إستوكهولم ـ منى المصري
بتكرت السويد قوانين تجرم عملاء تجارة الجنس الذين يقبضون المال في مقابل جلب النساء لممارسة الجنس وليس العاهرات، وكانت النتيجة انخفاضًا بنسبة 70 في المائة في تجارة الجنس، تسبب قرار السويد، والذي عكس أعرافًا امتدت لقرون بشأن الدعارة، في دهشة الكثير من الأوروبيين، وبينما انتشرت الكثير من الحجج في أماكن أخرى بشأن ما إذا كان ينبغي أن تكون الدعارة أمرًا شرعيًا، كانت فكرة الحكومة السويدية بسيطة وجديدة ومثيرة للجدل، حيث يتم القبض على الأشخاص الخطأ.
ونشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرًا عن الموضوع لكاتبها جوان سميث، الذي تحاور مع المحقق السويدي سايمون هاغستروم والمقرر المحلي في السويد بشأن الاتجار في البشر المحققة كايسا البيرغ.
وأكد كاتب الصحيفة البريطانية أنه استقل سيارة مع الشرطة المحلية في إستوكهولم، لمعرفة كيفية تعامل السويديين مع هذه الجريمة، وإذا كان من الممكن لبريطانيا أن تحذو حذوها أم لا.
وقال سميث "جلست في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة التي لا تحمل علامات في جزيرة Skeppsholmen الصغيرة، إلى الشرق من مدينة ستوكهولم القديمة الخلابة. كان فوقنا متحف الفن الحديث في المدينة، ولكن كانت تلك ليلة مظلمة من ليالي شباط/ فبراير ونحن لسنا هنا لنقدر الثقافة. وقال المحقق الذي يجلس في المقعد الأمامي: "إنهم يقفون هناك"، لافتًا إلى موقف للسيارات في أعلى التل. وأضاف "إننا ننتظر بضع دقائق، وبعد ذلك نقفز لنصعد التل، ونفتح الأبواب".
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن ما يحدث بعد ذلك هو مثال حي على طريقة تعامل القانون السويدي في حظر ممارسة الجنس من الناحية العملية. تم إلقاء القبض على سائق السيارة، الذي جلب العاهرة إلى الجزيرة لممارسة الجنس على الفور، وقدم له خيار: الاعتراف بالجريمة ودفع الغرامة، وهي تحدد على أساس الدخل، أو الذهاب إلى المحكمة والمخاطرة بالحكم. أما السيدة التي لم تخترق أي قانون، يمكن مساعدتها من الخدمات الاجتماعية إذا أرادت أن تترك الدعارة. خلاف ذلك، يتم إطلاق سراحها.
وقال المحقق سايمون هاغستروم وهو شاب أسود، حليق الرأس، ويرتدي جينز فضفاضًا يشير إلى أنه موسيقي وليس شرطيًا. لكنه المسؤول عن وحدة الآداب "البغاء" في شرطة مقاطعة ستوكهولم، وهو فخور بإلقاء القبض على أكثر من 600 رجل من الخارجين على القانون "تعتبر جريمة ممارسة الجنس مقابل المال من أكثر الجرائم المخزية التي يمكن أن تتهم بها"، مضيفًا "لقد اعتقلت الكثير، من مدمني المخدرات إلى السياسيين. حتى إنني اعتقلت كاهنًا ذات مرة وقال لي "لقد دمرت حياتي". قلت له "أنا لم أدمر حياتك. أنت الذي دمرها".
تسبب قرار السويد، والذي عكس أعرافًا امتدت لقرون بشأن الدعارة، عن طريق تجريم الرجال مقابل دفعهم المال للحصول على الجنس، في دهشة الجميع عندما دخل القانون حيز التنفيذ في العام 1999. كان المخبر المشرف هي كايسا البيرغ، وهي المقرر المحلي في السويد بشأن الاتجار في البشر. عندما التقيتها في مكتبها في إستوكهولم، تذكرت أن أحد ضباط الشرطة من بلد أخرى اتهم فعلاً السويديين بممارسة "أساليب النازية". كانت البيرغ تقر بأن الكثير من الضباط السويديين كانوا متشككين أيضًا. وقالت بسخرية وضحك "كان هناك إحباط وغضب داخل الشرطة وكأنهم يمضغون الليمون". لكن كل ذلك تغير بشكل كبير منذ دخول القانون حيز التنفيذ.
وقالت "التغيير الرئيسي أستطيع أن أراه عندما أنظر إلى الخلف لأجد الرجال بدلاً من النساء. المشكلة خاصة بنوع الجنس لأن الرجال يقومون بشراء النساء. وأحد هذه المفاتيح هو تدريب ضباط الشرطة. عندما يكون لديهم فهم للخلفية يحصلون على الصورة الصحيحة للموقف".
وتحدثت عن سبب عمل النساء في نهاية المطاف في الدعارة، نقلاً عن البحث الذي يظهر تاريخ الاعتداء الجنسي على الأطفال، وتضاعف المشاكل مع المخدرات والكحول، قائلة "إنهن ليس لديهن الثقة في أنفسهن، لقد تم إهمالهن، وهن يحاولن الحصول على جميع أنواع الاهتمام، وهذا ليس خيار امرأة راشدة". في العام 1990 قبلت الحكومة السويدية حجج الجماعات النسائية أن البغاء يشكل عائقًا أمام المساواة بين الجنسين، ويعتبر شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة.
وتابعت "لكن الأمر الرائع حقًا هو أن الرأي العام، والذي كان عدائيًا من ناحية هذا القانون في البداية، كان معاديًا، تأرجح بشأن وجهة النظر هذه الأيام، وقدر الدعم الشعبي للقانون بنسبة 70 في المائة".
وأضافت "لقد تغيرت عقلية السكان السويديين، وكان التغيير مرئيًا بين أقدم أعضاء الوحدة التي أعمل فيها".
وقال أحد أفراد الشرطة السرية، والذي كان ضابط شرطة لمدة 37 عامًا، إنه يتذكر ما حدث قبل 14 عامًا "عندما أصبح القانون في حيز التنفيذ، فقد كانت الشوارع خالية لمدة ستة أشهر". هذه الأيام، أصبح واحدًا من أكثر مؤيديها المتحمسين بعد أن شهد بنفسه كيف انخفض عدد النساء اللواتي يمارسن الجنس مقابل المال في شوارع ستوكهولم، حيث كان عدد السيدات اللوالتي يمارسن البغاء 70 أو 80 امرأة، في هذه الأيام أصبحن 5 أو 10 في الشتاء و 25 في الصيف. وهناك عدد قليل من النساء يعملن في شوارع مالمو وغوتنبرغ السويدية، ولكن الأرقام ليست مثل تلك التي نشاهدها في الدانمارك، حيث تم تجريم البغاء. وتعتبر الكثافة السكانية للدنمارك أكثر من نصف سكان السويد، ولكن أشارت دراسة إلى أن هناك أكثر من 1،400 سيدة تعملن في الجنس في شوارع الدنمارك.
أسهم القانون في إحداث تغييرات أخرى أيضًا. قبل العام 1999، كانت معظم النساء اللواتي يمارسن الدعارة في شوارع ستوكهولم سويديات. الآن جميع النساء من من دول البلطيق أو أفريقيا، وهن يبعن الهوى في بلدان أخرى أيضًا. وأضاف الشرطي أنهن أكثر عرضة للتعرض إلى العنف في البلدان التي تم فيها تقنين الدعارة.
وقال :"الرجال في السويد يريدون الجنس عن طريق الفم والجماع، لا شيء أكثر من ذلك، إنهم يعرفون أن عليهم أن يتصرفوا بحكمة أو قد يتم إلقاء القبض عليهم، وهم لا يريدون استخدام العنف".
وشار الكاتب البريطاني إلى أنها ملاحظة رائعة لأن أحد الانتقادات التي وجهت للقانون هو أن ذلك من شأنه أن يجعل من البغاء أكثر خطورة. وذكر أن جميع ضباط الشرطة السويدية الذين تحدث معهم في هذا الأمر أصروا على أنه كان أسطورة، بالإضافة إلى فكرة أن الدعارة ستتم في الخفاء.
وقال "إذا كان الرجل الذي يريد ممارسة الجنس سيجد الفتاه في فندق أو شقة، بالتأكيد تستطيع الشرطة أن تفعل ذلك".
وقالت "القوادون يجب أن يعلنوا أنفسهم، لذلك تم تدريب ضباط متخصصين في مراقبة الإنترنت، وتستطيع الشرطة أيضًا الوصول إلى الاتصالات الهاتفية، وذلك ساعد في جعل القوادين أقل اهتمامًا بالسوق السويدية. وفي إحدى حالات التنصت قال أحد القوادين إن السويد ليست جذابة لهذا المجال. وحتى لو لم يتم القبض عليهم، نحن نقبض على العملاء. لأنهم يحصلون على ذلك مقابل المال. بالنسبة إليّ، هذه ليست معادلة مفهومة".
ودعمت إحصاءات معدلات الجريمة السويدية حجتها. ففي العام 2011 ، أدين شخصان فقط بالاتجار في الجنس و 11 آخرىن لعملهم كقوادين. "وفي الوقت نفسه، أدين 450 رجلاً، وتم تغريمهم للحصول على الجنس مقابل المال، بما في ذلك عدد من السياح الأجانب". في العام الماضي كانت الأرقام أعلى قليلاً: حيث كان هناك ثلاثة إدانات لتجارة الجنس و32 جريمة ذات صلة. ولكن كان هناك 40 امرأة، معظمهن من رومانيا، لديهن الثقة الكافية في نظام العدالة الجنائية السويدية للشهادة ضد الرجال الذين قاموا باستغلالهن.
وتساءل كاتب "إندبندنت": هل ينجح القانون السويدي في بلدان أخرى؟ وأجاب: أقرت النروج وأيسلندا القوانين التي تحظر ممارسة الجنس مقابل المال، والمملكة المتحدة اتخذت خطوات مبدئية نحو تجريم العملاء، بل بالفعل أصبحت جريمة جنائية إذا قام أي شخص يقل عمره عن 18 سنة بممارسة الجنس مقابل المال، أو الكبار الذين يجري استغلالهم من قبل القوادين أو المهربين. ولكن كانت هناك إدانات قليلة، مما يدل على أن ضباط الشرطة البريطانية لا يُفصحون عن مواقف قوية مثل نظرائهم السويديين. اتفق هاغستروم مع البيرغ على أن التشريعات في حد ذاتها لا تكفي، يجب أن يكون لديك قوات تنفيذية من ضباط الشرطة الذين يقومون بالاعتقالات".
وأشار الصحافي البرسطاني إلى أنه في سيارة الشرطة، حدث شيء ما كشف المدى الكامل للتحول الفلسفي الذي أثر على الرجال والنساء في السويد. في أحد الشوارع المضاءة الزاهية، أشار هاغستروم إلى اثنتين من النساء الرومانيات اللواتي يعملن في الدعارة. اعتقدت أنهن في رحلة عبر الجسر مع شخص غريب لموقف للسيارات مهجورة في Skeppsholmen، وقال هاغستروم لي بهدوء "ممارسة الجنس ليست حقًا من حقوق الإنسان".
أرسل تعليقك