بقلم : رندة تقي الدين
فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الذي يكاد يكون أبدياً فرض نفسه على ساحة الشرق الأوسط ليس فقط بالتدخل في الحرب السورية لحماية الأسد ولكن أيضاً بتحويل روسيا إلى لاعب أساسي في سوق النفط العالمية إلى جانب السعودية، فأصبحت أنظار المتعاملين بأسواق النفط كلها تتجه إلى ما ستكون عليه سياسة روسيا وشركتها النفطية «روسنفت» وغيرها، المتعاونة مع الحكومة ومع وزير النفط الروسي ألكساندر نوفاك، من أجل توقعات اتجاه أسعار النفط.
فقد أعلن نوفاك فور إعادة انتخاب بوتين، أن روسيا ملتزمة الاتفاق مع دول «أوبك» لتخفيض الإنتاج حتى النهاية أي حتى عودة استقرار السوق النفطية وإزالة الفائض في المخزون الذي ما زال موجوداً وفق الأمين العام لـ «أوبك» محمد باركندو. وكان الوزير السعودي خالد الفالح أكد الالتزام نفسه. والاتفاق الذي من المتوقع أن يستمر حتى نهاية ٢٠١٨ كان رفع سعر برميل النفط من ٣٠ دولاراً في بداية ٢٠١٦ إلى حوالى ٦٣ دولاراً بسبب انخفاض المخزون العالمي بفعل هذا الاتفاق الذي شهد التزاماً غير مسبوق بتخفيضات الإنتاج من دول أوبك وخارجها، خصوصاً روسيا التي لم تكن جدية في السابق في مساهمتها الفعالة مع أوبك حتى اتفاقها الأخير السنة الماضية مع السعودية.
إلا أن معظم الدول المنتجة للنفط تتمنى وصول مستوى سعر برميل النفط إلى حوالى ٧٠ أو ٧٥ دولاراً لاحتياجات ميزانياتها. حتى تلك الغنية منها، مثل دول الخليج. لكن زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي السريعة تتجاوز زيادة الطلب على النفط لهذه السنة المتوقع أن تبلغ بين ١.٤ إلى ١.٦ مليون برميل. زيادة النفط الأميركي (والسوق الأميركية هي أكبر سوق مستهلكة) قد تمنع دول أوبك والمنتجة من خارجها والبالغ عددها 24 دولة من استعادة حصصها المنخفضة. ولكن هناك عوامل جيوسياسية قد تعيق التوقعات مع تفاقم الخلاف الأميركي- الإيراني واحتمال زيادة العقوبات الأميركية على إيران كما أن الوضع النفطي الليبي غير مستقر، فهو يتحسن أحياناً وأحيانا يتدهور مع تدهور الوضعين السياسي والأمني. وأوضاع فنزويلا السياسية والاقتصادية سيئة ومتدهورة وهي منتج نفطي كبير شهد انخفاضاً كبيراً ومستمراً في إنتاجه.
هذه الأوضاع غير المستقرة في بعض الدول منها نيجيريا أيضاً على صعيد القطاع النفطي قد تؤدي إلى ارتفاع طفيف في أسعار النفط. لكن من الصعب توقع سعر برميل نفط بأكثر من ٧٥ دولاراً لمدة طويلة بسبب تواجد كميات نفط أميركية كبيرة تزداد مع سياسة ترامب بإزالة الضرائب عن الشركات وتشجيع منتجي النفط الصخري. ومما لا شك فيه أن دول أوبك وخارج أوبك قد تجد نفسها مجبرة في اجتماعها في حزيران (يونيو) القادم في فيينا على تمديد تخفيضاتها في ٢٠١٩ إذا أرادت حماية أسعار النفط من هبوطها إلى أقل من ٦٠ دولاراً. فإذا استمر نمط زيادة النفط الأميركي وتحولت الولايات المتحدة من منتج ومستهلك نفطي ضخم إلى مصدر كبير.
حتى الآن هذا لم يحصل بعد ولو أن الولايات المتحدة أصبحت تصدر كميات قليلة من نفطها كما تفعل في الغاز ولكنها لم تبلغ بعد مركز مصدر عملاق، لأن سوقها الداخلية واستهلاكها المحلي ضخم. والملفت هو توجه السعودية إلى أسواق الشرق حيث تعتزم تكثيف استثماراتها في المصافي في دول مثل الصين والهند حيث تنوي أرامكو السعودية شراء حصة كبرى من مصفاة هندية ما يتيح للهند شراء المزيد من كميات النفط السعودية. فالسعودية وهي أكبر دولة منتجة في أوبك زادت مبيعاتها من النفط إلى دول آسيا بعد أن خفضت الولايات المتحدة كميات النفط السعودي المستورد بسبب زيادة الإنتاج الأميركي.
ورغم هذه الزيادة اشترت الولايات المتحدة من السعودية حوالي ٧٠٠ ألف برميل في اليوم في نهاية السنة الماضية علماً أنه مستوى أقل بكثير مما كانت تشتريه بسبب زيادة إنتاج النفط الأميركي. فيصعب توقع ارتفاع كبير لأسعار النفط في ظل زيادات الإنتاج في أماكن عديدة ومختلفة في العالم. ويظهر أن سعر برميل نفط ما بين ٦٢ إلى ٦٥ دولاراً قد يكون المعدل لهذه السنة والسنة المقبلة إذا بقيت دول أوبك وخارج أوبك ملتزمة قرارها التخفيض.
نقلًا عن الحياة اللندنية