موسكو ـ ريتا مهنا
يتحوّل شارع زيبيتسكايا، أو ما يعرف بـ"زيبا"، كما يطلق عليه السكان المحليون، في ليالي الجمعة، إلى مشهد احتفالي كبير، مليء بمحبي موسيقى الجاز في قمصان مشرقة، والجينز الضيق والنظارات السوداء، والتي تبين كيف أنه ليس لديهم ما يعكر سعادتهم في بلدٍ شهد آخر ديكتاتورية أوروبا.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تحولت زيبا إلى جزيرة في وسط مدينة مينسك، العاصمة البيلاروسية التي لا تزال في الغالب مدينة غير مثمرة، غير عصرية تماما مع خطوط طويلة من المباني السوفييتية المهيمنة عليها. في زيبا، يهاجر حشد من الشبان من حانة صغيرة إلى أخرى، يشربون ويدخنون إلى ما لا نهاية.
العديد منهم ينتمون إلى صناعة التكنولوجيا التي تنتشر في بيلاروس، حيث الشباب، والمصممين، والكتاب والمهندسين، وغيرهم الكثير. ويعمل أكثر من 30 ألف متخصص فى التكنولوجيا حاليا في مدينة مينسك التي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني شخص، وكثير منهم ينشئون تطبيقات للهواتف النقالة يستخدمها أكثر من مليار شخص في 193 دولة، وفقا لما ذكرته الحكومة المحلية.
واحد من تقنيي مدينة مينسك هو ديميتري كوفاليوف، 35 عامًا، وهو فنان عمل منذ بضع سنوات لدى شركة مسكرد، وهي شركة تصنع أداة للهاتف الذكي تتيح للناس تركيب أقنعة مختلفة على وجوههم في أشرطة فيديو السيلفي.
وفي عام 2016، لم يستطع كوفاليوف أن يتصور أن احترامه لتمثيل ليوناردو دي كابريو ودفاعه عن البيئة سيأخذ شركة بعيدا جدا. ولكن قبل الأوسكار هذا العام، قام كوفاليوف وزملاؤه بتطوير أداة للقناع الذي مكن المستخدمين من جعل رسائل الفيديو تبدو مثل وكأن دي كابريو يحمل تماثيل أوسكار.
واستخدمها العديد من المشاهير، بما في ذلك على السجادة الحمراء، وحتى والدة ديكابريو. عندما سألها صحافي عن التطبيق، قالت إنَّ ابنها قد علمها كيف يعمل.
وقال كوفاليوف مؤخرا للممثل الذي فاز بجائزة أفضل ممثل في ذلك العام: "أنا أحب ما يفعله ليوناردو وكيف يعمل وكيف يحاول الحفاظ على كوكب الأرض".
وبعد عشرة أيام من الحفلة، اشترى فيسبوك الشركة بمبلغ لم يكشف عنه. وكان المؤسسون، الذين يبلغ متوسط أعمارهم نحو 25 عاما في ذلك الوقت، انتقلوا إلى لندن والولايات المتحدة. ويقوم كوفاليوف، إلى جانب بعض من زملاء العمل، بتطوير مشروع جديد لـ"مينسك"، وهو "أر سكواد" الذي يخلق محتوى واقع معزز.
كان أحد الأقنعة الأولى الذي طورته شركة أخرى كان يشبه أليكساندر ج. لوكاشينكو، رئيس بيلاروس، الذي حكم لأكثر من عقدين.
وقال لوكاشينكو في اجتماع للمشرعين هذا الصيف: "إن إنشاء دولة تكنولوجيا هو هدفنا الطموح ويمكن الوصول إليه"، وأضاف "إن ذلك سيتيح لنا أن نجعل بيلاروس أكثر حداثة وازدهارا وسوف نسمح للبلاروسيين بالتطلع إلى المستقبل بثقة".
وبدأ لوكاشينكو، الذي كان يدعي أنَّ الإنترنت "كومة من القمامة"، بكلمات غير محتملة لمدير سابق لمزرعة جماعية - حول الحاجة إلى تطوير الذكاء الاصطناعي والسيارات دون سائق.
واتخذت حكومته عدة خطوات لتشجيع تطوير صناعة التكنولوجيا، مثل منح المواطنين من 79 دولة، بما في ذلك جميع الدول الغربية، تأشيرة دخول دون تصريح، وذلك لدى دخولهم مطار مينسك. ويريد لوكاشينكو أيضا رفع القيود المفروضة على تحويلات العملات لتشجيع تمويل المشاريع الناشئة.
وقال أركادي م. دوبكين، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في التسعينيات وأنشأ شركة برمجيات هناك، إن بيلاروس تنتج مواهب فنية رفيعة المستوى، وهو ميراث من ماضيها السوفييتي.
واليوم، دوبكين هو الرئيس التنفيذي لشركة إبام، الذي يقوم بالبرمجة لشركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، وتعتبر واحدة من أسرع شركات التكنولوجيا العامة نموا في العالم.
ويقع مقر إيبام الرئيسي في مينسك، حيث يعمل أكثر من 6000 من المتخصصين في التكنولوجيا.
وقال دوبكين، 57 عاما: "أعتقد بأن غياب النفط جعل بيلاروس تفعل ذلك، هنا تقوم الجامعات بإنتاج متخصصين أكثر تأهيلا من احتياجات السوق الداخلية".
أرسل تعليقك