بقلم - نشوى الحوفى
وقّع نحو 300 شخصية عامة فى فرنسا، من بينهم «ساركوزى»، الرئيس الفرنسى الأسبق، و«شارل أزنافور»، المغنى العالمى، على بيان يطالب بحذف آيات من القرآن الكريم لأنها، من وجهة نظرهم، تحرض على العنف وتدعو للكراهية والإرهاب.
والحق أن هذه الدعوة ليست جديدة، وإنما تدأب الأوساط الفرنسية على إطلاقها وترديدها فى مناسبات مختلفة، لكن ربما هذه المرة أخذت بُعداً شعبياً كبيراً، وجاءت فى أعقاب تورط عدد من العرب والمسلمين فى أعمال إرهابية، لعل آخرها أحداث مدينة نيس وشارع الشانزلزيه بباريس.
وللإنصاف يجب أن نذكر أن الجامعات ومراكز الأبحاث الفرنسية تُجرى فيها منذ فترة طويلة دراسات مستفيضة عن الإسلام، وأكاد أزعم أن هذه الأماكن وباقى الكليات وقلاع الاستشراق فى فرنسا تعرف جيداً أن الإسلام ينبذ العنف ولا يحرض عليه وهو دين سمح.
وأعترف بأنها حرب صليبية جديدة ليست على شاكلة الحرب الصليبية القديمة التى جرّدت فيها الدول الغربية الجيوش والسلاح والعتاد وجاءت إلى بيت المقدس تريد هدمه وتقضى على الدين الإسلامى.. وإنما هى تريد أن تصل إلى نفس الأهداف لكن من خلال الدعوة إلى تفريغ القرآن الكريم من بعض الآيات التى صور لهم غرورهم وجهلهم أنها تحرّض على العنف.
والحق أن التحيز ضد الدين الإسلامى قديم، لكن لم يكن يستمع إليه إلا القليلون، فالإسلام له رب يحميه، وهذا لم يمنعهم من اختلاق القضايا الإسلامية والدعوة لمعاداة السامية وإبعاد الإسلام عنها، لكن نسى هؤلاء أن ملياراً ونصف المليار مسلم فى العالم لن يظلوا هكذا مكتوفى الأيدى. ونحن نحذر من ابتعاث كراهية الإسلام والحروب الصليبية من عمق التاريخ وإشعال العالم بحرب دينية لا يكون فيها غالب أو مغلوب.
ونحن نطالب الجالية المسلمة فى باريس، وعددها يتراوح بين 5 و6 ملايين مسلم، أن تنشط الجمعيات التى تمثلها، ومنها اتحاد المنظمات الإسلامية فى باريس، وأن ترفع دعاوى قضائية فى الجمعية الوطنية الفرنسية والبرلمان الأوروبى فى مدينة ستراسبورج لإدانة موقّعى البيان التحريضى والدعوة لنبذ المسلمين ووصمهم بأنهم دعاة عنف، مما يؤدى إلى جريمة فى حق السلام الاجتماعى وإشعال فتنة دينية لا يعلم إلا الله مداها فى حق الشعوب، والأهم مساواة الدين الإسلامى بالأديان الأخرى.
الإسلام، كما قلت، له رب يحميه، لكن ما يهمنا هنا هو السلم الاجتماعى الذى سيكون المستهدف عالمياً.. ألا رحم الله المستشرق الفرنسى الكبير «جاك بيرك» الذى كان يرفض أن يكتب مقدمة لترجمته لمعانى القرآن الكريم، وعندما سألته: لماذا؟ أجاب يقول: «إن كلام الله يجب أن لا يكون مسبوقاً بكلام بشر»!!
باختصار، كانت الدوائر الاستشراقية تحترم كتاب الله وتقدس معانيه حتى وإن اختلفت معها، لكن المستشرقين الجدد اليوم لا يحترمون عقائد الآخرين ويعملون لإشعال حرب دينية عالمية قد لا تُبقى ولا تذر.
نقلا عن جريدة الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع