واشنطن ـ مصر اليوم
قضى الأثريون أكثر من قرن يتجولون وسط غابات غواتيمالا، على غرار ما كان يفعله إنديانا جونز، بحثاً عن مساحات خضراء كثيفة لمعرفة ما يتسنى لهم عن حضارة "مايا" القديمة، التي شكلت أحد المجتمعات السائدة في أميركا الوسطى في ذلك الحين، لكن جاء الاكتشاف الأخير ليقلب الأمور رأساً على عقب، ولذلك أطلق عليه أحد علماء الآثار "الاكتشاف الذي غير قوانين اللعبة"، دون أن يتكلف الأمر شيئاً يذكر.
فباستخدام أحدث التكنولوجيا وأدوات المسح الراداري من خلال الطائرة، أمكن للعلماء اكتشاف آلاف المباني التي شيدها شعب "مايا"، والتي تضمنت أعمالاً دفاعية وبيوتاً ومباني وحقولاً زراعية وحتى أهرامات جديدة. وجرى الإعلان عن الاكتشاف الثلاثاء الماضي، ليعيد تشكيل آراء طالما اعتقد بها الناس عن حجم ومدى اتساع حضارة "مايا".
وبحسب ألبرت يو مين لين، المهندس المكتشف في قناة "ناشيونال جيوغرافيك" الذي ساهم من خلال قناته التلفزيونية في الاكتشاف الجديد، فإن "هذا العالم الذي تاه وسط الغابات الفسيحة قد اكتُشف فجأة". وفي تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز"، قال مين لين: "كل ما اعتقدت أنك فهمته بالكامل عن تلك الحضارة عاد ليصبح اكتشافاً جديداً مرة أخرى".
ووصف توماس غاريسون، عالم الآثار بكلية أطلنطا الذي قاد المشروع، الاكتشاف بأنه "هائل"، وبأنه سيغير "قوانين اللعبة"، لأنه سيغير مستوى القاعدة التي درسنا بها آثار "مايا" في السابق. وجرى الإعلان عن الاكتشاف من خلال مؤسسة "التراث الطبيعي لتراث وطبيعة حضارة مايا"، التي تستخدم ما يعرف بنظام "ليادر"، بالتعاون مع مجموعة من علماء الآثار الأوروبيين والأميركيين. ويعتمد نظام "ليادر" على إطلاق جهاز بالغ التطور لنبضات ليزر سريعة على الأسطح بمعدل يصل إلى 150 ألف نبضة في الثانية، ويقيس المدة التي يستغرقها هذا الوقت لكي يرتد إلى الجهاز. وبتكرار هذا العمل مرات ومرات، أمكن للعلماء رسم خريطة طبوغرافية بأنواع مختلفة. واستغرق الأمر شهوراً ليتمكن العلماء من عمل نماذج مصممة بالكومبيوتر ساعدت الباحثين على تعرية نحو نصف مليون هكتار من الغابات نمت فوق بقايا حضارة "مايا" المطمورة. والمفاجأة أن الصورة التي توصل إليها العلماء جاءت واضحة بدرجة مذهلة في وصفها للشكل الذي كانت عليه أرض وبيئة "مايا".
وقد استخدم العلماء مسحاً مماثلاً لكشف ما تحويه الأرض في باطنها، الذي أظهر شبكة من المدن القديمة في أنغكور، وقلب إمبراطورية "الخمير" في كمبوديا. وفي الحقيقة، لقد أثبتت تقنية "ليادر" قدرتها على كشف الحضارات حتى وسط أكثر الغابات كثافة في البرازيل.
وفي تصريحه لصحيفة "واشنطن بوست"، قال غاريسون إنهم لم يستخدموا "سوى 8 في المائة من بيانات تقنية (ليادر) لأن تلك النسبة الضئيلة تتضمن كل ما نحتاجه في مجال عملنا كأثريين، وقد تخلصنا من نسبة الـ92 في المائة الباقية. وتتضمن تلك النسبة الكبيرة معلومات ذات قيمة بالغة عن علم الغابات، إذ يمكن استخدامها لمعرفة طريقة معالجة الغابات من الحرائق، وفي تحديد نسب انبعاثات الكربون، وفي غيرها".
أرسل تعليقك