أطلقت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، حملة قومية لترشيد استهلاك المياه تحت عنوان "كل نقطة بتفرق"، للحد من الممارسات والسلوكيات الخاطئة التي تساهم في هدر كميات كبيرة من المياه ولنشر ثقافة الترشيد، ورفع الوعي المائي لدى المواطنين.
ويتزايد القلق في الأشهر الأخيرة على المستقبل المائي في مصر، بخاصة بعد إعلان إثيوبيا بناء "سد النهضة" ما قد يؤثر على حصة مصر من المياه، ودفع الحكومة إلى القيام بإجراءات عدة في مقدمتها خفض مساحات الأراضي الزراعية التي تستهلك الكثير من المياه مثل الأرز.
وأعلن مدبولي أن ثقافة ترشيد استهلاك المياه باتت ضرورة مُلحَّة في ضوء النمو السكاني المتزايد، خصوصاً مع ثبات حصة مصر السنوية من مياه النيل عند 55.5 بليون متر مكعبة، وفقاً للاتفاق بين مصر والسودان فى تشرين الثاني /نوفمبر 1959، وهو الاتفاق المكمل لاتفاق عام 1929.
وتستخدم مصر نحو 85 في المائة من حصتها المائية في الزراعة، و15 في المئة للأغراض الصناعية والمنزلية، في حين يصل معدل استهلاكها الإجمالي من المياه الى نحو 80 بليون متر مكعب سنويًا، وتحتاج مصر أيضًا إلى نحو 20 بليون متر مكعبًا إضافيًا سنويًا، لتخرج من تحت خط الفقر المائي الذي يحتسب من خلال نصيب الفرد من المياه، ويبلغ هذا المعدل في مصر حاليًا نحو 600 متر مكعب سنويًا، في حين أن خط الفقر المحدد عالمياً يبلغ 1000 متر مكعب سنويًا.
وتبذل الدولة جهودًا لتغطية العجز المائي من خلال المياه الجوفية بخاصة الخزان النوبي الجنوبي، فضلًا عن الاستفادة من مياه الأمطار على ندرتها، والسيول.
وأكد مدبولي "أهمية تكاتف الحكومة مع المواطنين، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، لنشر الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه، والحفاظ على الاستثمارات الضخمة التي تضخها الدولة في قطاع مياه الشرب والصرف الصحي".
وقال رئيس مجلس إدارة "الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي" ممدوح رسلان "إن شعار الحملة اختير للتوعية بقيمة المياه"، لافتًا إلى أن إهدار كميات قليلة من المياه تؤثر في حياة آخرين في حاجة إليها، مضيفًا أن "حملة "كل نقطة بتفرق"، تتناول السلوكيات اليومية في التعامل مع المياه، وكميات المياه المهدورة نتيجة كل استخدام خاطئ، مع تقديم الحلول للمحافظة على المياه والاقتصاد في الاستهلاك".
وأوضح أن "الحملة تستهدف الفئات العمرية كافة، وستتم بالتنسيق مع وزارات الأوقاف، والتربية والتعليم، والبيئة والثقافة والشباب والرياضة، والأزهر الشريف، والكنيسة القبطية".
وتتعدد أوجه أزمة المياه في مصر لأسباب لم يحدث أن واجهتها في تاريخها، وتمثل أزمة "سد النهضة" بأبعادها السياسية والاقتصادية أبرز المشكلات التي تواجه السلطات المصرية في الموضوع المائي، خصوصاً أنها باتت مطالبة بالتفكير جدياً في الاحتمالات التي يمكن أن تسفر عنها عملية ملء خزان السد، في وقت تزداد باضطراد الحاجات المائية لأغراض الاستهلاك المحلي.
وكشف الدكتور أيمن عبد الوهاب خبير المياه وشؤون إفريقيا في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على خلفية ذلك، أن الجميع لابد وأن يعلم بالخطر الحقيقي إذا لم يتم ترشيد المياه، متابعًا أن للترشيد تكلفة ووسائل كثيرة جدًا، منها مثلًا تبطين الترع وتغطية المصارف، بخاصة أن الري المتطور للفدان يتكلف ما بين 5 و10 آلاف جنيه.
وأضاف عبد الوهاب، أنه مهما كانت تكلفة الترشيد ستكون أقل بكثير من توفير المياه من مصادر المياه الأخرى، وهناك مشروعات كثيرة يتم تنفيذها في هذا الصدد لكنها ليست بالحجم المطلوب، فهناك مثلاً نصف مليون فدان يتم ريها الآن بطرق حديثة بمنحة من عدة مؤسسات دولية منها البنك الدولى.
وأوضح فيما يخص مبادرة ترشيد استخدام المياه في الزراعة، أنها ستكون في جميع المحافظات وتبدأ في محافظة الفيوم، عن طريق استخدام طرق الري الحديثة عبر محطات للري الحديث لكل 100 أو 200 فدان لترشيد المياه وسيكون الدفع بالتقسيط على 20 عاما، وسيتم تعميمها بباقي المحافظات.
وأكد محمود أبوزيد وزير الري المصري الأسبق، أن مبادرة ترشيد المياه تعتمد على مساعدة الشعب ذاته لأن الشعب إذا اقتنع سيكون الأمر سهل على الحكومة، لذا لابد من انتشار التوعية الفكرية والثقافية فيما يخص ترشيد المياة والتعامل بمنطق التوفير.
وأضاف أن مصر تمر بأزمة مائية جراء ثبات كمية المياه منذ عشرات السنين، والزيادة المستمرة في عدد السكان (أكثر من 100 مليون نسمة حاليا)، وما يزيد الأمر سوءًا قرب الانتهاء من سد النهضة"، مشيرًا إلى أن مبادرة رئيس الوزراء جاءت في الوقت المناسب، قبل تفاقم أزمة المياه في مصر.
أرسل تعليقك