c ثاتشر آمنت بأولوية العلاقات الشخصيّة مفتاحًا للسياسة في الشرق الأوسط - مصر اليوم
توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيرة جديدة تتقصى علاقة "المرأة الحديدية" بالمنطقة العربية

ثاتشر آمنت بأولوية العلاقات الشخصيّة مفتاحًا للسياسة في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - ثاتشر آمنت بأولوية العلاقات الشخصيّة مفتاحًا للسياسة في الشرق الأوسط

مارغريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا
لندن ـ ماريا طبراني

يعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مارغريت ثاتشر، "1925 - 2013"، رئيسة وزراء بريطانيا “من 1979 وحتى 1990” وأول امرأة تتولى المنصب التنفيذي الأرفع فيها عبر تاريخها الطويل، مثالاً له، واتّفق المؤرخون البريطانيون تقريباً على أن تأثيرها داخل بريطانيا ذاتها وفي سياستها الخارجيّة هو الأهم لرئيس وزراء بريطاني منذ ونستون تشرشل في أربعينات القرن الماضي، علماً بأنها بقيت في منصبها أكثر من كل رؤساء الوزارة الآخرين، وصفتها الثقافة الشعبيّة البريطانيّة بـ”سارقة الحليب”، لأنها أوقفت التوزيع المجاني للحليب على طلاب المدارس الابتدائية، وعدّها مفكرو اليسار مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان أسوأ ثنائي حكم ضفتي الأطلنطي ودفع بأجندة السياسات النيوليبرالية في الاقتصاد إلى حدود الكارثة الكونيّة.

وانشغلت “ثاتشر” بداية عهدها عن مباشرة شؤون السياسة الخارجيّة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وتركت المهمة - بحسب إزريل برمانت في كتابه الجديد “مارغريت “ثاتشر” والشرق الأوسط” - مطبعة جامعة كامبردج - لوزير خارجيتها آنذاك اللورد كارينغتون، بعد حرب الفوكلاند عام 1982 التي قادتها “ثاتشر” بنجاح ضد الأرجنتين، ضغطت عليها الخارجيّة، ومستشارها المعيّن حديثاً لشؤون الشرق الأوسط السير أنطوني بارسون لقبول مبدأ حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بعد المناخ الدولي الضاغط إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان ذلك ضد وجهة نظرها الشخصيّة، لا سيما أنها كانت نائبة منتخبة عن منطقة ذات كثافة يهوديّة عالية شمال لندن وتربطها علاقات وديّة تقليدياً بإسرائيل.

يعتقد إزريل أن سبب ذلك التحول يمكن تفسيره بأمرين؛ الأول أن “ثاتشر” كانت بطبعها براغماتيّة وقادرة على الانتقال من موقفها إلى موقف نقيض إذا وجدت منطقاً وحجة أقوى في الرأي الآخر، لكن الأهم ربما أنها كانت تبغض مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل وقتها، بوصفه كان مسؤولاً بصفة شخصيّة عن نسف مقر القيادة العسكريّة البريطانيّة في “فندق الملك داود” بالقدس قبل 3 عقود، وهو الحادث الذي قتل فيه عدد من كبار الضباط البريطانيين والعاملين بالقيادة حينها، وسرّع دون شك بإنهاء الانتداب على فلسطين، ولاحقاً قيام الدولة العبريّة عام 1948.

هذا المزاج الشخصي ل”ثاتشر” كان له تأثير لا ينكر على اتخاذ القرارات السياسية في أعلى مستويات السلطة البريطانيّة أثناء فترة ولايتها، ولم يكن مقتصراً على مشاعرها تجاه الإرهابي السابق الذي صار رئيس وزراء؛ بل يبدو أن تلك كانت بمثابة قناعة استهدت بها في جميع المراحل في ما خصّ معاملاتها بشؤون الشرق الأوسط؛ إذ يقول إزريل إنها كانت تؤمن بأولوية العلاقات الشخصيّة على المؤسسات فيما يتعلق بهذه المنطقة بالذّات، ولذا، فهي أبغضت ياسر عرفات في الوقت ذاته لأنه لا يحلق لحيته “فيبدو منظره كإرهابي”.

مع ذلك، بقيت “ثاتشر” دائماً على قناعتها “المعلنة” بأن إسرائيل واحة للديمقراطية في قلب الشرق الأوتوقراطي، وأنها قلعة متقدمة للغرب لمواجهة المد الشيوعي بالعالم؛ وهي التي تسلمت منصبها رئيسة للوزراء عشيّة التدخل السوفياتي في أفغانستان، لكنها رغم ذلك، عدّت في أحاديثها الخاصة مع طاقمها الحكومي أن الرئيس ريغان يمنح الإسرائيليين “دعماً غير مشروط”، لكنها لم تجرؤ فيما يبدو على مواجهته بذلك، لأنها كانت بحاجة لدعمه فيما يتعلق بحرب جزر المالفيناس “الفوكلاند” مع الأرجنتين.

حاولت “ثاتشر” القيام بجهود وساطة مستقلة لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، مع إبقاء الأميركيين على اطلاع بالطبع، وهي بحكم علاقتها الإيجابيّة بالملك حسين ملك الأردن وكذلك مع شمعون بيريس، الذي كانت ترى فيه شخصيّة مثقفة وأمل إسرائيل الوحيد بالتوصل إلى إرساء سلام في المنطقة، بذلت وقتاً وجهداً كبيرين على تلك المساعي، تضمنت قيامها شخصيّاً بأول زيارة لرئيس وزراء بريطاني إلى الدولة العبرية منذ قيامها، لكن الجميع رغم دماثتهم الشديدة معها، فإنهم كانوا يعلمون أن القناة الأميركيّة هي المسار الوحيد الممكن لتحقيق تقدّم على أرض الواقع، وهي حاولت عدة مرات تحذير الإسرائيليين من “خطورة الأوضاع المأساوية داخل المناطق المحتلة”، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة عام 1988، لأن ذلك يضر بصورة إسرائيل العامة، لكن مع استمرار قناعتها الثابتة بانعدام فرص الحياة لدولة مستقلة للفلسطينيين.

صورة “ثاتشر” في العالم العربي عموماً كانت إيجابيّة، خصوصا لدى الخليج العربي؛ حيث زارت المنطقة عدة مرات، والتقت قادتها، وشددت على تقوية أواصر العلاقات “التاريخيّة” مع دولها، لكنها كانت تعاني بوصفها رمز السياسة البريطانية من أزمة انخفاض الشعبيّة لبلادها مع الذكرى السنويّة لـ”وعد بلفور”؛ إذ إن الفلسطينيين والعرب بدوا - لحينها على الأقل - عاجزين عن نسيان دور المملكة المتحدة من خلال “وعد بلفور” الشهير عام 1917 في التمكين لقيام الدّولة العبرية في فلسطين، وما جرّه ذلك من مآس وحروب وتهجير واستنزاف للموارد البشريّة والاقتصاديّة، خصوصا في ظل تجنب بريطانيا الاعتذار عن ذلك الوعد “المشؤوم” إلى اليوم، وتأكيدها للجانب الإسرائيلي أنها لن تتراجع يوماً عن مضمونه، كما عدّها البعض وراء تشجيع الرئيس جورج بوش الأب على شن حرب الخليج الأولى على العراق بعد غزوه الكويت عام 1990، وينقل عنها إزريل قولها للرئيس بوش الأب حينها: “تذكر يا عزيزي جورج أن الوقت غير ملائم للسياسات المترددة الآن”.

يقدّم “مارغريت “ثاتشر” والشرق الأوسط” مادة غنيّة لاستكمال فهم تطورات الأحداث في أوقات حاسمة عاشها الشرق الأوسط أواخر القرن العشرين، ومن وجهة نظر السياسة البريطانيّة بالذّات، وموسم تراجع النفوذ البريطاني بالمنطقة لمصلحة صعود الإمبراطوريّة الأميركيّة المعولمة، وهو رغم غلبة شأن الصراع العربي - الإسرائيلي على معظم صفحاته مقارنة بمناطق العالم العربي الأخرى، وبشكل غير متوازن، فإن ذلك يعكس بالضرورة هيمنة أجواء ذلك الصراع المستمر على أجندة السياسة بالمنطقة، ومدى استثمار المرأة “الحديديّة” علاقاتها الإيجابيّة عموماً بقادة زعماء الشرق الأوسط عندما كان يسمح لها برنامجها الحافل وهي في خضم إعادة تشكيل اقتصاد المملكة المتحدة بالكامل، وشن الحروب على النقابات القويّة داخليا، وعلى المستهينين بغضبة الأسد الإمبراطوري البريطاني العجوز خارجيا.

كما أن “مارغريت “ثاتشر” والشرق الأوسط” من الناحية الشخصية يلقي بإضاءات على جوانب معينة تضيف للتصور الكلي عن تلك السياسية الفريدة في التاريخ المعاصر لناحيّة تأثر رؤيتها للشؤون الدوليّة – الشرق الأوسط تحديدا - بعلاقاتها الشخصيّة، وهو أمر قد لا يكون معروفاً للعموم، غير ذلك، فإن صورة السيدة “ثاتشر” كما رسمها إزريل تبدو بالملامح ذاتها المألوفة عنها في ملاعب السياسة الأخرى: إرادة فولاذية، وصلابة صارمة، وطاقة لا تنضب، إنها المرأة الحديديّة ذاتها التي وإن حكمت البريطانيين عقداً واحداً من الزمن فحسب ورحلت عن دنيا الوجود، إلا أنها ما زالت تؤثر في حياتهم إلى راهن الوقت.

 

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثاتشر آمنت بأولوية العلاقات الشخصيّة مفتاحًا للسياسة في الشرق الأوسط ثاتشر آمنت بأولوية العلاقات الشخصيّة مفتاحًا للسياسة في الشرق الأوسط



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon