القاهرة - مصر اليوم
واصلت دار الإفتاء نشر رد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، على عدد من الشبهات والخاصة ببناء الكنائس، حيث نشرت الدار ردًا على شبهة: حكم بناء ما تهدَّمَ من الكنائس أو ترميمها: على ثلاثة أقوال:
الأول: المنع من بناء ما انهدم وترميم ما تلف.
الثانى: المنع من بناء ما انهدم، وجواز ترميم ما تلف.
الثالث: إباحة الأمرين.
وجاء جواب مفتى الجمهورية، مفصلا للرد على كل نقطة، قائلاً: المسلمون مكلفون شرعًا بتحقيق الأمان لأهل الكتاب فى أداء عباداتهم تحت مظلة الحكم الإسلامى، وهذا كما يقتضى إبقاء الكنائس ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها بهدمٍ أو تخريب، فإنه يقتضى أيضًا جواز السماح لهم بإعادتها وترميمها إذا انهدمت أو تصدعت أو احتاجت للترميم. وعلى ذلك جماهير الفقهاء، وهو المعتمد عند المذاهب الفقهية الأربعة:لأنه جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا بترك الكنائس فى أمصار المسلمين، ولا يقوم البناء دائمًا، فكان دليلًا على جواز الإعادة، ولأن الإمام لما أقرَّهم عَهِدَ إليهم الإعادة؛ لأن الأبنية لا تبقى دائمًا] .وعلى ذلك: فترميم الكنيسة فى بلاد المسلمين له اعتباران:
الأول: بالنظر للإذن الشرعى فى قيامها والسماح لأهل الكتاب بممارسة شعائرهم فيها.
والثانى: بالنظر إلى مخالفة هذه الشعائر لدين الإسلام وتحريم فعلها.
والجهتان منفكَّتان؛ فكما أنَّ المسلم يعتقد فى دينه حرمةَ ما يفعلونه مِن شعائرهم فيها، فهو أيضًا بالنسبة له عمارة للبلاد ووسيلة إلى الحفاظ على الدين وتطبيق شرع الله الذى كفل لأهل الكتاب ممارسة شعائرهم فى كنائسهم بحرية وأمان فى ظل الدولة الإسلامية؛ فقد سمح الإسلام لهم بالإبقاء على كنائسهم بل وأجاز سماح الدولة لهم باستحداث ما يحتاجونه مِن معابد لإقامة عباداتهم فيها وممارسة شعائرهم وطقوسهم، وحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها؛ كما سمح النبى صلى الله عليه وآله وسلم لنصارى نجران بالصلاة وإقامة طقوسهم فى مسجده الشريف.
وفى هذا دليل على أن السماح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم لا يقتضى الرضا بها، وأن إقرارهم عليها لا يعنى الإقرار بها.
وقد راعت الشريعةُ قُصُودَ المكلفين ونياتِهم فى التعامل مع غير المسلمين؛ ونص الفقهاء على اعتبار ذلك وتأثيره فى الحل والحرمة؛ فذهب القاضى أبو يعلى بن الفرّاء (ت: 458هـ) شيخ الحنابلة فى عصره إلى صحة وصية المسلم للكنيسة إن لم يقصد إعظامَها بذلك؛ معلِّلًا بأن النفع فيها عائدٌ إلى أهل الذمة، والوصية لهم صحيحة.
وبناءً على ذلك وفى واقعة السؤال: فبناء الكنائس جائزٌ شرعًا وفقًا للشريعة الإسلامية إذا احتاج أصحابها إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم الإسلام على البقاء عليها، حيث إنَّ الشرع الشريف جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم فى الأرض سببًا فى حفظ دور العبادة، وليست هذه الدور معابد كفرية يُعبد فيها غير الله، ولم يَرِدْ المنعُ من ذلك فى شيء مِن النصوص الصحيحة الصريحة، كما يجوز إعادة بناء ما تهدَّم وتلف منها وترميمه وإصلاحه، رعايةً للمصلحة العامَّة وضبط النظام العام والاستقرار المجتمعى، ولا يُعدُّ من يقول ذلك كافرًا أو مُرتدًا أو جاهلًا.. إلى آخر ما يدَّعيه المنكرون، وهذا ما عليه جماهير العلماء واستقرت عليه الأُمَّة سلفًا وخلفًا.
وفكرة بذل الجزية من أهل الكتاب والتزامهم بأحكام الإسلام، أصبحت معدومة تمامًا فى ظل الدولة الإسلامية الحديثة تحت مفهوم المواطنة والتعايش والتكافل المجتمعى بين أبناء الدولة على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم.
ويحرم القول بإهدار دم الذمى، أو القول بتخييره بين القتل أو الاسترقاق، أو دفع الجزية، أو الفدية، أو نحوه؛ حيث إنَّ الامر ليس منوطًا بالأشخاص العاديين فى الدولة؛ بل هى أمورٌ مُتعلقة بولى الأمر ينظر فيها إلى المصلحة العامة بين أبناء الوطن الواحد، فيُعطى المواطنين المسيحيين حق بناء دور العبادة وممارسة حياتهم الطبيعية بالاستمتاع بما لهم من الحقوق والالتزام بما عليهم من الواجبات وفق اللوائح والمواد القانونية المنظمة لذلك.
أرسل تعليقك