تتفوق الإضاءة في المشهد الزخرفي على كل العناصر، ليس فقط من حيث قيمها الجمالية والوظيفية، وإنما من خلال دورها العابر للعناصر.
والإضاءة في الديكور هي أصل كل هذه المقومات، وهي نفسها تهيمن على المشهد، وتدعم مكوناته وتمنح عناصره أسرارها، ولعل اللافت في الأمر أن الإضاءة هي نفسها، في لحظة ما، تتحول بكل أشكالها وخطوطها وألوانها وتفاصيلها إلى اللاعب الرئيسي في المساحات، لتضفي على طبائعها مسحة من الرومانسية حينًا، ومن الغموض حينًا آخر، وفي كل الأحيان تنشر الوضوح بكل تجلياته.
ويُعدّ مزج الإضاءة مع الديكور، من وجهة النظر المهنية ارتباطًا غير قابل للانفصال. فثمة حالة تبادلية يصعب ترسيم حدودها. ففي حين أن الإضاءة تتيح للمشهد ولادات غير محدودة لمظاهر حسية نادرة، نجد أن المشهد نفسه وبطريقة غرائبية يمنح الإضاءة شرعيتها وبهاءها. ودمج الضوء مع المادة والشكل واللون، يجعل كل العناصر تكتسب قيمها وتجدد أبعادها وتضخ في المكان رؤى جديدة تتجاوز المألوف.
ولعل المستويات المتقدمة التي وصل إليها التعامل مع الإضاءة، كمبتكرات وتصاميم واستثمار، تجعل منها عاملًا حاسمًا في الحالة الإبداعية. فهي لا تتوافر فقط كعناصر إضاءة حصرية، بل تقدم منتجات فريدة تعكس الجهود المبذولة في هذا المجال، من جانب صناعيين لا يتوانون عن خوض كل المغامرات التي تقترحها مخيلة المصممين والمبتكرين بكل فئاتهم ومراتبهم.
وبالرغم من أهمية الإضاءة في الديكور، إلا أن التركيز على مصادرها يعكس جمالها وأناقتها في المكان، وهنا لا بد من الأخذ في الحسبان، إلى جانب المصدر الصناعي، الكهرباء تحديدًا، المصدر الطبيعي والذي يتوافر من خلال الأبواب والنوافذ والفتحات الأخرى، أكانت مُسندة بالزجاج أم مفتوحة بشكل دائم من خلال الهياكل الهندسية.
وبدأ المعماريون، إلى جانب مهندسي الديكور، يصرفون اهتمامًا لافتًا في استنباط الأفكار الجديدة من أجل هياكل هندسية تتحلّى باقتصاد واضح في مواد البناء من خلال نوافذ وواجهات زجاجية بالغة الاتساع، إلى جانب إلغاء الكثير من الجدران والفواصل الداخلية والتي تشكل عبئًا ماديًا وحواجز مصطنعة تحجب الضوء المتسلل عبر النوافذ والواجهات، وتؤثر أيضًا في نمط الحياة الداخلية وشروطها الصحية. والإضاءة الطبيعية إلى جانب الوفر الاقتصادي الذي تؤمنه، نجد أنها تراعي الشروط البيئية والتي تعتبر توفير الطاقة أحد أهم متطلباتها. وفي الواقع أن النوافذ الكبيرة والواجهات، إضافة إلى ما تقدمه كمصدر مميز للإضاءة الطبيعية، فهي تسمح من ناحية أخرى بدعوة الطبيعة بكل عناصرها إلى الداخل، مما يضيف إلى مواصفات الحياة داخل المنازل والشقق مراتب جديدة.
أما الإضاءة الاصطناعية، فإن مروحة عناصرها تتسع وتتنوع باتساع وتنوع الرغبات والاحتياجات. بالطبع تأتي الكهرباء على رأس القائمة، والمنتجات من عناصر الإضاءة الكهربائية تتوافر في الأسواق المختصة بأشكال وألوان وخطوط لا يمكن حصرها، كما أنها تتناغم مع كل الطرز والأساليب الزخرفية. وسنجد التصميمات المختلفة، تتراوح بين الكلاسيكية والحداثة. وبين هذه وتلك مبتكرات تنطلق من العادي التقليدي لتصل إلى الطليعي الصادم. ولا شك في أن التقدم الصناعي الذي نشهده اليوم، أغنى مخيلة المصممين والمبتكرين بمساحات جديدة وإمكانيات تنفيذ بالغة التكلف والتعقيد، أتاحت لهم الذهاب بعيدًا في مجال التصميم.
وهذه الإمكانيات لم تقتصر على التصميمات البارعة، بل استثمرت المواد الطبيعية والاصطناعية. فلم تعد ثمة حدود للاستعانة بكل ما تتيحه الطبيعة من مواد تتوزع بين الأحجار بحالتها البدائية، مرورًا بالمعادن على أنواعها ووصولًا إلى الجلود والأخشاب بكل تصنيفاتها، ومع هذه اللائحة، يأتي المزج بين المواد في تشكيلات عناصر الإضاءة الكهربائية ليفتح أفاقًا جديدة. لذا نجد أن عناصر الإضاءة الكهربائية تعدّت وظيفتها الأصلية وأصبحت تشارك، من خلال تصاميمها، في صلب تكوين المشهد الزخرفي كعناصر جمالية بالغة الجاذبية والطواعية والالتزام. فهي في أحيان كثيرة تتصدر المشهد، ويعكس حضورها فيه حرفية باهرة تجعل منها حلية مرصعة على صدر المكان تتوهج بالنور وتشع بالبريق الأخاذ.
وينبغي ألا ينسينا هذا الأمر مصادر إضاءة داخلية لا تقل روعة وجمالًا، ونعني بذلك الشموع على أنواعها. وتوسعت صناعة الشموع كثيرًا بعدما أصبحت عنصرًا لا غنى عنه في المشهد الداخلي، ويضفي أجواء من الرومانسية تندر حيازتها بوسائل أخرى. فهي تطل هنا لرعاية الاحتفالات الخاصة والسهرات الحميمة. وسنجد منها الألوان والأشكال والأحجام التي تلبي كل الرغبات وتلائم كل الأذواق وتناسب كل المناسبات، بخطوطها المتنوعة، المحلاّة بمظاهر باذخة، ناعمة، وغامضة أيضًا، تشكل الوصفة السحرية لإنتاج أجواء لا مثيل لها تتناغم مع تفاصيل الديكور في كل مكان وزمان، ولن ننسى المدافئ التي أصبحت منتشرة في المنازل والشقق، فهي إلى جانب وظيفتها الأساسية في تأمين الحرارة والدفء، نجد أن بعض التصميمات منها يلعب دورًا هامًا في تأمين إضاءة نوعية لمواقف محددة.
والواقع أن الحديث عن التأثيرات الجمالية التي تقدمها الإضاءة لن ينتهي أبدًا، خصوصًا أن طبيعة الحياة المعاصرة تتطلب اليوم جهودًا مضاعفة من أجل الحصول على اختلاف جذري بين الحياة العملية في الخارج، والحياة العائلية في الداخل، وهو أمر توفره الإضاءة بامتياز ولا يتوافر لغيرها من أدوات المشهد الزخرفي وعناصره ومستلزماته. فالخيارات لا حدود لها، والمهم هنا أن نحاول تجنب المبالغة، ونحدد الاختيارات تبعًا للحاجة وبما يتناغم مع الأجواء التي نريدها. نريد إضاءة مباشرة أم غير مباشرة؟ إضاءة ظاهرة أم مخفية؟ إضاءة ساطعة أم معتدلة؟ ملونة أم عادية؟ نريدها معلقة في السقف أو على الجدران، أم في الزوايا والأرضيات، أم مدمجة مع بعض قطع الأثاث؟ كلها أسئلة جوهرية ينبغي أن نجيب عنها تبعًا لمقتضيات الضرورة الجمالية والوظيفية، وبالتأكيد تبعًا لطبيعة المكان والمساحة وتصنيفاتهما.
فإضاءة المطبخ أو إضاءة غرفة النوم أو إضاءة الصالون أو غرفة الطعام أو غرفة الأطفال وصولًا إلى صالة الحمام، وغيرها من المساحات في المنزل أو الشقة، لا بد من أن تراعي الوظائف المرعية لهذه المساحات. وتوفر بالتالي دعمًا لوجستيًا لمشغلي هذه المساحات والأمكنة وشاغليها، إضافة إلى عامل الأمان الذي ينبغي أن يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام أصحاب العلاقة والمهتمين.
أرسل تعليقك