الإسكندرية - محمد المصري
نظّمت مديرية أوقاف الإسكندرية أمسيات دينية الثلاثاء، عقب صلاة المغرب تحت عنوان "الأسرة المثالية في القرآن والسنة"، وذلك في إطار تنشيط العمل الدعوي المكثف الذي تقوم به وزارة الأوقاف لنشر الفكر الوسطي المستنير بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تحت إشراف كامل من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.
وقال الشيخ محمد العجمي، وكيل وزارة الأوقاف في الإسكندرية، إن دعوة الإسلام للزواج لبناء الأسرة شملت تحديد المعايير والأسس التي يجب على أساسها اختيار هذا الزوج أو هذه الزوجة، مع الإعلاء من معيار الالتزام والتديُّن الذي بتوفُّرِه تَتَحَقَّق السكينة والاستقرار، وربما بهذا التديُّن يُمكن تجاوُز ما يقع مِن مشكلات وخلافات، والذي بغيابه لا مناص من حياة النكد والاضطراب؛ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك"، متفق عليه.
وأكمل العجمي: الإسلامَ وَضَعَ أُسُسًا لطبيعة العلاقة بين الزوجين المؤسسين للأسرة، وحَدَّدَ موقع كلٍّ منهما؛ إدراكًا منه بتلك الطبيعة البشرية للطرفين، التي تعني حتمية وُقُوع الخلاف نتيجة اختلاف الأمزجة، والتفاوُت بين العقول والمشاعر، فالزواج علاقة لا تقوم على الصراع ومحاولات كلِّ طرف لإثبات ذاته؛ لكنها تقوم على الودِّ والحبِّ والحنان؛ يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
لهذا؛ فقد شَدَّدَ القرآنُ الكريم على ضرورة أن يعاشرَ الرجل زوجته بالمعروف، وأن يرفق بها، وأن يحسنَ الإنفاق عليها؛ يقول الله: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، ويقول الرسولُ الكريم - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع، تلك الخطبة الجامعة، التي اشتملت على الخطوط العريضة للإسلام: ((أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهنَّ حقًّا، حقكم ألا يوطئن أحدًا فرشكم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة، فإن فعلْنَ فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنَّ، وتهجروهنَّ في المضاجع، وتضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، فإذا انتهين وأطعنكم، فعليكم رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف، أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُمْ فروجهنَّ بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرًا))، وهذا تقرير لما لكل منَ الزوجين من حقوق ووصية بتقوى الله في النساء؛ لأنهن أضْعَف من الرجال، كما هو معروف.
وشدد العجمي على أن وجود الأبناء يأتي كثمار لهذه العلاقة، وتتويجٍ لها، ولتكتمل بذلك عناصرُ وأركان الأسرة، بل إنَّ الأولاد هم امتداد هذه الأسرة التاريخي والمستقبلي؛ حيث سيعول عليهم في ما بعدُ القيام بمسؤولية تكوين أُسَر أخرى؛ لهذا فإنَّ الإسلامَ يفرض على الأبوين واجب إعدادهم، وأن يبذلا قصارى جهدهما؛ من أجل تقديمهم كعناصر نافعة وصالحة لمجتمعهم المسلم.
فحَثَّ الإسلامُ الأبوين على حُسن اختيار أسماء أبنائهم، حتى لا يصابَ الابنُ بالضِّيق من اسمه، إن كان شاذًّا أو مثيرًا للسُّخرية والاستهزاء، وأن يحرصَ الأبوان على عدم إيذاء مشاعرهم بكثرة الخلافات فيما بينهما أمام هؤلاءِ الأبناء، وأن يحسنوا تربيتهم وتعليمهم، وأن يعدلا بينهم، وأن يرفقا بهم، فلا يضربونهم ضربًا مبرحًا، وأن يجلسا معهم يسمعون لهم، ويردون على ما يدور بأذهانهم، فلا يتمللون، ولا يَتَضَجَّرُون، بل إنَّ عليهما أن يُلاعبا أطفالهم، ويسعيا إلى ترويحهم.
وبالتالي فإن هذا كفيلٌ بأن يخرجَ أبناء متَّزنين، لا تمتلئ أنفسُهم بعُقَدٍ نفسية أو اجتماعية تؤثِّر عليهم سلبًا طوال حياتهم.
واختتم العجمي حديثه بالتأكيد على أن الإسلامُ وجه الأبناءَ على طاعة الوالدين والبر بهما؛ ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، بل إنَّه طَالَبَ بطاعتهما المطلَقة، باستثناء ما فيه معصية لله أو شرك، وحتى في هذه الحالة، فلا بُدَّ من حُسن العِشْرة؛ وفي الأَثَر: ((برُّوا آباكم، تبركم أبناءكم))؛ حيث الجزاءُ مِن جنس العمل.
والأسرة المثالية هي التي تحرص على إيجاد مجتمعٍ قويٍّ ومتماسك، يبدأ من الأسرة حتى يمكنه مواجهة التحديات التي تفرض عليه في كلِّ زمان ومكان بتمسُّكها بالقيم فهي الوحيدةُ القادرةُ على أن تصلَ بعناصرها إلى برِّ الأمان، وهي التي يُمكن أن تكونَ النواةَ الأولى لتقدم بلادنا على جميع الأصعدة وفي كل المحافل.
أرسل تعليقك