توقيت القاهرة المحلي 14:21:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأمهات العازبات في تونس حقوق مغيبة ومعاناة مستمرة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - الأمهات العازبات في تونس حقوق مغيبة ومعاناة مستمرة

تونس ـ وكالات

ما تزال الأمهات العازبات في تونس مغيبات اجتماعياً، ومأساة أطفالهن في ظل التقاليد أصبحت واقعاً مريراً يضطر هؤلاء لمواجهته، لاسيما مع تجاهل السلطات لتحديد مركز لهم في المجتمع بعيداً عن كونهم أطفالاً دون نسب.هي التجارب ذاتها تتكرر مع اختلاف بسيط في بعض التفاصيل، مقابل نهاية غالباً ما تكون مأساوية: نزوات فأخطاء فأطفال يدفعون الثمن، أو عملية اغتصاب تترك آثاراً نفسية عصية على النسيان أو جنيناً في الأحشاء غالباً ما يكون مجيئه إلى الحياة مصحوباً بالازدراء.ورغم تجاوزهن ألفاً وستمئة حالة سنوياً في تونس، إلا أن الأمهات العازبات ما يزلن مغيبات اجتماعياً، ومأساة أطفالهن في ظل الأعراف والتقاليد أصبحت واقعاً مريراً يضطر هؤلاء الأطفال لمواجهته، لاسيما وأن السلطات تتجاهل تحديد مركز لهم في المجتمع بعيداً عن كونهم أطفالا دون نسب.تقاذفت الحياة محمد هـ.، رغم أنه لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، من أحشاء أمّ اضطرت لتحدي التقاليد كي تمنحه الحياة، إلى مجتمع لا يتوانى على تذكيره في كل لحظة بأنه طفل مجهول النسب. ويقول محمد لـDW عربية: "أصدقائي يحبونني. لكنني رؤيتهم ينعمون برعاية آبائهم يمزقني ويعيدني دائماً إلى واقعي المرير الذي أريد محوه".قد يكون ألم فقدان الأب ثقيلاً على كاهل طفل لم تجمعه بوالده صورة واحدة، فمحمد هـ. يؤكد أنه كلما أراد تخيل وجه والده يعجز على ذلك، وهذا ما يبكيه لساعات. يتساءل هذا الطفل عن تلك الأسباب، "فكل الأطفال لا بد وأن جمعتهم صورة مع أبائهم"، حسب ما يقول. بين أم تتمزق بصمت لألم ابنها، وواقع يجبرها على إخفاء حقيقة وجود محمد عن والده، تشرح ليلى، والدة محمد، لـDW عربية: "أتمنى أن يتعرف ابني على والده. لكنني أجهل مكان الأب الآن ولن أتحمل ردة فعل ولدي إذا ما كشفت له الحقيقة". وتضيف ليلى بكل أسف أن هذا الخطأ كلفها حياتها، وأنها كلما رأت الحالات التي تعرضها بعض البرامج الاجتماعية، يزداد وضعها النفسي سوءاً، فهي "تفضل الموت" على أن تفضح ابنها، على حد تعبيرها. وبالإضافة إلى حرقة العيش بدون أب، تعتري محمد هـ. حيرة عن رؤية الصورة الحقيقية بأكملها. فبين يقينه بأن أباه لن يعود وبين عدم إيجاد أي تفصيل ولو صغير يخلد ذكراه، يعجز عقله اليافع عن إدراك أنه قُدّر له أن يطلق عليه اسم يتيم بدلاً من طفل مجهول النسب.وفي معرض الحديث عن هذا الموضوع الحساس، يعتبر الباحث في علم الاجتماع، طارق بلحاج محمد، أن أوضاع الأبناء تختلف حسب ظروف كل حالة، إلا أن القاسم المشترك بينهم هو المعاناة طويلة الأمد، إذ يعيش الأبناء الذين يتربون في كنف أمهاتهم فقط ضغوطاً نفسية واجتماعية أينما حلّوا: في العائلة الممتدة أو في الشارع أو المدرسة. ويختلف ذلك، بحسب بلحاج محمد، عن الأبناء المكفولين من قبل الدولة في مراكز إيواء، والذي يكون وضعهم أسوأ، ويجدون صعوبة كبرى في الاندماج الاجتماعي. وفي بعض الأحيان تصبح مأساتهم أبدية حتى لو كفلتهم بعض العائلات في إطار التبني. ويضيف الباحث التونسي في علم الاجتماع أن بعض أبناء الأمهات العازبات يُتركون من قبل أمهاتهم خوفاً من الفضيحة، مما يعرضهم للسقوط في شبكات الاتجار بالبشر المحلية والعالمية، ويصبحون سلعة تُباع لمن يريد، بغض النظر عن نواياه. ويقول طارق بلحاج محمد إن هناك فرقاً شاسعاً بين الرؤية القانونية لهؤلاء الأطفال ومكانتهم في المجتمع، إذ تعتبر تونس من الدول العربية والإسلامية والإفريقية الرائدة قانونياً في حماية الأمهات العازبات. فكل أم عزباء لها الحق في التمتع بخدمات الولادة في المستشفيات التونسية، بالإضافة إلى الحق في الاحتفاظ بابنها وكفالته وإسبال اسم عائلتها عليه. وإن تعذر عليها ذلك، فالدولة ملزمة بكفالة الطفل، فيما بات يُعرف باسم "أطفال بورقيبة"، نسبة إلى الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة. لكن في المقابل، تتحمل هذه الفئة نظرة عنصرية وإدانة من المجتمع، وهو أمر يفسره بلحاج محمد لـDW عربية بالقول: "هذا موروث ثقافي واجتماعي ورصيد قديم من الثقافة الرجولية الأبوية المحافظة. وهو مجتمع ينظر بازدراء وريبة إلى النساء الأرامل والمطلقات، ناهيك عن الأمهات العازبات"، وبالتالي تعاني الأم العزباء في تونس صنوفاً من القهر والإدانة والتحقير مهما علت مكانتها الاجتماعية، مما يخلف لديها آثاراً نفسية مدمرة. وبعد الثورة التونسية، اتخذت قضية الأمهات العازبات طابعاً سياسياً، إذ سبق وأن أثارت تصريحات سعاد عبد الرحيم، النائبة في المجلس التأسيسي عن حزب حركة النهضة الإسلامي، سخط المدافعين عن هذه الشريحة الاجتماعية، عندما استنكرت الدعوة إلى اعتماد تشريع يمنح المرأة حق الإنجاب خارج إطار الزواج ويوفر لها مساعدة اجتماعية أيضاً.ويشاطر هذا الرأي العديد من الإسلاميين في تونس، والذين يعتبرون الاعتراف بالأمهات العازبات وتأطيرهن قانونياً واجتماعياً يشكل "تشجيعاً لهن على الفاحشة والجنس"، في حين يرى الحقوقيون، على غرار الباحث طارق بلحاج محمد، أن الأمر لا يتعلق بالأخلاق والدين فقط، بل يجب أن يُناقش من منطلق حقوق الإنسان لا غير. فالأمهات العازبات "أخطأن وأنجبن أطفالاً اختارهم القدر ليولدوا خارج إطار الزواج، بالإضافة إلى أن الأمر أصبح واقعاً مفروضاً ولا بد من تقليص تداعياته على الأقل بتأطير هذه الشريحة قانونياً حتى يتمكن أطفالهن من إثبات نسبهم". وفي هذا الصدد، تعتبر جمعية "أمل" أهم الجمعيات المساندة للأمهات العازبات، وهي جمعية مستقلة تستقبل كل سنة خمسين أماً عزباء بصحبة أطفالها. وتهدف هذه الجمعية بالأساس إلى مقاومة ظاهرة نبذ الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، وتتبع طريق إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لمن يحتفظن بأطفالهن. كما تُعتبر جمعية "أمل" الوحيدة التي تتكفل بالأم والطفل معاً في نفس الوقت، وتتجه الأم بعد فترة الإقامة التي لا تتجاوز السنة إلى تحقيق شخصيتها الاجتماعية والاقتصادية والعيش بصحبة طفلها أو وسط عائلتها. وبجانب جمعية "أمل"، تسعى الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى المطالبة بحقوق الأمهات العازبات كاملة.هذا ويتفق العديد من الأفراد في المجتمع  على أن الحل هو التثقيف الجنسي داخل المعاهد واعتماد السياسات التوعوية من الجمعيات الرائدة في دراسة هذه الظاهرة، وتقديم دورات توعية للشباب لتمكينهم من استيعاب تداعيات هذا الخطأ. وتبقى أوضاع الأمهات العازبات بعد الثورة على ما هي عليه، في ظل عدم وجود نية لدراسة قانون يحمي هذه الشريحة، باستثناء القانون الصادر سنة 1998 والذي يقضي بإضافة اسم عائلة (لقب) للأطفال مجهولي النسب، وتوسيعه بقانون سنة 2003 الذي يقضي بإسناد اسم عائلة (لقب) مستعار يكون متداولاً في تونس.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمهات العازبات في تونس حقوق مغيبة ومعاناة مستمرة الأمهات العازبات في تونس حقوق مغيبة ومعاناة مستمرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
  مصر اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ حماس

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon