توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة إلى السماء

  مصر اليوم -

رسالة إلى السماء

بقلم : ولاء مصطفى

 لقد رأيت الله مرة واحدة قبل وفاة والدى، المشهد سار كالآتى، طفلة صغيرة تمسك بيد رجُل أربعينى، ينظر إلى الأفق دون تردد، يده معى وعيناه فى فُلك آخر. داخل سيارة صغيرة تكفى بالكاد مشوارا نذهب إليه أنا وأبى نحو السماء، مرّت دقائق حتى انقلبت السيارة، صرخت وسألت الجميع «ماذا أفعل؟»، فأجابوا «الله وحده هو من سينقذه»، فبادرت بسؤال آخر «أين هو؟»، صمتوا جميعًا ثم أشاروا بأصابعهم نحو هالة كبيرة من النور، بكيت حينها بشدّة وكأن العالم سينتهى، إذ ذهب أبى نحو السماء وتركنى وحيدة.

هُنا، بعيدًا عن السماء بآلاف الكيلومترات، أكتب إليك والدى العزيز، تحية طيّبة من ابنتك وحفيدك الذى لم تره، سأخبرك عمّا حدث فى رسالة طويلة، ولكن دعنى أقل لكَ رسالة عُمرها أكثر من 8 سنوات، مُنذ رحلت وتركتنى هُنا أفتقدك كثيرًا وأشتاق لرؤياك، وبالطبع أتمنى رؤيتك أنا وحفيدك، لكننى مطمئنة لأن الله ينظر إليك بدلاً منّا، ينظر إليك بعين رحمة ومغفرة.

دعنى أخبرك أيضًا أن الجدار الذى كُنت أستند إليه، منذ كُنت طفلة صغيرة لم تحل ضفائرها بعد، انكسر تمامًا بعد ذهابك، كُنت أنت قدوتى الأولى فى الحياة، أعطيتنى حبًا وملأتنى بالعطاء والحنان، ورغم كُل الحب، لم تنس أن تعلمنى حُب الحياة وكيفية العيش بها، أحكى عنك لحفيدك سليم فى كل ليلة، أخبره أنك رجُل طيب القلب، عزيز النفس، وعفيف اللسان، لا يجرح أحداً بكلمة، ولكن مهما قُلت، ما فى قلبى لك أكبر من الوفاء بالحديث عنك.

أبى العزيز فتاتك المدللة تغير بها الحال قلبًا وقالبًا، أصبحت أُمّاً، لستُ عظيمة على الإطلاق، لكنى فى النهاية أُم، أجلس هنا بجانبى طفل جميل، جزء صغير منى حملته 9 أشهر، مرَّت تلك الأيام، كانت صعبة متقلبة مثل شهور السنة، كُنت أرى الصيف والخريف فى يوم واحد، ولكن بعد الولادة، تحديدًا عندما رأيت طفلى وحملته بقلبى قبل يدى، شعرتُ بأن الربيع أتى، وطغى بجماله على حياتى، مثلما فعل سليم. صحيح أننى لا أجد وقتا كافيا للجلوس معه بسبب ضغوط العمل والمشوار اليومى من الهرم إلى جاردن سيتى، الكُل يجرى هنا.

أخبرتك بالأشياء السعيدة، ولكن هُناك شعوراً بالشجن لا يُفارقنى، انقلبت حياتنا جميعًا بوفاتك، العالم هُنا أصبح مخيفا ومظلما، كُنت شعاع النور الذى ينير حياتنا، كشفت الأيام لنا عن وجهها القبيح بعد رحيلك، الكُل يريد سرقة حقوقنا، نعم.. أخذوا ما لا حق لهم فيه، ولكن أمى، زوجتك رضا، خبأت الغصّة التى احتلت قلبها، وساعدتنا على النهوض مرة أخرى، ولكن كل فرحة فى بيتنا لا تمُر هكذا، بل تمتزج بدموع ساخنة، لم تبرد بعد 8 سنوات.

مُتشحين بطيفك، نجلس سويًا أول يوم العيد، لنتذكر عندما كنت تأتى فجرًا لتوقظنا على هداياك، وكأنّك بابا نويل، ولكن الفرق بينك وبين بابا نويل، الفطائر الطازجة التى كُنت تحملها وتأتى بها إلى المنزل، حتى لا تأكل بدوننا. أعلم أن رسالتى إليك طويلة، وقد تكون مُملة، لكن دعنى أخبرك بكلمة أخيرة، لعلّها تصل إلى السماء أيضًا.

يا أبى، يا مصطفى، أحاول أن أبقى كما تركتنى، يعلم الله أننى لا أحمل ذرة حقد أو حسد، لا أعلم لماذا يرانى البعض شريرة وكأننى أسوأ ما أنجبت الحياة، لكن لدى بعض الأصدقاء يرون طيبة قلبى دون حجَاب، الحياة لا ترحم أحدًا، كبرت يا مصطفى وأصبحت أدور داخل دائرة لا تنتهى، الحياة هُنا ثقيلة، أخاف التوهان بين الدروب، وحينما يجرفنى التيار بعيدًا أتذكر أن لدى طفلا صغيرا، يُمسك ملابسى أثناء نومه، يخاف ابتعادى عنه، وأخاف أنا على مصيره، كى لا يُصبح يتيما مثلى، أتذكر كُل هذا فأذهب إلى أقرب شباك يرسل إليك رسالتى.. محبتى لك من هُنا.

 نقلًا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة إلى السماء رسالة إلى السماء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon