مطروح_إلهام محمد
يعد مسجد "سيدي العوام" من أشهر وأعرق المساجد الموجودة في مدينة مرسى مطروح، والذي شهد زيارات متعددة لرؤساء دول وشخصيات سياسية شهيرة، وارتبط إنشاءه بحكايات قديمة مازالت حتى الآن عالقة في أذهان غالبية أهالي المحافظة .
ويرجع تاريخ ذلك المسجد منذ أن كان مقبرة صغيرة، دُفن فيها جثمان شخص أطلق عليه أهالي مطروح اسم "العوام"، ظنًا منهم أنه صاحب كرامات، ومن الأولياء الصالحين، بعد أن عثروا عليه طافيًا فوق مياه البحر بنفس الشاطئ، ولم يأكل جسده السمك، ولم تغير من ملامحه مياه البحر المالحة وهو ميت، وكان هذا في عهد الملك فؤاد الأول .
وبعد ذلك قام مدير الصحراء الغربية قبل أن تسمى محافظة مطروح والتي تضم الوادي الجديد والواحات، فؤاد المهداوي، ببناء ضريح ومقام بمسجد لـ"العوام" ونقل جثمانه فيه ودفن للمرة الثانية، وقيل السبب إن العوام أتى للمهداوي في المنام وطلب منه بناء الضريح .
وقامت شركة "حسن علام"، بتشييد المسجد على طراز معماري فريد في النقوش والبناء، ميزه عن مساجد المحافظة كافة، حيث القبة الضخمة وسط مئذنتان شاهقتان، فيما بُني سقفه المطعم بنقوش الإسلامية للعصر الفاطمي على ارتفاع 10 أمتار، حيث كانت تقام احتفالات لأيام عدة، حول الضريح الموجود بذلك المسجد.
وتعد الموالد الشعبية من المظاهر اللافتة للانتباه في المناطق ذات الخصوصية البدائية، وعند الجماعات الشعبية التي تنتشر بها الاعتقادات الراسخة في حب الأولياء، وهناك الكثير من أبناء المحافظة الذين اتفقوا فيما بينهم على تحديد يوم في السنة، لإقامة احتفال بهذا الولي أطلق عليه اسم "مولد سيدي العوام" .
أما العوام، فقد تعددت عنه القصص والحكايات، فبعض الأهالي يقولون إنه رجل تقي من المغرب اسمه محمد العوام مات وهو عائد من رحلة بحرية للحج، وتم إلقاؤه في البحر ورماه التيار على شواطئ مطروح، وعثر عليه الأهالي فدفنوه في قبر على نفس الشاطئ الذي خرج منه ويحمل اسمه حتى الآن "شاطئ العوام.
ويقول البعض الآخر، إنه السيد العربي الأطرش، وهو رجل تقي وولي صالح كان مسافر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج برفقة ثلاثة من أبناء أخيه وبعض الحجاج المغاربة عن طريق البحر، وأثناء عودته وافته المنية وتوفي ولكن لم يبلغ أقاربه ربان السفينة بوفاته لحرصهم على دفنه في أرضه، ولكن الحجاج المغاربة أبلغوه، فأمر الربان بإلقاء الجثمان في البحر حسب المتبع، ورفض أقاربه ذلك، فاشتد الأمر بين الربان وأقارب السيد العربي، إلى أن رأى كلا منهم رؤيا على حدة يأمره فيها عمه بأن يلقوه في البحر وأنه سيرافقهم إلى ما شاء الله، وتم اتفاقهم على هذه الرؤيا فأبلغوا الربان أن يتخذ الإجراءات المطلوبة، وبعد صلاة الجنازة ألقى الجثمان في البحر ولاحظ الجميع أن الجثمان يسير بمحاذاة السفينة، وبعد غروب الشمس ودخول الليل لاحظ الجميع نورًا بجانب السفينة، واستمر الوضع لمدة يومين أو ثلاثة ولم ير الجثمان في اليوم الأخير، إلى أن عثر عليه السكان في مدينة مرسى مطروح في كفنه وعلموا أنه من الصالحين ودفنوه .
ويعود تاريخ جامع العوام لارتباطه قديمًا بمولد "سيدي العوام" والفكر الصوفي الذي يدعم الموالد وزيارات الأضرحة في مصر كلها آنذاك، وموعد المولد في الجمعة الثالثة من شهر يوليو/ تموز، وكانت القبائل قديما حريصة على حضور المولد، فتتوافد من شرق البلاد وغربها ويصطحبون نساءهم وأطفالهم الذين يتغنون بالمولد وببركة العوام، فهذه المناسبة عزيزة عليهم فهي بمثابة فسحة ينتظرونها من العام للعام كما تحمل الأسر الذبائح التي تذبح عند الضريح فيأكلون منها ويتهادون ويتصدقون على المساكين .
ومن الأغاني الجميلة، التي كانوا يرددونها أثناء قدومهم إلى المدينة، حيث مولد سيدي العوام أحدها تقول "يا سيدي العوام العالي لا تشمت فينا والي"، والأخرى كانت تقول كلماتها "مشينا وجينا سالمين وحمدنا رب العالمين"، فيما يأتي الكثيرون إلى الضريح هامسًين وراجين أن تتحقق أحلامهم، بينما يقتطع آخرون قطعة قماش ملفوفة حول الضريح بلونها الأخضر الزاهي، ليقطعها عند عودته على أحبائه ليتبركوا بها، بينما يقوم آخر بأخذ حفنة من تراب الضريح، ليتبرك بها بعد عودته إلى دياره .
ومدة المولد 3 أيام تستغلها الأسر البدوية في التلاقي والتعارف وتوثيق العلاقات التي أضعفها بعد المسافات داخل الصحاري والنجوع، كما أنها تمنح الفتاة البدوية التي تمنعها العادات والتقاليد في الظهور والاختلاط الفرصة لاختيارها كعروس لأحد شباب أسرة أخرى تجاورهم في الخيام التي يقيمونها لمبيتهم طوال فترة المولد، وبالتالي تكثر مناسبات الزواج وعقود القران، وكذلك حفلات الختان للفتيان فقط، وتقام فيه مسابقات الفروسية والخيل بين القبائل، وتوزع الحلوى والنقود المعدنية على الأطفال، وبانتهاء المولد تشد كل الأسر رحالها إلى نجوعهم وديارهم على أمل اللقاء العام المقبل بعد تكوين صداقات وعلاقات تزاوج جديدة .
وقد أخذت هذه العادات والظواهر والمعتقدات، منذ ما يقرب من عشرين عامًا في الاندثار تدريجيًا نظرًا لظهور المد السلفي، الذي دعا بقوة إلى عدم الاعتقاد بتلك الأمور التي تؤدي إلى الشرك بالله .
أرسل تعليقك