تعتبر الهواتف الذكية أحد أبرز الاختراعات المهمة في حياتنا اليومية، حيث تعد تغييرًا في قدرة البشر على التواصل مع بعضهم البعض والتعرف عليهم، تمثّل نقطة ضعف جديدة لاختراق العالم الخارجي، إلا ألأنها في الوقت ذاته تقيّد حريتنا وتواصلن، وتعد رموزا للشركات التي تجمع بياناتنا وتؤثر على خصوصيتنا.
وفي هذا السياق، يقول دانييل ميلر وهو أستاذ في الثقافة المادية في جامعة كاليفورنيا "بصفتي عالم أنثروبولوجيا، وجزء من فريق يبحث حاليًا في هذه المشكلات. نحن نحاول الإجابة عن سؤال بسيط للغاية: ما هو الهاتف الذكي؟ قد يبدو غريبًا أن يحاول مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في دراسة العلاقات الاجتماعية السؤال عن ذلك، لكن ربما نكون النوع الوحيد من الخبراء القادرين على الإجابة عن هذا السؤال ايضا".
ويضيف ميلر في مقاله الذي نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية " هذه الهواتف ذات قدرة عالية على أن تكون ذكية. ولكن ما يجعلها ذكية حقا يأتي من اعتمادها من قبل العديد من المستخدمين"، كما أوضح أن عدد قليل جدًا من الأشخاص، إن وجدوا، يقيدون أنفسهم بالتطبيقات التي تأتي مع هواتفهم فقط، ولكن بدلًا من ذلك، ينشئ كل شخص تهيئة جديدة بهاتفه الخاص من تطبيقات إضافية وإعدادات خاصة وتعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات بدورها على تسهيل قدرة الهاتف على تخصيص الإعدادات للاستخدام الشخصي المحدد له.
ويتابع ميلر "من خلال أبحاثنا نتخذ وجهة نظر عالمية، ونحقق في نوع الأشخاص الذين يستخدمون الهاتف الذكي في أماكن في البرازيل، الكاميرون، شيلي، الصين، أيرلندا، إيطاليا، اليابان، القدس الشرقية وأوغندا، وينصب تركيزنا على الأشخاص في منتصف العمر كما ندرس أيضًا كيف يمكن للقدرات التي أنشأتها الهواتف الذكية أن تؤثر على القيم الثقافية وكذلك القيم الشخصية".
لم يعد ذكاء هذه الهواتف مقتصرًا على الخدمات المعروفة والتقليدية، كالاتصال والوصول للإنترنت والتعامل مع الأجهزة المحيطة فقط، فالكثير من شركات الهواتف بدأت تتنافس في الوصول إلى خدمات أخرى جديدة، وفريدة، ووفقا لميلر تستخدم الكثير من الهواتف الذكيّة معالجات صغيرة جدًا، ولكنها سريعة جدًا أيضًا، وبسرعة تتراوح ما بين 100 - 624 ميغاهيرتز، ليس هذا فقط، بل إن المعالجات الحديثة التي تلوح في الأفق تشير إلى إمكانية استخدام معالجات بسرعة فائقة.
وتكون هذه الهواتف بمثابة مشغلات للكثير من الخدمات التقنية، كالطابعات، والساعات الذكية، ومشغلات الـ MP3، وتوفّر ذاكرات فيها مئات الغيغابايتات، ولها فتحات عديدة للتوافق مع موصلات بطاقات الذاكرة، وبطاقات الوسائط المتعددة. وتتضمن رقائق توفّر العديد من الوظائف، مثل الكاميرات ذات الدقّة العالية، وأجهزة الاستشعار كالكاميرات الرقميّة. كما توجد رقائق خاصة بالتعامل مع الإنترنت، كخدمة معرفة الوقت الحقيقي، أو درجة الحرارة، أو غيرها. وكما ان هناك رقائق قادرة على دمج العديد من الوظائف في رقيقة واحدة، بهدف توفير التكلفة الإجمالية، وتوفير استخدام الطاقة من البطاريّة، وغيرها، وبكل هذه الامكانيات التي تتيحها الهواتف الذكية، أصبحنا لا نستطيع الابتعاد عنها وربما يصيبنا القلق بمجرد الابتعاد عن هاتفنا او تركه في المنزل عن طريق الخطأ الأمر ليس مجرد غياب آلة، بل خسارة مؤقتة لجزء من أنفسنا.
يقول ميلر "أقوم بتنفيذ الجزء الخاص بي من الابحاث في أيرلندا، حيث كنت أراقب كيف يصبح كل هاتف جزء من شخصياتنا. على سبيل المثال، يعبر هاتف الصياد المتقاعد عن الاكتفاء الذاتي العملي - وهناك تبرير لكل الاستخدام من خلال قوانين صارمة لوظيفته وبعد أن عادت ابنته من أستراليا، على سبيل المثال، يعتبر تطبيق Skype بالنسبة له غير ضروري".
يهيمن الهاتف الذكي على جميع التطبيقات التي ترتبط جميعها بشغف مالكه كالتطبيقات المخصص لرعاية المرأة التي تعتني بأمها البالغة من العمر تسعين عامًا وتعاني من الخرف و مجموعات الرعاية الأسرية من خلال تطبيق WhatsApp .
يختار الأشخاص تكييف الأنظمة الأساسية والتطبيقات المهمة بالنسبة لهم مثل WhatsApp والتقويم وفقا لاحتياجاتهم وبهذه الطريقة، يصبح الهاتف جزء من هذا المستخدم ومن حياته.
لأكثر من قرن من الزمان، انبهرت الإنسانية بتطور الروبوت وقدرته على تحقيق خيالنا للآلة المجسمة - أي، الآلات التي لها صفات إنسان. تم تصميم الروبوت ليكون آلة تشبهنا بشكل كبير لكن الهاتف الذكي يمثل مسارًا أكثر عمقًا وتطورًا نحو آلة التجسيم البشري - وهو جهاز ينطلق من خلال زيادة العلاقة بينه وبين البشر.
وركزت مخاوفنا حول الروبوتات تقليديا على مظهرها وربما نشعر بالتناقض حول شيء يبدو مثلنا. ولكن على النقيض من ذلك، فإن الهاتف الذكي لا يبدو كأنسان. ليس لديه أسلحة ولا أرجل. بدلا من ذلك، فإنه يحقق التنقل من خلال وضعه في جيب البنطلون أو حقيبة الي، حيث يمكن أن تتسبب الحميمية المتزايدة للهواتف أيضًا في العديد من المشكلات. تلك المتعلقة بفقدان الخصوصية والسيطرة من قبل الشركات.
كل من هذه المشاكل والقدرات الجديدة تختلف حسب المنطقة، ويقول ميلر أن كبار السن في شانغهاي يتعاملون بشكل جيد مع حداثة الهاتف وفي الأماكن العامة قد يكونوا هم اكثر المنخرطين في هواتفهم الذكية، في حين أن الشباب يتحادثون مباشرة مع بعضهم البعض. وفي اليابان ينخرط كبار السن والشبًاب في التعامل مع هواتفهم، لذا فالمكان والبيئة ربما تؤثر على استخدامات الهاتف الذكي.
ويختتم ميلر "للحصول على مناقشة مستنيرة حول استخدام ونتائج الهواتف الذكية، نحتاج أولًا إلى معرفة ما هي، من خلال فحص العمليات الثقافية والفردية، فضلًا عن العمليات الفنية التي تجعلها ذكية".
قد يهمك أيضاً :
فضائح شركة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تتزايد خلال عام 2018
"فتح الألعاب" أفضل الأشياء التي يمكن فعلها مع أمازون أليكسا
أرسل تعليقك