د.أسامة الغزالي حرب
عندما التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وعمرى يزيد قليلا عن الثمانية عشر عاما، فى 1965،
أى منذ خمسين عاما بالضبط، تعرفت على رئيس اتحاد طلبة الكلية، الطالب بالفرقة الثالثة مصطفى الفقي، الذى اهتم بدوره بالتعرف على الطلاب الأربعة الذين قدموا معا من التوفيقية الثانوية بشبرا(أحمد يوسف أحمد، وعبد القادر شهيب، وعثمان محمد عثمان، وأنا). كان مصطفى شخصية متألقة، جذبتنى إليه بشدة موهبته البارزة فى «الخطابة» بلغة فصحى بليغة ومتدفقة. التحق مصطفى بوزارة الخارجية فور تخرجه ليبدأ مشوارا حافلا متعدد الجوانب، فهو «الدبلوماسي» اللامع الذى عمل بسفارات مصر فى لندن(حيث حصل أيضا على الدكتوراه) وفى نيودلهي، ثم كان سفيرا لمصر فى فينا، ومندوبا لها فى المنظمات الدولية هناك، فضلا عن عمله مديرا للمعهد الدبلوماسي. وهو «السياسي» الذى عمل سكرتيرا للمعلومات مع الرئيس مبارك من1985إلى 1992، ثم كان عضوا بمجلس الشعب (2005-2010) وهو «الأكاديمي» استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة الذى أشرف على العديد من الرسائل الجامعية، فضلا عن عضويته للعديد من المجالس والإتحادات المصرية والعربية والدولية. تذكرت هذه السيرة الحافلة للدكتور الفقى بعد أن تابعت مؤخرا لقاءين هامين له مع زينب اليازجى على قناة سكاى نيوز عربية، ولبنى عسل على قناة الحياة، وفى كليهما كانت آراء د. مصطفى عميقة، تعكس نظرة ثاقبة خبيرة. فى هذه اللقاءات وغيرها أصبح د. الفقى يقدم لا كدبلوماسى ولا كسياسى ولا كأستاذ جامعي، وإنما كـ«مفكر»، ولكن عندما أتأمل وصف مفكر تتداعى إلى ذهنى صورة تمثال «المفكر» الشهير للنحات الفرنسى رودان، والذى يجسد هيئة رجل يفكر بعمق وصمت فيما يعتمل فى نفسه من أفكار، والتى توحى بما هو بعيد كثيرا عن شخصية مصطفى الفقى الذى أعطاه الله موهبة سلاسة التعبير وطلاقة اللسان، والتى جعلت أحاديثه التليفزيونية محط ترقب وانتظار المشاهدين. إنها نعمة (أو نقمة؟) تعدد المواهب، التى جعلت د. الفقى يتحدث كثيرا- بعد ذلك- عن سنوات العمر الضائعة أو عن الجيل المسحور!