سجّل الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة، الذي يشكّل محور الخلاف بين البلدين، زيادة كبيرة في مايو/ أيار الماضي رغم التسارُع المفاجئ في إجمالي واردات الدولة الآسيوية العملاقة، بينما يحوم شبح حرب جمركية بين ضفتي المحيط الهادئ.
وأعلنت إدارة الجمارك في الصين، الجمعة، أن الخلل في توازن المبادلات بين أكبر اقتصادين في العالم ازداد الشهر الماضي مع ارتفاع العجز الأميركي مع الصين بنسبة 11.7 في المائة على مدى عام، إلى 24.58 مليار دولار.
وهذا الأمر من شأنه أن يزيد من تعقيد المحادثات التي تراوح مكانها بين البلدين، فهذه الهوة التجارية الهائلة التي وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 375 مليار دولار في 2017 حسب واشنطن، تثير غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ينتقد الممارسات "غير النزيهة" للصين.
ويطالب البيت الأبيض، بكين، بخفض العجز التجاري لواشنطن بمقدار مائتي مليار دولار تحت طائلة فرض رسوم جمركية عقابية على ما قيمته 50 مليار دولار من المنتجات الصينية المستوردة.
ورفضت الصين حتى الآن الموافقة على هذا المبلغ، لكنها عرضت شراء ما قيمته 70 مليار دولار من المنتجات الأميركية الإضافية شرط تخلي الإدارة الأميركية عن تهديدها بعقوبات، كما ذكرت الحكومة الأميركية الأربعاء الماضي.
المفارقة أن الفائض التجاري الصيني ازداد مع الولايات المتحدة خلال مايو/ أيار، بينما يتراجع بشكل واضح مع سائر دول العالم، فقد انخفض الفائض الإجمالي للبلاد إلى 24.9 مليارات دولار في مقابل 28 مليارا في أبريل/ نيسان، وهو رقم بعيد جدا عن توقعات المحللين بوصوله إلى 33 مليارا.
وتفسّر هذه النتيجة بتسارع كبير لواردات الدولة الآسيوية العملاقة التي سجّلت زيادة نسبتها 26 في المائة على مدى عام في مايو/ أيار، وهذا بعيد جدا عن تقديرات خبراء استطلعت وكالة "بلومبرغ" للأنباء المالية آراءهم، وتبلغ 18 في المائة.
وقالت إيريس بانغ، الخبيرة الاقتصادية في وكالة "آي إن جي"، إن زيادة الواردات "يمكن أن تفسر بالشكوك المرتبطة بالمفاوضات التجارية".
وأضافت الخبيرة لوكالة "بلومبرغ" أن "المخاطر التي تواجهها المبادلات تتكثف وتدفع المصدرين إلى تسريع استيراد مكونات" يحتاجون إليها لمنتجاتهم.
وفي الواقع، قالت بيتي وانغ المحللة في مصرف "إيه إن زد" إن الواردات الصينية من الدارات الإلكترونية المدمجة -التي تريد واشنطن حظر أو خفض تصديرها- ارتفعت بنسبة 36 في المائة الشهر الماضي، وأضافت أن منتجات التكنولوجيا المتطورة ارتفعت أيضا بنسبة 23 في المائة، وتشكل 7.3 نقاط مئوية من النمو الإجمالي للواردات.
وبشكل عام يبدو مجمل قطاع الصناعات التحويلية متينا، ويزيد من مشتريات الصين من الحديد والفحم. وقال جوليان إيفانز بريتشارد، المحلل في مجموعة "كابيتال إيكونوميكس"، إن ذلك "إشارة إلى أن الانتعاش الجديد للنشاط الصناعي المرتبط بإنهاء القيود لمكافحة التلوث في الشتاء، استمر في مايو".
وما زالت الواردات تستطيع الاعتماد على طلب داخلي متين، بينما تنوي بكين تحفيز استهلاك العائلات لإعادة التوازن إلى نموذجها الاقتصادي.
ما زال الطلب الخارجي أيضا متينا مدفوعا بالوضع الاقتصادي الجيد للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكبر شريكين للصين. وارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 12.6 في المائة في مايو/ أيار بزيادة طفيفة عن أبريل/ نيسان، لكن أفضل من التوقعات (11.1 في المائة) باتجاه الولايات المتحدة وحدها.
وسجّلت الصادرات الصينية من الصناعات التكنولوجية المتطورة بنسبة 17.7 في المائة ما يدل على تحسن التجارة الخارجية للبلاد. وقالت وانغ إنه مع ذلك "نتابع بدقة المخاطر التي تحيط بالمفاوضات التجارية"، بينما تنوي الولايات المتحدة أن تكشف قبل منتصف يونيو/ حزيران لائحة المنتجات الصينية التي ستفرض عليها رسوم جمركية.
وفي مبادرة تصالحية، أعلنت واشنطن الخميس أنها توصّلت إلى اتفاق مع بكين بشأن ملف مجموعة الاتصالات الصينية العملاقة "زد تي آي" الذي يواجه بقاؤها خطر عقوبات أميركية كبيرة.
أرسل تعليقك