الأقصر ـ محمد العديسي
تقطن سعدية علي خليفة (68 عامًا) قرية الرزيقات بحري جنوب غربي الأقصر، في بيت لا يتعدى 30 مترًا بتفاصيله المحزنة التي تطغى على المكان، الذي تجمدت فيه ساعات الزمن، فالبيت يخلو من أية مقومات للحياة البسيطة.
زارت "مصر اليوم" سعدية في منزلها، وسألتها فقالت "أعول أسرة تتكون من 15 فردًا، ثلاث فتيات منهن مطلقات، وأطفالهم، وأعيش على معاش حكومي لا يتعدى مائة جنيه، لا يكفي بضعة أيام في ظل ظروف البلد الصعبة والغلاء الفاحش، وفى كثير من الأحيان لا أجد خبزًا لأحفادي، أو ملبسًا يقيهم زمهرير الشتاء، أو لهيب الصيف، في حين ملئت جيوب وأرصدة رجال الأعمال والأعيان في المحافظة بملايين الجنيهات من تجارة الآثار، ويكاد المنزل يهدم على أسرتي لسبب قدمه وسوء حالته، لذلك عندما يأتي المساء أفرش أمام المنزل وأنام أنا وأحفادي الصغار خوفًا من انهيار المنزل على رؤوسنا.
وتضيف سعدية "تركني زوجي منذ أكثر من 22 عامًا دون أي دخل أصرف به على أطفالي الصغار، حينذاك، ونجحت بفعل مساعدة أهل الخير في استخراج معاش شهري بـ 92 جنيهًا، ولكن عندما كبر أبنائي أصبحت المهمة صعبة وشاقة للغاية، فالمعاش لم يعد يكفينا، رغم أن لدي ابنًا يعمل لدى الأهالي في الزراعات وأعمال البناء على فترات متباعدة، بيومية لا تتعدى 15 جنيهًا، لا تكفي لشراء خضار وخبز للأطفال.
وتؤكد سعدية أن "الأزمة التي تنغص حياتي هو الفقر الذي يحالفنا دائمًا، وليس هناك أزمات أخرى حيث إننا لا نشعر بأزمة الأنابيب لأننا لا نملك بوتاجازًا، وأكتفي أنا وأحفادي بجمع الحطب من على المصارف والترع لتسوية الطعام تارة وللتدفئة تارة أخرى، كما أن فاتورة الكهرباء ضئيلة والحمد لله، لأن المنزل يخلو من أية أجهزة كهربائية أو أثاث.
وتؤكد سعدية أنها "ذهبت إلى الشؤون الاجتماعية، وقدمت جميع الأوراق المطلوبة للحصول على مسكن مناسب يؤويني وأسرتي في مساكن الإيواء إلا أن هناك تعنتًا متعمدًا من المسؤولين الذين يطالبوننا بدفع نقود مقابل تسير الإجراءات، في حين أنني لا أملك قوت يومي فمن أين آتي لهم بنقود تكفي طمعهم وجشعهم، ومنذ عامين نجحت في توقيع تأشيرة من المحافظ لاستلام شقة في مساكن الإيواء، إلا أن رئيس الوحدة المحلية في قرية الرزيقات بحري رفض تسليمي الشقة بحجة أنني لا أستحق، وأني لست من المتضررين، رغم أنني قمت بعمل 15 بحثًا اجتماعيًا يؤكد أني لا أملك أي دخل أو أراضٍ أو وظيفة، وأن دخلي لا يتعدى المائة جنيه شهريًا، إلا أن مسؤولي الوحدة المحلية يصرون على أن نموت تحت بيت يمكن أن ينهار علينا في أية لحظة".
وتطالب سعدية محافظ الأقصر، الدكتور عزت سعد، بالنظر إليها بعين العطف والرحمة، بعد أن فقدت الأمل في مسؤولي المجالس المحلية الذين يتعنتون معي، ويطالبونني بنقود مقابل السير في إجراءات تسليم بيت في مساكن الإيواء والمتضررين، في حين أنهم يعطون هذه المساكن لأسر حالتهم المادية جيدة، ويعملون في مراكز مرموقة.
يذكر أن التباين يبدو واضحًا على بعد كيلومترات قليلة من معبد أرمنت التاريخي جنوب الأقصر، وفى بلد السياحة والآثار والفنادق الفارهة، فالفقر المدقع يكاد يطلع بوجهه، ويخرج لسانه للفقراء الذين استبدلوا البوتاجاز بالكانون، والثلاجة بالمعلاقة، وحديد التسليح بالفلق، وجريد النخيل، ولم يتركهم النمل الأبيض أو "القرضة" كما يطلق عليها أهل الصعيد، التي قضت على الأخضر واليابس في نجوع الأقصر.
أرسل تعليقك