توقيت القاهرة المحلي 19:17:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصريون القدماء والمصريون الجدد

  مصر اليوم -

المصريون القدماء والمصريون الجدد

بقلم - أحمد جلال

زرت فى يناير المنصرم مدينة إيطالية اسمها «بومبى»، ولهذه المدينة قصة تستحق أن تروى فى معرض حديثنا عن المصريين القدماء والمصريين الجدد. قصة هذه المدينة أنها تعرضت للزوال تحت الرماد الحارق لثورة بركانية من جبل يعتليها اسمه فيزوف عام 79 م. وظلت المدينة تحت الرماد، بقصورها، ومعابدها، ومسارحها، وساحاتها الرياضية، وتماثيلها، وبيوتها، وشوارعها، وسكانها، حتى بدأ الإيطاليون الجدد عمليات حفر وتنقيب وترميم لها عام 1748 م. لم تهدأ هذه الصحوة حتى عادت المدينة للحياة، مع شروح لقصة كل قصر، وساحة، ومعبد، وطريقة حياة السكان، ومعتقداتهم، وأسماء الشوارع... إلخ، وأصبحت مزارا سياحيا قادرا على جذب حوالى 7-8 ملايين سائح سنويا، وهذا رقم مماثل لعدد السياح الذين يأتون لمصر فى العام هذه الأيام.

وإذا كان الإيطاليون الجدد قد عرفوا كيف يستغلون ما تركه الأجداد بجدارة.. فماذا فعلنا نحن كمصريين جدد بما تركه لنا المصريون الأوائل؟ أظن أننا ارتكبنا خطايا ثلاثا، الاعتراف بها مقدمة أساسية للتغلب عليها. هذه الخطايا يمكن عنونتها كالآتى، مع الاعتذار مقدما على حدة اللغة: قصر النظر، وقصور الأداء العام، والتباهى.

بالنسبة لقصر النظر، ليس من الصعب ملاحظة أن بعض المتعاملين مع السياح يرون فيهم فريسة يجب ابتلاعها اليوم، وليس غدا، بحيل مختلفة. هذا السلوك ينطبق على بعض أصحاب الجمال والأحصنة فى منطقة الأهرامات وغيرها من المناطق السياحية، وبعض بائعى المشغولات المصرية فى خان الخليلى وغيرها من الأسواق، وبعض سائقى التاكسى، وبعض عمال الفنادق العريقة، وحتى بعض المسؤولين عن حراسة الآثار. بالطبع هذا السلوك يحقق منفعة آنية وشخصية لهؤلاء، لكنه يؤدى فى نفس الوقت لضرر عام فى الأجل الطويل، نتيجة إحجام السياح ومعارفهم عن المجىء مرة ثانية لمصر.

ما يسمح باستمرار سلوك قصر النظر هو تقاعس المسؤولين عن القيام بدورهم بما يحقق الصالح العام. صحيح أن الوزارات المعنية تعمل على تشجيع المستثمرين فى مجال السياحة، والتنقيب عن آثار جديدة، والترويج للسياحة، والحفاظ على الأمن، ولكن هناك قصور بين فى استغلال الآثار التى تركها لنا المصريون الأوائل (خاصة أن مصر لديها ما يقدر بثلث آثار العالم)، وما أعطانا الله من سواحل وجو معتدل، وما لدينا من فرص للسياحة الترفيهية، والثقافية، والعلاجية. مقارنة بالدول الجاذبة للسياح، ليس لدينا ما يكفى من متاحف، ومعارض فنية، وحفلات موسيقية، ومنتجعات سياحية، وقواعد عمل يتم الالتزام بها. إضافة لذلك، ما يتم تقديمه من خدمات تنقصها الجودة بسبب غياب التنسيق بين الوزارات المختلفة، وضعف الوعى السياحى لدى المواطنين، وغياب التخطيط الرشيد، وانظر إلى هضبة الأهرام وما يجاورها من عشوائيات. إذا أردنا أن نستغل ما لدينا من ثروات سياحية، فالمطلوب لا يقل عن ثورة فى هذا القطاع الواعد من قبل المؤسسات المعنية، وعلى رأسها وزارات السياحة والآثار والمحليات.

وأخيرا.. ماذا عن فكرة التباهى؟ بداية، من الطبيعى أن تتباهى الدول بتاريخها وحاضرها، لكن ما يلفت النظر أن هذه الصفة تبدو أكثر شيوعا فى مصر وأمريكا أكثر من غيرهما من الدول. ففى أمريكا يصل حد التباهى بالحاضر إلى إضافة كلمة «الدولية» إلى المسابقات الرياضية المحلية، مثل مباريات المصارعة والبيسبول، وفى مصر، نسمى بلدنا أم الدنيا. وإذا كان للأمريكان الحق فى المباهاة بحاضرهم، بحكم قوتهم الاقتصادية والعسكرية، وبحكم نصيبهم الكبير من جوائز نوبل فى العلوم والطب والأدب والاقتصاد، فمباهاتنا تتوقف بدرجة كبيرة على إنجازاتنا فى الماضى. طبعا لدينا بعض الإنجازات فى الحاضر، بما فى ذلك جائزتا نوبل فى الأدب (نجيب محفوظ) والكيمياء (أحمد زويل)، لكننا لسنا فى مصاف الدول المتقدمة بعد، كما أن جوائز نوبل ترجع بدرجة كبيرة إلى مواهب فردية فذة لمن حصلوا عليها.

فى نهاية الأمر، وحتى لا يؤخذ كلامى على أنه نوع من جلد الذات، ليس لدىّ شك فى أن لدينا ما نفخر به من ماض عريق وبعض الإنجازات فى الحاضر. لكن ظنى أن هذه الإنجازات أقل بكثير مما نحن قادرون عليه، بسبب قصر نظر البعض، وتقاعس البعض الآخر، والاكتفاء بالتباهى بالماضى. ما نحتاجه بشدة أن نربط ماضينا بحاضرنا، وخير مثال على ذلك قصة مدينة «بومبى» التى ذكرتها فى مقدمة المقال.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصريون القدماء والمصريون الجدد المصريون القدماء والمصريون الجدد



GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

GMT 08:31 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

نتنياهو يغير «حزب الله»

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 08:17 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

معقول بيننا من يشمت بحزب الله ؟؟!

GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

نجمات العالم يتألقن بإطلالات جذّابة بأسبوع الموضة في باريس

القاهرة - مصر اليوم
  مصر اليوم - عمرو دياب يتألق في حفله في مدينة العلا السعودية

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 18:36 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

جوكر الكرة المصرية أحمد فتحي يُعلن اعتزاله

GMT 04:47 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

معرض الدوحة الدولي للكتاب ينطلق في 9 مايو

GMT 18:17 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

شرم الشيخ التي لم نعرفها من قبل

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 15:41 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

مصر وليبيا بدون جماهير في برج العرب

GMT 22:43 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

خالد سرحان يسخر من أحمد فهمي بعد "خناقته" مع شيكابالا

GMT 18:11 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

الفلفل الحار علاج لمرض خطير
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon