صيدا - مصر اليوم
استطاعت مدينة صيدا في جنوب لبنان أن تحوّل أزمتها مع النفايات، التي شوّهت واجهة المدينة البحرية وسمعتها لأكثر من 30 عاماً، إلى فرصة اقتصادية ونموذج يحتذى حيث حولت نفاياتها إلى مطمر صحي وحديقة، بعد فرزها واستخلاص المواد النافعة منها وإعادة تدويرها بشكل كامل، دون الحاجة إلى طمر أي جزء منها. منذ نحو 10 شهور، يعيش لبنان – وتحديداً بيروت ومحافظة جبل لبنان- أزمة غير مسبوقة لتراكم للنفايات بسبب غياب الشفافية في إلزام شركات جديدة لجمع ومعالجة النفايات، وسط احتجاجات وتظاهرات شعبية يقودها المجتمع المدني، بلغت ذروتها بمشاركة عشرات الآلاف أواخر الصيف الماضي.
وفي زيارة للمدينة، والحديقة البحرية التي أقيمت على جزء من جبل النفايات القديم، والتي افتتحت رسمياً أواخر نيسان، يبرز للزائر بشكل خاص معمل معالجة النفايات القريب من الحديقة، وهو مكون من مبنيين دائريين، لا تنبعث منهما روائح كريهة، باستثناء مناطق الفرز وإعادة التصنيع. ويشغّل المصنع نحو 200 عامل يقومون بفرز ومعالجة نحو 250 طناً من النفايات يومياً.
وقال رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي، أن "موضوع إزالة جبل النفايات كان ضمن برنامج محدد ومدروس.. هذا الجبل ظهر وتضخم نتيجة تراكم نفايات مدينة صيدا و15 قرية في شرقها، أو ما نسميه اتحاد بلديات صيدا – الزهراني ويشمل 16 بلدية. نفايات هذه المناطق نفسها هي التي يقوم معمل االنفايات اليوم بمعالجتها وإعادة تدويرها".
وأضاف السعودي "استطعنا تحويل المشكلة إلى فرصة…استطعنا بداية أن نؤمن معمل المعالجة (للنفايات) وهو يكاد يكون الوحيد من نوعه في لبنان في الوقت الحاضر". وتابع "الحل الذي اُعتمد في صيدا هو نموذج يجب أن يُعمم على جميع المناطق، ومعمل معالجة النفايات في صيدا يستطيع معالجة 500 طن من النفايات يوميا، وهو يعمل حالياً بنصف قدرته، أي أنه فعلياً قادر على معالجة نفايات صيدا – الزهراني بالإضافة إلى منطقة إقليم الخروب".
وينتج لبنان 7000 طن من النفايات يومياً، قسم كبير منها منشأه بيروت وضواحيها. وتدفع بلدية صيدا مقابل كل طن تجري معالجته 95 دولاراً أمريكياً، وهي كلفة لا تقارن بالتي كانت مقترحة لترحيل النفايات من لبنان، أو لدفعها لشركات تقوم بجمع القمامة وطمرها في مناطق متفرقة من البلاد، والتي راوحت بين 150 – 200 دولار أميركي للطن الواحد. وبلغت كلفة مشروع تحويل جبل نفايات صيدا إلى مطمر وحديقة وإنشاء حاجز بحري، نحو 50 مليون دولار، مولت نصفها الحكومة اللبنانية من خلال وزارة البيئة، والنصف الآخر ممول من جهات عربية.
من جهته قال نبيل زنتوت، المدير العام لمعمل معالجة النفايات "هذا هو المعمل الوحيد الموجود في لبنان بل وفي الشرق الأوسط الذي يعمل بهذه التقنية من الفرز والمعالجة"، في إشارة إلى ما يعرف بـ "المعالجة اللاهوائية أو البيولوجية". وأوضح أن المعمل يقوم حاليا بإعادة تدوير كل النفايات التي يقوم بفرزها للاستفادة منها "وبات قادراً على إنتاج أحجار للبناء والكرتون الذي يجري بيعه إلى أصحاب المعامل للاستفادة منه، وكذلك القليل من الحديد والمعادن التي يشتريها تجار مختصون".
وأشار إلى أن "كل المواد العضوية الموجودة في النفايات يتم إدخالها إلى الخزانات وتتحول نسبة 85 في المئة منها إلى غاز الميثان الذي نستخدمه لتوليد طاقة حرارية وكهربائية تبلغ 2000 كيلو واط/الساعة (نحو 4000 أمبير/الساعة) وطاقة مماثلة من الحرارة تستخدم لتوليد الكهرباء الكافية لتشغيل المعمل كله". وأضاف "نعيد معالجة كل النفايات البلاستيكية ويعاد تدويرها على شكل حبيبات بلاستيكية ونصدر غالبية المنتج إلى بلدان إفريقيا". ووفق زنتوت، فإن المعمل ينتج حالياً "10 أطنان يومياً من السماد العضوي من دون رائحة، يتم توزيعه مجاناً على المزارعين ويستخدم كمحسّن للتربة". وأضاف "وزعنا هذا السماد حتى الآن على 50 مزارعاً والنتائج مرضية بالنسبة لهم".
يقول البعض أن هناك عوائق تمنع تعميم هذه التجربة القائمة على التعاون بين القطاع العام ممثلاً بالبلديات والقطاع الخاص كمعمل معالجة النفايات في صيدا. يذكر ان الحكومة اللبنانية قررت الشهر الماضي تخصيص ثلاثة مطامر صحية لفرز النفايات ومعالجتها، بعد تخليها عن العقد الذي كانت وقعته مع شركة "شينوك" وكلفتها بموجبه بترحيل النفايات إلى روسيا مقابل 200 دولار أميركي للطن. واتضح لاحقاً أن الأوراق التي قدمتها الشركة وزعمت فيها موافقة الحكومة الروسية على استقبال النفايات اللبنانية كانت مزوّرة، ما استدعى إلغاء العقد.
أرسل تعليقك