توقيت القاهرة المحلي 13:23:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قطر بين كلفة التكيّف وكلفة المواجهة

  مصر اليوم -

قطر بين كلفة التكيّف وكلفة المواجهة

بقلم : خيرالله خيرالله

بعد مضيّ ما يزيد على شهر على بدء مقاطعة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر لقطر، لا بدّ من ملاحظة أن الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الدول الأربع في القاهرة لم يعلن عن اتخاذ تدابير أو إجراءات جديدة.

اكتفى البيان الرباعي بالتلويح بمزيد من العقوبات والإجراءات في سياق مقاطعة قطر. أشار إلى “الدور التخريبي” الذي تمارسه وإلى ردّها “السلبي” على المطلوب منها مع تركيز على “ارتباطها بالإرهاب”. الأهمّ من ذلك كلّه، اعتبر أن العرض المطروح على قطر، أي النقاط الـ13 لم يعد قائما.

على الرغم من أن لهجة البيان الصادر عن وزراء خارجية الدول الأربع كانت قاسية وحاسمة، بقيت الوساطة الكويتية حيّة ترزق. فالبيان وجّه تحيّة تقدير خاصة إلى أمير دولة الكويت الشيخ صُباح الأحمد وجهوده. من الواضح أن الوساطة الكويتية تحظى بدعم دولي أيضا. الدليل على ذلك اتصال وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون بالشيخ صُباح والإعلان لاحقا عن زيارة له للكويت.

ما نشهده حاليا هو الأزمة الأخطر التي يمرّ فيها مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ قيامه في أيّار ـ مايو من العام 1981، كي يشكلّ مظلة تحمي الدول الست فيه وذلك في ظل وجود رغبة في إعادة قطر إلى “الحضن الخليجي”.

كان الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي في غاية الوضوح والصراحة عندما قال في القاهرة إن قطر لا تهتم بأشقائها بمقدار ما تهتم بالتطرّف والإرهاب، مضيفا أن على قطر “تغيير هذا المسار من مسار الدمار إلى مسار الإعمار، وإلّا سنبقى في حال انفصال”. وضع عبدالله بن زايد قطر أمام خيارين واضحين ومحددين تفاديا للّفّ والدوران.

من أجل عدم إضاعة الوقت والسقوط في متاهات النقاشات العقيمة من نوع كلام وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن “التدخّل في الشؤون القطرية” أو “السيادة القطرية”، من الأفضل الدخول المباشر في صلب الموضوع. يعني هذا الدخول في صلب الموضوع، بدل الغرق في جدل لا فائدة منه أقرب إلى ذلك المتعلّق بجنس الملائكة أو هل الدجاجة قبل البيضة أو البيضة قبل الدجاجة، ضرورة العودة إلى المنطق.

ما الذي يقوله المنطق؟ يقول المنطق البسيط إنّ قواعد اللعبة التي أتقنتها قطر تغيّرت كليّا مع وجود مجموعة خليجية ليست مستعدّة بأيّ شكل للرضوخ للقواعد القديمة التي سمحت للدوحة بأن تكون لاعبا محوريا على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك في مصر نفسها.

ليس هناك ما يقال
اعتمدت قطر في هذه اللعبة على تمرير الوقت من جهة وعدم وجود رغبة في الدخول في مواجهات معها من جهة أخرى. كانت الشجاعة تنقص أولئك الذين سمحوا في الماضي لقطر بأن تفعل ما فعلته وأن تكون ندّا لبلد مثل مصر من جهة وأن تسعى إلى أن تكون لها اختراقات في داخل السعودية من جهة أخرى.

تغيّرت السعودية كليّا. هناك مملكة جديدة. وهذا ما يجب أن يكون مفهوما لدى كلّ من يعنيه الأمر. صحيح أن مؤشرات عدّة ظهرت منذ العام 2011 على تغييرات في السياسة التقليدية للسعودية وذلك عندما تدخّلت في البحرين لمنع الانقلاب الذي كانت تنوي إيران تنفيذه، لكن الصحيح أيضا أن هذه المؤشرات لم تأخذ بعدها إلّا في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز.

أخطأت قطر عندما اعتقدت أنّ في استطاعتها الاتكال على عامل الوقت في عهد الملك سلمان ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان. لم يكتف العهد الجديد في السعودية بمتابعة سياسة المواجهة مع الإخوان المسلمين في مصر والتي بدأت في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مثل هذه الأيّام من العام 2013، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.

هناك سياسة سعودية لا غبار عليها في شأن “حماس” التي لم تنطل حيلتها الأخيرة المتمثلة في أنها خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين على أحد.

لا بدّ من الاعتراف بأنّ الشيخ حمد بن خليفة الذي انقلب على والده في منتصف العام 1995 غيّر قطر وغيّر موازين القوى في الخليج وما يتجاوز الخليج وصولا إلى لبنان ومصر وإلى أبعد منهما في ليبيا مثلا. امتلك “الأمير الوالد” جرأة لم يمتلكها غيره وذلك عندما دعّم، على سبيل المثال وليس الحصر، “حزب الله” في حرب صيف العام 2006، وهي حرب عادت بالويلات على لبنان، لكنها سمحت لرئيس النظام السوري بشّار الأسد بالحديث عن “أشباه الرجال” وذلك في إشارة منه إلى قادة خليجيين آخرين.

اتخذ العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في أثناء تلك الحرب التي افتعلها “حزب الله” من أجل تحقيق انتصار على لبنان موقفا عقلانيا يستند إلى أن إيران وراء تلك الحرب التي لن تستفيد منها إلّا إسرائيل.

لكنّ المنطق القطري كان مختلفا. كان الهدف تصفية حسابات مع السعودية وإحراجها، حتّى لو كان ثمن ذلك توفير دعم لـ”حزب الله” وفكّ العزلة الدولية عن بشّار الأسد. وهذا فخّ سقطت فيه السعودية لاحقا عندما جاء الملك عبدالله بسعد الحريري إلى دمشق لينام عند الشريك، بطريقة أو بأخرى، في قتل والده.

يُفترض الاعتراف بأنّ قطر لم تمتلك حسابات ذات طابع خاص مع إيران. تتغاضى هذه الحسابات عن مشروعها التوسعي القائم على إثارة الغرائز المذهبية وعدائها لكلّ ما هو عربي في المنطقة. تعاطت معها وساندتها، على سبيل المثال وليس الحصر، عندما كان مطلوبا تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري عبر افتعال حرب مع إسرائيل ذهب ضحيّتها لبنان واللبنانيون.

مرّة أخرى، تغيّرت قواعد اللعبة التي اعتادت قطر عليها والتي كانت فضائية “الجزيرة” أداة أساسية من أدواتها، فضلا عن العلاقات من فوق الطاولة مع إسرائيل وقاعدة العديد الأميركية. جاء من يقول “كفى” وإن شبكة الإخوان المسلمين التي اعتمدت عليها الدوحة لتحقيق اختراقات في الداخل العربي وخارجه لم تعد بالفعالية ذاتها.

باختصار شديد، جاء من يقول لقطر إنّ عليها التكيّف مع الواقع الجديد في المنطقة بعيدا عن الكلام العام الذي لا يقدّم ولا يؤخر في شيء، وبعيدا خصوصا عن لعبة الرهان على الوقت وعلى الاتفاقات التي يتمّ التوصل إليها معها والتي تسمح لها بممارسة هذه اللعبة. حصل ذلك في 2013 و2014.

أما بالنسبة إلى التهديد بالورقة الإيرانية، فهذه الورقة سيف ذو حدين. ماذا ستفعل قطر في حال صارت تحت رحمة إيران التي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة وتشهد في الوقت ذاته صراعا داخليا تسعى باستمرار إلى الهرب منه إلى مغامرات خارجية؟ ألم يكن مجلس التعاون أصلا مظلة لحماية الجميع من الطموحات والمغامرات الإيرانية؟

تبقى الورقة التركية. ما الثمن الذي سيطلبه رجب طيّب أردوغان من أجل استمرار دعمه، علما أن الجوع التركي إلى المساعدات الخارجية والاستثمارات لا حدود له هذه الأيّام. كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي للكويت خير دليل على ذلك. لم يتطرق سوى إلى مشاريع محددة مدروسة بدقّة يمكن أن تساهم فيها شركات كويتية!

نعم، تغيّرت قواعد اللعبة. حصل أيضا تغيير في قطر وذلك عندما خلف تميم بن حمد والده وخرج الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من رئاسة الحكومة ومن وزارة الخارجية. رجال التغيير في قطر غير قادرين على التأقلم مع السعودية الجديدة.

هل يدركون أن ثمن التكيّف مع الشروط التي وضعتها الدول الأربع يبقى أقلّ كلفة بكثير من الذهاب بعيدا في المواجهة، خصوصا أن هناك من يراهن على أن هذه المواجهة لا يمكن في أي شكل، بلغة الأرقام، أن تكون في مصلحة قطر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قطر بين كلفة التكيّف وكلفة المواجهة قطر بين كلفة التكيّف وكلفة المواجهة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon