القاهرة - محمود حساني
ابتلت مصر خلال الأعوام الـ5 الأخيرة ، بالعديد من الأمراض المجتمعية، والتي وجدت مناخاً ملائماً لتفاقمها وانتشارها في ظل الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، وما صاحبها من انفلات أمني وإخلاقي غير مسبوق، مازلنا ندفع ثمنه حتى وقتنا هذا، ومن بين هذه الأمراض التي أصيب بها المجتمع وتفشّت في أرجائه، انتشار السرقة والغش والخداع والاستغلال، ضف إلى ذالك انتشار حالات الانتحار وجرائم خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية وانتحال عاطلين صفات شخصيات رسمية، إلا أن تُعد ظاهرة " تزوير الشهادات العلمية "، أخطرها على الإطلاق، في ظل غياب الرقابة من الجهات المعنية مما ساهم في استفحالها.
ووفقاً للدراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية ، فأن الجهات المعنية في الدولة كشفت خلال العامين الماضيين ، أكثر من 130 واقعة تزوير شهادات علمية ، ما بين بكالوريوس وليسانس ودراسات عليا وماجستير ودكتوراه، وكشف التقرير عن " كارثة " بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، إذ تبيّن توّرط أساتدة جامعيين وعمداء كليات عن طريق الاشتراك في جرائم تزوير الشهادات العلمية ، وذالك من خلال السماح لمراكز أقل ما توصف على أنها "وهمية " ، في أن تقترن أسمائها بأسماء عدد من الجامعات الحكومية ، وهو ما كان سبباً في وقوع عدد لا يستهان به من الطلبة ، ضحيةً للهذه المراكز الوهمية .
وواقعة مديرة مكتب وزير السياحة السابق ، لليست ببعيدة عنا ، والتي كانت حديث المجتمع خلال عام 2015 ، إذ تبيّن إنها شغلّت هذا المنصب من خلال شهادة علمية مزوّرة ، تُفيد إنها حاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة القاهرة ، وتبيّن في الواقع إنها لم تستكمل بعد تلعليمها بعد انتهائها من المرحلة الثانوية ، وخلال يومين ، تمّكنت الأجهزة الأمنية ، من توقيف مدير في إحدى البنوك الخاصة ، على خلفية تزوّيره شهادة المؤهل ، وتبيّن إنه حاصل على دبلوم تجارة ، وليس على بكالوريوس تجارة كما هو مُدوّن في الشهادة المزوّرة التي يحملها .
ومع خطورة هذه الظاهرة ، التي تحمل معها أضرار كارثية على المجتمع المصري ، تقدّم عدد من النواب في البرلمان المصري ، وعلى رأسهم النائبة إيناس عبدالحليم ، بطلب عاجل ضد كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير التعليم العالى بخصوص الشهادات العلمية "المضروبة" فى مصر.
وجاء في بيان لها : "إن مصر تتصدر وبجدارة سوق الشهادات العلمية نظير مقابل مادي عربيًا، ومن ثم فهي قبلة الدارسين العرب الأولى، وهناك مئات المؤسسات التعليمية الخاصة غير التابعة لوزارة التعليم العالى المصرية، والتى تنتشر فى السنوات الأخيرة بصورة ملفتة للنظر، وتحمل أسماء أكاديميات عالمية مثل كامبريدج أو أكسفورد أو الجامعة الأميركية للعلوم، ومن ثم فهي هدف أساسي للكثير من الدارسين العرب".
وأضافت إيناس عبد الحليم، :"أن بعض المراكز بالجامعات المصرية تورطت هى الأخرى فى هذه المسألة، من أجل مكاسب رخيصة دون النظر إلى تشويه السمعة العلمية المصرية بسبب الشهادات المضروبة التى تمنحها هذه المراكز سواء المرخصة أو غير المرخصة منها مع أن دورها الأساسى هو التدريب على التحكيم الدولى وتأهيل المشاركين لنشر ثقافة التحكيم ليس إلا حتى شهادة اجتياز دورة التدريب المزعومة لا تعد ضمانا بأن من يحملها أصبح محكما دوليا أو مستشار تحكيم وأصبح من السهل الحصول على شهادة ماجستير أو دكتوراه مهنية من جامعة عالمية وهمية فى ظل غياب أى دور رقابى للمسئولين وعدم وجود قانون رادع لهؤلاء المزورين حتى أصبح لدينا الآن فى مصر مافيا منتشرة لمنح الدرجات العلمية لكل من يريد بمقابل مادي".
خبراء معنيون بالشأن المصري ، أكدوا في لقاءات مع " مصر اليوم " ، أن المجتمع المصري أمام كارثة حقيقية ، لا تقل خطورة عن ظاهرة التطرف ، فالأولى أضرارها غير قاصرة على الحاضر وإتما تمتد إلى المستقبل والدولة عاجزة عن مواجهتها ، بينما الثانية ( التطرف) ، مخاطره لا تتعدى حدود المنطقة التي يتواجد فيها ، والدولة بفّضل ابنائها من رجال الجيش والشرطة تمّكنوا من القضاء على 99 % من عناصره .
وأضافوا حان الوقت على مجلس النواب ، فتح تحقيق عاجل حول هذا الأمر المهم الذي يُسئ إلى سمعة مصر التعليمة . وتُطالب عميد كلية التربية في جامعة الإسكندرية ، عباس سليمان ، ضرورة تغليظ العقوبات المُقررة على هذه الجريمة ، لما تُمثله من خطورة كبيرة ، على أن تصل عقوبتها إلى السجن المُوبد ، وتكثيف الرقابة في المصالح الحكومية عند فتح باب التفدم في الوظائف ، والتدقيق في الشهادات العلمية مبيناً أنه من السهل الكشف عن الشهادات العلمية المزوّرة .
ويُطالب الخبير التربوي، الدكتور أسعد بيومي، الجهات المعنية بالتفتيش على المراكز التعليمية المنشرة في نطاق الجامعات ، والتي تُزعم إنها على شراكة مع كبرى الجامعات الحكومية، لذا نجد مئات الطلاب الذين يتقدمون إلى هذه المراكز العلمية ويدفعون مبالغ مالية مقابل الحصول على شهادات علمية، وفي النهاية يجد الطالب نفسه ، وقّع فريسةّ لمجموعة من النصابين .
أرسل تعليقك