الأقصرـ سامح عبدالفتاح
استضاف بيت الشعر في الأقصر، أمسية شعرية، للإحتفاء بالشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، وذلك في إطار برنامج بيت الشعر الشهري "شاعر وتجربة"، وأدار الأمسية مدير بيت الشعر بالأقصر الشاعر حسين القباحي، حيث بدأها معرفاً بالشاعر حيث أوضح أنه ولد عام 1935م بمدينة تلا في محافظة المنوفية، وحصل على دبلوم دار المعلمين عام 1955م، كما حصل على ليسانس علم الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة عام 1978م، وعلي شهادة الدراسات المعمقة في الأدب العربي عام 1979م، موضحا أنه يعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر، وأن مختارات من قصائده ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية.
وأوضح مدير بيت الشعر في الأقصر، أن "حجازي" حصل خلال مشواره الشعري والأدبي على العديد من الجوائز أهمها جائزة "“كفافيس" اليونانية المصرية عام 1989م وجائزة “الشعر الأفريقي” عام 1996م، كما حصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 1997م، ثم بدأ الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي حديثه، مبدياً سعادته بوجوده في بيت الشعر في الأقصر وسط هذا الحشد الكبير من الشعراء والمبدعين ومحبي الشعر وعشاقه، معبراً عن شكره العميق للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي أتاح من خلال مبادرته الكريمة أن تجتمع العقول والقلوب حول الشعر أسمى وأرقى الفنون والشعر بمعناه الواسع، مشيرا إلى أن الأقصر هي المدينة التي علمت العالم من حيث هي مصر القراءة والكتابة و التفكير وأعطت العالم تراثاً من أعظم النصوص الشعرية أن لها أن تصل حاضراً بماضٍ وتاريخاً بتاريخ وأن تعود إلى صدارة المشهد الشعري والإبداعي، مشيرا إلى بيت الشعر في الأقصر يعد إحدى دعامات هذه العودة المرتقبة وأنه قد آن الأوان أن نرد للشعر اعتباره ونعرف له قدره وأن نتعامل معه كما يتعامل معنا لأن الشعر ثقافة تعرف للإنسان قدره.
وأوضح "حجازي" أنه بعد أن انتقل إلى القاهرة نشر ثلاث قصائد من شعره فقط ومنها قصيدة بعنوان "بكاء الأبد" نشرتها سنة 1953 عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري وتقول القصيدة :
عندما أبدعني الغور السحيق
من فنون الليل و الصمت العميق
طوحتني كفه فوق طريق
ضائع النجمة مجهول الرفيق
لست أدري و أنا صمت و ليل
كيف أشدو
كيف أعطي للشروق.
ثم بدأ في قراءة نماذج من أشعاره تعبر عن مسيرته الإبداعية الطويلة وهذه القصيدة الشهيرة له التي تعبر عن صدمة لقائه بالمدينة لأول مرة حين انتقل إليها من قريته بعنوان " الطريق إلى السيدة "
يا عمّ ..
من أين الطريق ؟
أين طريق " السيّدة "؟
- أيمن قليلا ، ثمّ أيسر يا بنيّ
قال ,, و لم ينظر إليّ !
***
وسرت يا ليل المدينة
أرقرق الآه الحزينة
أجرّ ساقي المجهدة،
للسيّدة
بلا نقود، جائع حتّى العياء،
بلا رفيق
كأنّني طفل رمته خاطئة
فلم يعره العابرون في الطريق،
حتّى الرثاء !
***
إلى رفاق السيدة
أجرّ ساقي المجهدة
و النور حولي في فرح
قوس قزح
و أحرف مكتوبة من الضياء
" حاتي الجلاء "
و بعض ريح هيّن ، بدء خريف
تزيح عقصة مغيّمة ،
مهمومة
على كتف
من العقيق و الصدف
تهفهف الثوب الشفيف
و فارس شدّ قواما فارغا ، كالمنتصر
ذراعه ، يرتاح في ذراع أنثى ، كالقمر
و في ذراعي سلّة ، فيها ثياب !
***
و الناس يمضون سراعا ،
لا يحلفون ،
أشباحهم تمضي تباعا ،
لا ينظرون
حتّى إذا مرّ الترام ،
بين الزحام ،
لا يفزعون
لكنّني أخشى الترام
كلّ غريب هاهنا يخشى الترام !
و أقبلت سيّارة مجنّحة
كأنّها صدر القدر
تقلّ ناسا يضحكون في صفاء
أسنانهم بيضاء في لون الضياء
رؤوسهم مرنّحة
وجوههم مجلوّة مثل الزهر
كانت بعيدا ، ثمّ مرّت ، واختفت
لعلّها الآن أمام السيدة
و لم أزل أجرّ ساقي المجهدة !
وانتقل الشاعر بعد ذلك إلى قراءة قصيدة أخرى من قصائده الأولى بعنوان
"سلة ليمون"
سلّة ليمون !
تحت شعاع الشمس المسنون
و الولد ينادي بالصوت المحزون
"عشرون بقرش"
"بالقرش الواحد عشرون !"
***
سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر
كانت حتّى هذا الوقت الملعون،
خضراء ، مُندَّاة بالطلّ
سابحة في أمواج الظلّ
كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير
أوّاه !
من روّعها ؟
أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر !
حملتها في غبش الإصباح
لشوارع مختنقات ، مزدحمات ،
أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟
تمشي بحريق البنزين !
مسكين !
لا أحد يشمّك يا ليمون !
و الشمس تجفف طلّك يا ليمون !
و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات
عشرون بقرش
" بالقرش الواحد عشرون ! "
***
سلّة ليمون !
تحت شعاع الشمس المسنون
و قعت فيها عيني ،
فتذكّرت القرية !
وبعد أن قرأ الشاعر حجازي عددا كبيراً من قصائده الحديثة تم فتح باب الحوار بين الشاعر و جمهور الحاضرين الذين قدموا مداخلات هامة عن موقف العقاد من قصائده التفعيلية في أوائل الستينات من القرن الماضي، وهل هو يمارس الآن نفس الدور تجاه شعراء قصيدة النثر، وعن موقفه من جمال عبد الناصر، ودوره في المجلس الأعلى للثقافة و مجلة إبداع وعن مستقبل الشعر كما يراه والعديد من القضايا الثقافية والفكرية، حيث أجاب الشاعر عن كافة الأسئلة، و نوه أنه يكتب الآن عدة مقالات عن رؤيته لمكانة الشعر ومستقبله في مصر تحت عنوان "مصر الشاعرة " ينشر منه حلقة كل أسبوع في جريدة الأهرام.
وأوضح حجازي، أن الشعر بخير والمدهش أنه اكتشف من خلال متابعاته المستمرة لنشاطات بيت الشعر بالأقصر أن هناك جيلاً جديداً مدهشاً يتشكل وينمو والمفاجأة أن هناك عودة واضحة ومؤثرة لكتابة القصيدة العمودية في ثوب جديد وكذلك أن عدداً من السيدات الشواعر يكتبن تلك القصيدة الآن في مصر بمستوى جيد جداً.
أرسل تعليقك