها قادة إيرانيون علنًا، فلا تشكل في رأيي أولوية أميركية ولكن لا مانع من بعض التحركات والتصريحات المواتية وربما الخدمات العسكرية المأجورة.
وأكد رئيس لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصري، أن علينا أن نتوقع الأسوأ في هذه المنطقة التي نعيش فيها؛ فسورية يحدث فيها الكثير من التطورات السلبية لوجود أكثر من تدخل أجنبي، مع تعارض المصالح فيما بينها، بالإضافة إلى إمكانات وإرهاصات مواجهة إسرائيلية إيرانية.
أرسل تعليقك