تزايدت فرقُ الشركات التي أصبحت تشكل النسبة الأكبر بين فرق الدوري الممتاز في مصر، على حساب الأندية الشعبية ذات الثراء الجماهيري والنقص في التمويل، وهو ما يجعل هذه الأخيرة في موقف صعب لعدم قدرتها على عقد صفقات قوية، ويثير جدلا واسعا حول مدى قدرتها على الاستمرار. زاحم نادي "فاركو" الرياضي التابع لشركة أدوية مصرية تحمل الاسم نفسه نادييْ الأهلي والزمالك الأكثر جماهيرية في مصر على جميع الصفقات في موسم الانتقالات الصيفية، وذهبت إدارة النادي بعيدًا بتقديم عرض شراء للبرازيلي المخضرم داني الفيش لاعب برشلونة السابق. وأثار “فاركو”، الذي صعد إلى الدوري الممتاز أخيراً بصحبة نادييْ "كوكاكولا" و"الشرقية للدخان" المملوكين أيضا لشركتين ضخمتيْن، الجدل حول صفقاته التي حملت دلالات حول مدى انعكاس تزايد فرق الشركات على حساب الأندية الشعبية ذات الثراء الجماهيري والنقص في التمويل.
واستطاع نادي “فاركو” الذي تأسس منذ حوالي عشر سنوات في محافظة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط أن يحقق شهرة كبيرة قبل أن يركل لاعبوه كرة واحدة في دوري الأضواء، فالصحف اللاتينية كانت تتساءل عن النادي المصري المغمور الذي يريد اجتذاب لاعبين من الأرجنتين والبرازيل. يضم الدوري حاليًا أندية شركات قوية مثل فرق: بتروجت وإنبي، وهما تابعان لقطاع البترول المصري والبنك الأهلي وهو من أكبر البنوك المصرية، والمقاولون العرب التابع للشركة العملاقة في البناء وتحمل الاسم ذاته، ومصر المقاصة التابع لشركة خدمات مالية غير مصرفية، والمحلة التابع لشركة متخصصة في الغزل والنسيج. هذا علاوة على الجونة التابع لرجل الأعمال سميح ساويرس وهناك قرية سياحية تحمل اسمه، وسيراميكا كليوباترا الذي يملكه رجل الأعمال محمد أبوالعينين، بينما هبط “وادي دجلة” الذي يملكه رجل الأعمال ماجد سامي الذي يعمل في مجال العقارات إلى دوري الدرجة الثانية.
وانضم إلى القائمة السابقة في الموسم الجديد "كوكاكولا" التابع لشركة المشروبات الغازية الشهيرة والذي اشترته شركة "فيوتشر" للاستثمار والتسويق الرياضي المصرية، وفريق “الشرقية للدخان” التابع لشركة متخصصة في صناعة السجائر والتبغ في السوق المحلية، والمصنفة ضمن أقوى 100 شركة في الشرق الأوسط. تضم بطولة الدوري المصري في الموسم الجديد 11 ناديًا، وهي أندية مملوكة لشركات من أصل 18 فريقًا يخوض المسابقة، وأصبحت الأندية الشعبية في موقف صعب لعدم قدرتها على عقد صفقات قوية.
ويعتبر لاعبون سابقون في كرة القدم أن ظهور أندية الشركات سوف يكون من أسباب تراجع الأندية الشعبية وجماهيرية الدوري المحلي، لأنها غير قادرة على الاستمرار بسبب ارتفاع أسعار اللاعبين والمدربين الذين تتلقفهم الأندية ذات الملاءة المالية. قال لاعب الزمالك المصري أحمد صالح لـ”العرب” إن “أندية الشركات تمتلك الأموال وتستطيع شراء اللاعبين بأسعار مرتفعة والمنافسة بقوة في البطولات المحلية، على عكس الأندية الجماهيرية التي أصبحت مظلومة وتعاني من أزمات مالية خانقة تهدد استمرارها في دوري الأضواء”. لم يستطع نادي أسوان في الموسم المنقضي الاستمرار تحت الأضواء فهبط إلى الدرجة الثانية، وكان الإسماعيلي الأكثر شعبية في منطقة قناة السويس قاب قوسين أو أدنى من المصير ذاته بعدما احتل مركزا متأخرا في ترتيب الدوري المحلي.
وأخفق الإسماعيلي في عقد صفقات قوية للموسم الجديد تساعده على المنافسة واكتفى باستقطاب محمد عبدالمنصف حارس المرمى الذي يتخطى عمره 44 عامًا ومجموعة أسماء مغمورة، والأدهى أنه باع قائمة من أفضل لاعبيه من أجل توفير موارد يجابه بها أزماته المالية. حتى دوري الدرجة الثانية الذي يحمل لقب "المظاليم" يشهد تراجعًا حادا للأندية الشعبية مقابل صعود “أندية المال”؛ فـفريق طنطا الجماهيري الذي كان نشطًا في الدوري الممتاز قبل عامين التحق الموسم الأخير بأندية الدرجة الثالثة المسماة “الحرافيش”، مع عجزه عن توفير مدرب جيد. كما تعجز أندية مثل المنصورة ودمنهور وبلدية المحلة وجمهورية شبين -وكلها ممثلة لمدن كبرى- عن الصعود منذ خمس سنوات أيضًا. يرى بعض اللاعبين السابقين أن المشكلة انتقلت إلى تشكيل المنتخب الوطني المصري، ففي تسعينات القرن الماضي كان أمام المدير الفني عدد كبير من الأندية الشعبية التي تكتشف النجوم المجهولة وتمنحها الفرصة، أما حاليًا فأصبحت الشركات تعمل على استقطاب الأسماء الجاهزة من الخارج والداخل ولا تبالي بإيجاد قطاع من الناشئين أو رعاية المواهب الشابة، والبعض من هذه الشركات تشتري لاعبين لا تحتاج إليهم لحرمان المنافسين من خدماتهم.
يمكن اعتبار محمد ناجي جدو، لاعب الاتحاد السكندري السابق، أنموذجًا من المواهب التي أفرزتها الأندية الشعبية بعدما اكتشفه المدير الفني للمنتخب المصري سابقا حسن شحاتة، وأشركه في منافسات البطولات الأفريقية ليصبح من أكثر هدافي المنتخب المصري، ثم انضم إلى النادي الأهلي وحصد معه بطولات محلية وقارية. طالب محمد سراج الدين، عضو مجلس إدارة الأهلي، في منشور عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بتكوين دوري خاص بالشركات ومنع تسجيلها في دوريات الترقي، على أن تمثل الأندية الشعبية مدنا ومحافظات لها جمهور عكس بعض الشركات التي تعتبر الكرة جزءًا من خططها الدعائية والتسويقية. ورغم احتلال فريق البنك الأهلي، أكبر البنوك الحكومية بمصر، المرتبة الأخيرة في الدوري المصري الموسم الماضي حرصت إدارته على تكريم الفريق وجميع لاعبيه وجهازه الفني واعتبرت بقاءه في الدوري إنجازاً رغم المبالغ التي تم ضخها لشراء لاعبين من أندية أقدم في المسابقة.
وتسبب غزْو فرق الشركات للدوري المحلي في فقدان بعض الأندية الشعبية مورداً للتمويل يتمثل في عقود الرعاية أو تمويل البعض من رجال الأعمال لتطوير بنيتها التحتية بما يناسب المعايير الدولية، مثل “ستاندرد تشارتر” الذي يرعى نادي ليفربول الإنجليزي و”جاز بروم” راعية فريق شالكه الألماني. وأصبحت الأندية الشعبية مُطالبة بتدارك الموقف والبحث عن سبل لتنمية الموارد المالية لأن كرة القدم باتت صناعة مربحة ذات استثمار مضمون. ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك نادي سموحة الذي يتولى إدارته رجل الأعمال فرج عامر، فقد استطاع أن يتحول إلى محطة لبعض اللاعبين حيث يقوم بشراء المجهولين منهم وتلميعهم وإعادة بيعهم لأندية كبيرة بالملايين من الجنيهات.
وأكد لاعب النادي الأهلي السابق أحمد بلال أن كرة القدم تحتاج إلى إمكانيات مالية أو فنية، وكلاهما يضمن استمرار النادي؛ فبعض الأندية الغنية تقوم بشراء اللاعب الجاهز صاحب السعر المرتفع، وأخرى يمكنها المنافسة عبر اكتشاف المواهب القوية وتقديمها. وأضاف بلال لـ”العرب” أن “المشكلة التي تواجه الأندية الجماهيرية هي غياب العيون القناصة التي تستطيع اكتشاف المواهب المغمورة من الأندية في الدوريات الأقل والدفع بها للنجومية وإعادة بيعها”، وضرب مثلاً الإسماعيلي الذي اعتمد طوال تاريخه على اللاعبين كمورد مالي قبل أن يتخلي عن ذلك الدور فوقع في أزمة مالية حاليا، ولم تعد لديه موارد ولاعبون يمكن تسويقهم بمبالغ ضخمة تكفي لتغطية أنشطته.
ولجأ غزل المحلة -الذي يمثل شركة قديمة في النسيج وله قاعدة جماهيرية في منطقة الدلتا شمال القاهرة- إلى البحث عن موارد عبر فصل نشاطه الكروي عن الشركة الأم والسعي لطرح الكيان الجديد في البورصة المصرية، وذلك في اكتتاب مفتوح أمام الراغبين في حمل أسهمه. وأوضح الناقد الرياضي راجح ممدوح أن وجود أندية الشركات داخل المسابقة المحلية يزيد المنافسة ويوفر فرقا قادرة على مزاحمة الأهلي والزمالك في البطولات المحلية، لأن الشركات تعتبر كرة القدم حاليًا مشروعا استثماريا عن طريق شراء وبيع اللاعبين وتسويقهم للدوريات. ونجح “فاركو” في ضم اللاعبين عزمي غومة وكينجسلي سوكاري من الصفاقسي التونسي ومحمد فؤاد من العين الإماراتي ورزقي حمرون من شبيبة القبائل الجزائري، واضطر فريق المريخ السوداني لتهديده باللجوء إلى الفيفا لمنعه من مطاردة لاعبه سيف تيري. وأشار ممدوح لـ”العرب” إلى أن أندية الشركات عندما ظهرت في الدوري الممتاز المصري لكرة القدم للمرة الأولى ظن الجميع أن الأندية الجماهيرية سوف تبتعد، لكن المسابقة مازالت تضم الفئتين معًا، والفرق التي تصعد وتهبط أيضًا تضم أندية شعبية واستثمارية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الزمالك يفوز على الاتحاد السكندري ويتصدر الدوري الممتاز مؤقتًا
اتحاد الكرة المصري يعلن استئناف الدوري الممتاز الأربعاء المقبل
أرسل تعليقك