الدمام ـ وكالات
على امتداد ثلاث ساعات وقف بالتناوب على خشبة قاعة «اللابراتوار» (المختبر)، المعروفة في فرنسا، مجموعة من الشبان والشابات السعوديين كي يشرحوا مشاريع ابتكارية توصلوا إليها من خلال عمليات بحث وتطوير جماعية مشتركة.
وجاءت مشاركة المبتكرين الشباب ضمن مشروع مشوق من المبادرات الشبابية لشركة «أرامكو السعودية»، وكانت الظهران قد شهدت عرضا أولا لهذه المجموعة منذ أسبوعين. وكان هؤلاء الشباب قد أمضوا أسبوعا من 23 إلى 28 يونيو (حزيران) إلى جانب عدد من أقرانهم المبتكرين وأصحاب المشاريع من عدة قارات، يتدربون في ورشة عالمية على أيدي مختصين وأكاديميين من مختلف الاختصاصات الاقتصادية والعلمية والفنية والاستثمارية على كيفية تحويل مشاريعهم وأفكارهم إلى منتجات يمكن استثمارها، وذلك بهدف فتح سوق جديدة أمام منتجات إبداعية صديقة للبيئة وذات قدرة تنافسية. ويدير ورش العمل هذه المبتكر العالمي البروفسور ديفيد إدوارد مؤسس «اللابراتوار» والحاصل على نحو 50 براءة اختراع.
وبات على العالم العربي في القرن الحادي والعشرين، حيث تشتد المنافسة بين دول العالم المتقدم في مجالات الإبداع والابتكار، أن يرفع من جهوده أضعافا مضاعفة وبتسارع لكي يجد له مكانا بين الأمم للمساهمة في تشكيل المستقبل وليستعيد دوره الحضاري الذي أسهم في رفعة الإنسانية في العصر الذهبي للحضارة العربية قبل قرون.
وحسب التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي فإن صناعات المعرفة بلغت عام 2010 نحو 18 تريليون دولار، أي بنسبة 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويتبوأ إقليم آسيا بسبب دول مثل الصين والهند وكوريا المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من حيث التحوّل إلى اقتصاد معرفي وما يقتضيه من أولوية البحث والتطوير.
ويمكن القول إن هناك محاولات لافتة في بعض الدول العربية من أجل تعزيز الاستثمار في مجالات الإبداع وتنمية منظومة شاملة لدعم الاقتصاد المعرفي، ومنها جهود «أرامكو السعودية» للتطوير التقني ونشر ثقافة الابتكار والتوسع في مجالات البحوث والتطوير.
واللافت أن برامج الابتكار في الشركة لا تستهدف الموظفين فقط بل تطال شرائح الشباب في المجتمع السعودي عموما. ومن ضمن ذلك النشاطات التي يقوم بها مختبر الأفكار (كي ستون) الذي هو أحد برامج مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي الذي تقوم «أرامكو السعودية» بإنشائه في الظهران.
ولا بد من الإشارة إلى أن تقرير «أرامكو السعودية» لعام 2012 يشير إلى حصول الشركة على ما يزيد على 50 براءة اختراع في العام نفسه، أي ما معدله براءة اختراع واحدة في الأسبوع. وكانت المشاريع التي قدمها الشبان والشابات السعوديون ضمن مختبر الأفكار «كي ستون» هي جزء من برنامج الابتكار في عام 2013 في موضوع البيولوجيا التركيبية الذي تم بالتعاون مع المختبر الفرنسي «آرت - سيانس».
ويتميز هذا البرنامج عن غيره بمستوى إعداده ونوع الخبرات العالمية التي استقطبها، وكذلك تضافر تخصصات مختلفة، حيث يلتقي اخصائي التصميم، والمهندس والمعماري والكيميائي والمستثمر والفنان الخلاق معا، لتطوير الأفكار. وكانت المرحلة الأساسية من البرنامج قد بدأت في السعودية، وجاءت المشاركة في ورش العمل في فرنسا بمثابة استكمال لما تم البدء به من أجل الاحتكاك بمبتكرين آخرين من مختلف أنحاء العالم، مما أسهم في تعزيز الأفكار الابتكارية التي تقدم بها المشاركون عبر تبادل الخبرات بينهم ومع مديري الجلسات والحاضرين من المهتمين والمتابعين.
واستمع الجمهور الباريسي الذي حضر إلى المقر بكثافة وفضول، شرحا لثمانية مشاريع سعودية من ضمن مشاريع أخرى مقدمة من أنحاء العالم. وتراوحت أفكار مشاريع المبتكرين السعوديين بين استخدام حركة النمل لتوليد طاقة جديدة، إلى تطوير فصيلة من الفطر تستطيع أن تدخل جرعات فيتامين «د» عالية للذين يعانون من نقصه، وصولا إلى فكرة ابتكار وسائل لتخفيف آثار أشعة غاما المؤذية خاصة في المستشفيات.
وذكرت فاطمة الراشد، إحدى القياديات في شركة «أرامكو السعودية» والمشرفة على المشروع والتي شاركت في ورشة العمل الابتكارية، أن «تنمية الثقافة الإبداعية عند الشباب وإشراكهم في مشاريع ابتكارية وإكسابهم القدرة على تسويق أفكارهم وابتكاراتهم وعرضها على مستثمرين سواء في المملكة أو خارجها، وإعطاءهم خبرة في مجال المنافسة الدولية للابتكار والإبداع، إحدى أولويات مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، بما يجعلنا نتحول من مجتمع مستهلك للابتكارات إلى مجتمع منتج ومصدر لها». وأكملت قائلة إن «الأهم في التجربة برمتها هو التحول الذي يعيشه الشباب والشابات خلال الفترة من اليوم الذي يبدأ فيه البرنامج وحتى ختامه. وأنا برأيي أن القيمة الأكبر بالنسبة لنا في (أرامكو السعودية) ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي هي تنمية الكفاءة الشبابية».
وبات الابتكار حاجة رئيسة لتطور وتقدم المجتمعات الإنسانية، وهو غالبا ما ينتج عن حاجة معينة تدفع بشخص مبدع إلى النظر للأمور بطريقة مختلفة تساعده في إيجاد وسيلة جديدة أو فكرة مميزة أو حل لمشكلة ما، لذا بات دعم الابتكار أحد ضرورات العصر، وهذا ما يدأب مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي على تحقيقه من خلال مشاريع كالتي قدمها شباب «كي ستون».
أرسل تعليقك