فيضانات قاتلة في باكستان، وموجات حر غير مسبوقة في الصين، وموجات جفاف تسبب مجاعة في أجزاء من إفريقيا، ودرجات حرارة مرتفعة بشكل غير عادي في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. إنه تأثير تغيّر المناخ الناجم عن النشاط البشري، الذي بات محسوساً في جميع أنحاء العالم، مع تحذير الخبراء من أن الظواهر الجوية الشديدة لم تعدّ استثناءً، بل أصبحت القاعدة الجديدة .
وقالت وزيرة شؤون تغيّر المناخ في باكستان، شيري رحمان: «شهدت باكستان سلسلة لا هوادة فيها من موجات الحرارة، وحرائق الغابات، والفيضانات المفاجئة، والانهيارات المتعدّدة للبحيرات الجليدية، وأحداث الفيضانات، والآن تسببت الرياح الموسمية القوية في إحداث دمار مستمر في جميع أنحاء البلاد».
وفي مارس، شهدت باكستان ظاهرة الطقس المعاكسة تماماً، حيث شهدت مساحات شاسعة من البلاد ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية – وهي الأكثر دفئاً في الشهر منذ 60 عاماً. وأدت الحرارة غير العادية، إلى جانب هطول الأمطار دون المتوسط، أيضاً إلى انخفاض في المحاصيل، وساعدت على إذابة الثلج والجليد في المناطق الجبلية في جيلجيت بالتستان وخيبر باختونكوا، ما أدى إلى ذوبان الماء في بحيرة جليدية واحدة على الأقل، وفقاً لمنظمة الأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة.
كما تأثرت الهند المجاورة، حيث قالت المنظمة إن البلاد سجلت أعلى درجة حرارة لشهر مارس على الإطلاق، بـ1.86 درجة مئوية فوق المتوسط. وأشارت المنظمة إلى أن الحرارة الشديدة أصبحت «أكثر احتمالاً بـ30 مرة بسبب تغيّر المناخ»، مضيفة أن «مثل هذه الموجات الحرارية والإجهاد الحراري الرطب ستكون أكثر حدة هذا القرن في جنوب آسيا، وهي واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية.
ولا تقتصر التوقعات على جنوب آسيا، إذ يتوقع العلماء أن يصبح الطقس الحار والجاف شائعاً وشديداً بشكل متزايد في أجزاء أخرى كثيرة من العالم.
وفي غضون ذلك، قال الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، في أواخر يوليو: «في المستقبل ستكون هذه الأنواع من موجات الحرارة طبيعية. وسنرى قساوة الطبيعة أقوى، وقد تم ضخ الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بحيث يستمر الاتجاه السلبي لعقود، ما لم نتمكن من خفض انبعاثاتنا عالمياً». وأضاف تالاس: «آمل أن تكون هذه دعوة إيقاظ للحكومات، وأن يكون لها تأثير في سلوك التصويت في الدول الديمقراطية».
وتشهد الصين، جارة الهند، مزيجاً من موجات الحرارة القياسية، والجفاف الشديد، والأمطار القاتلة، منذ يونيو، فيما أطلقت عليه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية «صيف التقلبات العنيفة». وقال الأمين العام المساعد للمنظمة، الدكتور ونجيان جانغ، إن «حالة الطقس والمناخ في الصين قاسية ومعقدة، مع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في الجنوب، وزيادة هطول الأمطار في الشمال»، موضحاً: «لقد أدى تزامن الجفاف مع الفيضانات إلى ظهور تحديات للوقاية من الكوارث والتخفيف من حدتها وأعمال الإغاثة».
رقم قياسي
ووفقاً لإدارة الأرصاد الجوية الصينية، يشهد الجنوب أطول موجة حرارة وأكثرها حدة، منذ بدء العمل بالسجلات الجوية في عام 1961، محطمة بذلك الرقم القياسي لعام 2013 البالغ 62 يوماً، بحلول 15 أغسطس. كما شملت الموجة مساحة 5.4 ملايين كيلومتر مربع، أو ما يقرب من نصف إجمالي مساحة البلاد.
وشهدت معظم المقاطعات والمدن، على طول نهر اليانغتسي، هطولاً منخفضاً للأمطار، حيث شهدت بعض الأماكن أقل من 80% من كمية الأمطار العادية، ما أدى إلى جفاف متوسط إلى شديد، وانقطاع التيار الكهربائي، وتراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع مخاطر حرائق الغابات.
وحسب بيانات وزارة إدارة الطوارئ الصينية، أثر الجفاف وحده على 5.527 ملايين شخص، في يوليو، وتسبب في خسارة اقتصادية مباشرة قدرها 2.73 مليار يوان (395 مليون دولار).
وفي الوقت نفسه، تستعد الأجزاء المنكوبة جرّاء الجفاف، في القرن الإفريقي، لأسوأ موسم أمطار للمرة الخامسة على التوالي، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية التي تؤثر بالفعل في ملايين الأشخاص. وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، على وجه الخصوص، إلى أن المناطق المتضرّرة من الجفاف، في إثيوبيا وكينيا والصومال، من المتوقع أن تشهد هطول أمطار أقل بكثير من المعتاد حتى نهاية العام، مضيفة أنه من المرجح أن يمتد العجز في هطول الأمطار إلى أجزاء من إريتريا، ومعظم المناطق في أوغندا وكذلك تنزانيا.
ويسهم الموسم الممتد من أكتوبر إلى ديسمبر، عادةً، بنسبة تصل إلى 70٪ من إجمالي هطول الأمطار السنوي، في الأجزاء الاستوائية من القرن الإفريقي الكبير، لاسيما في شرق كينيا.
كما أن درجات الحرارة المرتفعة غير المسبوقة المصحوبة بالجفاف وحرائق الغابات والضغط على أنظمة الرعاية الصحية، تؤثر في أجزاء من أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة. وفي ذلك، قال خبير المناخ في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أتسوشي غوتو، إنه «مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، سيزداد تواتر وشدة التقلبات الجوية العنيفة، لذلك يمكننا القول إن موجات الحرارة والجفاف والفيضانات ستكون طبيعية في المستقبل».
قضايا أمنية
إضافة إلى تقلبات الطقس، يؤثر تغيّر المناخ أيضاً في المشهد الجيوسياسي العالمي، لاسيما منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات الأمنية الحالية، وفي أسوأ الأحوال، يؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة لا يمكن التنبؤ بها. ومع استمرار ارتفاع مستويات سطح البحر، أصبحت الجزر الصغيرة في المحيط الهادئ والمحيط الهندي وكذلك المدن الساحلية الكبرى في الصين وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا معرّضة بالفعل للخطر. وقد تصبح الأراضي غير صالحة للسكن خلال العقود المقبلة، في العديد من البلدان.
وقالت وزيرة الدفاع في المالديف، ماريا أحمد ديدي، في يونيو: «هناك أدلة لا يمكن إنكارها من مناطق الصراع والمناطق الساخنة في جميع أنحاء العالم تشير إلى أن تغيّر المناخ هو المحرك الرئيس للعنف»، محذرة من أنه مع دخول العالم في ظروف مناخية لم يسبق لها مثيل، من المرجح أن تصبح النزاعات «أكثر توتراً وانتشاراً وأكثر دموية».
وجزر المالديف ليست وحدها التي تشعر بهذه المخاوف. وفي الواقع، كشفت دراسة استقصائية، نُشرت العام الماضي، شملت 57 خبيراً في أمن المناخ العالمي عن وجود إجماع على أن مخاطر الأحداث التي تفاقمت بسبب تغيّر المناخ، التي تؤثر في الأمن العالمي ستصبح أكثر حدة في غضون العقدين المقبلين.
• أشارت منظمة الأرصاد الجوية إلى أن الحرارة الشديدة أصبحت أكثر احتمالاً بـ30 مرة، بسبب تغيّر المناخ.
• درجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة مصحوبة بجفاف وحرائق الغابات وضغط على أنظمة الرعاية الصحية، تؤثر في أجزاء من أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة.
• %80 انخفاضاً في كمية الأمطار شهدته مقاطعات على طول نهر اليانغتسي في الصين.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال جنوب غرب الصين إلى 74 قتيلا و259 مصابا
جوتيريش يصل باكستان ويناشد دول العالم تقديم المساعدات في أعقاب الفيضانات
أرسل تعليقك