أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن الإسلام منذ اللحظة الأولى يقصد إلى الانفتاح والتواصل مع جميع الحضارات، لأن طبيعة الرسالة المحمدية عالمية والله سبحانه وتعالى أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس كافة وللعالمين، فكان لا بد أن تصل هذه الرسالة إلى الآفاق،ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق التواصل مع الآخر ومع كل الحضارات.
وأضاف مفتى الجمهورية خلال لقائه التلفزيوني في برنامج «من ماسبيرو»، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصًا على التواصل مع الحضارات الأخرى، ففي مكة تواصل مع الأنصار في بيعة العقبة الأولى والثانية، وتواصل مع زعماء القبائل وكذلك أرسل المسلمين في الهجرة الأولى إلى الحبشة، مشيرًا إلى أن هذا التواصل يحتاج لذكاء وخطط مدروسة ووعي بقضايا المجتمعات التي نتواصل معها حتى يؤتي ثماره، لا أن يتم بصورة عشوائية حتى لا يعطي نتائج سلبية.
وشدد، على أن الإسلام لم يهدف أبدًا إلى صراع الحضارات أو العيش في عزلة وانغلاق عن الآخرين، مؤكدًا أن منطلقات التشريع الإسلامي تسعى إلى التواصل والتعارف، يقول تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
وأشار مفتى الجمهورية، إلى أن الصحابة الكرام الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة اندمجوا اندماجًا فعالًا في مجتمع الحبشة ودافعوا معهم عن تلك الأرض، واستطاعوا أن يدافعوا عن قضيتهم وتوضيح حقيقة الإسلام عندما حاولت قريش الوقيعة بين النجاشي والمسلمين بأن القرآن يسيء لسيدناعيسى عليه السلام، إلا أن الملك العادل استمع للطرفين وعرف صدق المسلمين وكذب قريش.
وقال المفتي: «إننا أمام منطلق من منطلقات الدعوة الإسلامية وهو ضرورة التواصل مع المجتمعات الأخرى، وإبلاغ الدعوة وتوضيح وجهة النظر وليس فرض الإسلام فرضًا، فكل النصوص متوافرة على أنه لا بد من التواصل وتبليغ الرسالة مع الحفاظ على حرية الاعتقاد.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن مواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن هذا مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام، حيث سعى صلوات الله وسلامه عليهوعلى آله إلى التواصل مع كافة الحضارات التي كانت موجودة في ذلك العصر عبر الرسائل وإرسال الرسل، وكانت رسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زعماء تلك الأمم تضم عبارات التقدير والاحترام وهو أدب من آداب التواصل، ويدل على عدم الصدام ودعوة للتعارف والحوار.
ولفت، إلى أنه كلما حدث انغلاق وعدم تواصل مع الدول والأمم الأخرى يحدث تأخر وتراجع، مؤكدًا أن المسلمين مطالبون في كل وقت وحين أن ينفتحوا على العالم بالطريقة المدروسة التي تفيدهم.
وأضاف أن التطرف والإرهاب أثَّرا بشكل كبير على سمعة الدين الإسلامي في الغرب فهي على المحك الآن،بدلًا من أن تكون صورة الإسلام مشرقة كما كانت في البداية، مشيرًا إلى أن الإسلام دخل إلى دول جنوب شرق آسيا على أيدي التجار الذي اعتنوا بالجانب الأخلاقي في تعاملهم مع الناس فكانوا خير دعاة للإسلام، ولم يحتاجوا لخطب أو مواعظ، ولكنهم كانوا دعاة بأخلاقهم الإسلامية وتعاملاتهم الحسنة.
وقال المفتي: «إن المسلمين الآن لديهم تحديات كبيرة داخل الدول الإسلامية وخارجها؛ لذا فإن عليهم بذل مزيد من الجهد لإزالة الصورة المشوهة التي تسبب فيها الإرهابيون، كما أن عليهم أن يظهروا بصورة حضارية وأخلاقية في الداخل والخارج تعبر عن حقيقة الإسلام».
وأضاف، أن المسلمين في الغرب هم جزء لا يتجزأ من أوطانهم الأوروبية والغربية، وعليهم دور كبير في تحسين صورة الإسلام باندماجهم الإيجابي والفعال،وأنهم إذا أظهروا أنفسهم بهذا المسلك الحضاري يكونون قد فعلوا الكثير في توصيل رسالة الإسلام وصحيحه.
وأشار، إلى أنه على الجاليات المسلمة في الخارج ألا تنشغل بخلافات «تافهة» فيما بينهم يمكن أن يجري حولها حوار يعزز من احترام كافة الثقافات والآراء.
وعن أهمية زيارات المرجعيات الدينية وقادة الرأي أكد مفتي الجمهورية، أن هذه الزيارة تؤدي إلى تقريب وجهات النظر، مضيفًا أنه عندما ذهب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر إلى ألمانيا مثلًا دار نقاش فعال في قضايا مهمة، وقام بإيضاح وجهة النظر الإسلامية الصحيحة.
وقال: «أرى أن هذه الزيارات المتكررة، وخاصة من المؤسسات الدينية المصرية كالأزهر الشريف بمؤسساته المختلفة وكذلك الكنيسة المصرية، تمثل القوة الناعمة الحقيقية لمصر في تقريب وجهات النظر وتصحيح الصورة التي تم تشويهها من قبل المتطرفين، وأن التطرف لا دين له ولا وطن، ولكنه موجود عند أتباع كافة الأديان وفي جميع البلدان».
أرسل تعليقك