بقلم : عمرو الشوبكي
يسعى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى وكبار دبلوماسييها إلى الحفاظ على الاتفاق النووى مع إيران، والتمسك بسياسة احتواء إيران ودمجها فى المنظومة العالمية تدريجيا، وفى نفس الوقت حماية شركاتها ومؤسساتها المالية التى تعمل هناك من أى عقوبات أمريكية.
والمؤكد أن إيران استفادت من هذا الاتفاق سياسيا، فقد روّجت فى الغرب أن هناك وجهاً آخر لها غير دعم الميليشيات الطائفية والخطاب الثورى، وهو أمر أشاد به كثير من الدبلوماسيين الغربيين فى جلساتهم الخاصة، وأحيانا العلنية، حين علقوا مرات كثيرة على مهارة وكفاءة المفاوضين الإيرانيين، خاصة أنهم لم يتوانوا عن التأكيد على أن الإيرانيين لم يقوموا بعملية إرهابية واحدة فى الغرب واستمعت شخصيا لكلام مشابه قاله وزير خارجية إيران فى ندوة فى هلسنكى بأن الإرهابيين جاءوا من العالم العربى وليس إيران.
والمؤكد أن أوروبا تستهدف من تمسكها بالاتفاق النووى مع إيران أن تغير ولو جزئيا المعادلات السياسية الداخلية التى قامت منذ ثورتها (1979) على تخوين أى علاقة مع الغرب (قوى الاستكبار العالمى)، وظلت كلمة تفاوض مدانة فى الثقافة السياسية الإيرانية على اعتبار أنه نظام ثورى جاء ليغير معادلات الكون ويواجه الشيطان الأكبر (أمريكا)، وانتهى به الأمر إلى لاعب إقليمى يوظف ميليشياته الطائفية فى أكثر من بلد عربى للحفاظ على نفوذه وأوراقه الإقليمية حتى لو كان على حساب مئات الآلاف من السوريين والعراقيين واليمنيين.
والحقيقة أن اعتراف أوروبا بقوة إيران وتمسكها بالاتفاق النووى، لأنه يفرض قيودا حقيقية على طموحتها النووية، يعنى محاولة نقلها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية إلى دولة ممانعة من داخلها، وهو فارق كبير يمكن مقارنته بالفارق بين حزب سياسى معارض شرعى يسعى للتغيير من خلال الأطر القانونية والدستورية وبين جماعة احتجاج وعنف تسعى لهدم هذه الأطر.
الرهان الأوروبى يدور على فكرة ترويض إيران من خلال الاحتفاظ بقنوات اتصال معها يعطيه الاتفاق النووى لكل الدول الغربية الموقعة عليه، ويعنى من الناحية النظرية فتح الباب أمام أوروبا للتأثير فى النظام الإيرانى من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليا نحو الاعتدال.
الأيام القادمة ستكون حاسمة فى تحديد شكل علاقة المجتمع الدولى مع إيران، فأوروبا ستسعى لفرض وجهة نظرها الإدماجية على المنظومة العالمية، وأمريكا ترامب ستسعى لفرض رؤيتها الإقصائية على أوروبا والعالم، فى حين تبدو إيران حتى اللحظة ثابتة على موقفها وقادرة على إحداث اختراق فى المنظومة العالمية، وهى مخاطرة غير مضمون نجاحها للجميع.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع