يعتقد عدد كبير من الباحثين أن ارتباط محافظة أسيوط بالمسيحية كان مبكرا قبل انتشار المسيحية، وتتفق آراؤهم على أن العائلة المقدسة بعدما ارتحلت من أورشليم إلى مصر وانتقلت بين عدة مناطق، حطت رحالها فى موقع دير المحرق واستقرت به لمدة ستة أشهر وعشرة أيام.
الدكتور أحمد سليمان عبد العال، مدير عام مناطق مصر الوسطى للآثار الإسلامية والقبطية، كشف تاريخ أحد أهم الأماكن الأثرية والتاريخية في مصر عامة وفي أسيوط تحديدا، وهو دير السيدة العذراء بالقوصية بأسيوط "دير المحرق".
وقال: "يقع الدير المحرق على بعد 14 كيلو مترا غرب القوصية في أسيوط، والمؤرخون اختلفوا فى سبب تسمية دير المحرق، فيقول أميلينو إن عرب البدو أغاروا على الدير وأحرقوه، ما جعل العامة يطلقون عليه هذا الاسم "دير المحرق"، وهناك رأى آخر يقول إن الجزء المتاخم للدير كانت تنبت فيه نباتات الحلفا بكثرة وكانوا يضطرون لحرقها ولذا سمى الدير المحرق".
وأضاف أن هناك تفسيرا آخر يفيد بأن حربا حدثت بين الأشمونيين وحاكم مدينة قسقام، فانتصر حاكم الأشمونيين وحرق المنطقة المحيطة بالدير فسمى "المحرق"، والبعض يذكر أن هناك رجلا عاصيا اسمه "خربتا بن ماليق" أنزل الله عليه نجمة من السماء فحرقته فعرفت المنطقة بالمحرق.
وأوضح أنه يحيط بالدير سور كبير من الحجر تعرض للعديد من التجديدات، منها ما حدث فى القرن 16 فى عهد البابا غبريال السابع، وفى القرن 18 فى عهد رياسة القمص عبد الملاك الأسيوطى، وفى عهد القمص ميخائيل الكدوانى 1813 م – 1838 م أى فى عهد محمد على باشا، تمت أكبر التجديدات صممها المهندس الألمانى باتريكولو عام 1927 م.
ويضم السور بداخله مجموعة من الوحدات المعمارية القلايات الخاصة بالرهبان والحصن وكنيسة السيدة العذراء، وكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل ومكتبة تضم العديد من المخطوطات والمصادر المراجع، وكان هذا السور الذى يحيط بالدير ناتج عن أسباب عديدة، منها الحماية وكتأثير مباشر للعقيدة كمؤسسة دينية تخدم عقيدة الأقباط، وتساعد على نشرها داخل أماكن حصينة مبنية على الصخر، خاصة أن تعاليم السيد المسيح أوحت ببناء الأديرة بصفة عامة للتعبد، ووجوب بنائها على الصخور حتى تستمر عبر الزمن لخدمة العقيدة المسيحية.
الدير به عدد من القلايات وهي صومعة الراهب والنواة الأولى لتشكيل الأديرة، ويختلف عددها من دير إلى آخر وتاريخها من عصر إلى آخر، وكانت تشتمل على أثاث بسيط وأوانٍ فخارية لتخزين متعلقاته، ومزودة بفتحات للإضاءة والتهوية، ووجد بدير المحرق عدد كبير من القلايات القديمة والحديثة، وأثر العقيدة واضح فى بساطة عمارتها، وتدعو الرهبنة إلى الزهد والتقشف وندرة الأثاث الموجود بها ورسم البعض الصلبان وبعض المناظر الدينية على جدرانها، ليتذكر الراهب أنه ترك العالم للعبادة والصلاة.
وحصن الدير يقع على يسار كنيسة السيدة العذراء الأثرية، وبُـنى لحماية الرهبان من غارات البربر الذين كانوا يقومون بالهجوم على الأديرة لأخذ متعلقات الرهبان، ويشتمل الحصن على غرف للمعيشة وغرف لتخزين الطعام وكنيسة للصلاة، ومكان لدفن الرهبان "الطافوس"، ومرحاض أعلى السطح، ويتم التوصل إليه عن طريق كتلة المدخل وبها سلم ينتهى بقنطرة من الخشب يتم التحكم فيها من داخل الحصن، وهى متصلة ببكرة خشبية عن طريق حبل يتم رفع القنطرة لفصل الحصن عن العالم الخارجى.
ويتم الدخول إلى الحصن عن طريق مدخل يؤدى إلى ممر مغطى بأقبية متقاطعة، وفى نهاية الممر بكرة خشبية أسطوانية بهذا الممر أربع فتحات مداخل معقودة الأولى على يسار الداخل تغطيها قبة ضحلة، والثانية غرفة للمعيشة تؤدى إلى غرفة صغيرة يغطيها قبو برميلى، والثالثة على يمين الداخل تؤدى إلى سلم الحصن المؤدى إلى طوابقه، والرابعة فتحة باب تؤدى إلى غرفة المعيشة، ومن هذه الغرفة نصل إلى مخبأ سري.
ويضم الحصن كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل، والقسم الشرقى منها عبارة عن هيكل الكنيسة، الذى يضم ثلاث مذابح الأوسط لرئيس الملائكة ميخائيل، تغطيه قبة ضحلة ويتوسط جدارها الشرقى حنية الشرقية ويحيط بالمذابح عدد من الدخلات، والجزء الغربى "صحن الكنيسة" ينقسم إلى رواقين بواسطة عمودين من الرخام، يتوسطهما حاجز مزخرف بأشكال هندسية متداخلة مع الصليب، ويفصل الهيكل عن الصحن حجاب خشبى مزخرف بالأشكال الهندسية والصلبان، فيما يتم الصعود إلى سطح الحصن لنجد الطافوس "مدفن الرهبان" وهو مخصص لدفن الرهبان الذين يموتون أثناء حصار الحصن، ويوجد مرحاض "دورة مياه" أعلى السطح.
وجرى ترميم الحصن فى عصور مختلفة، منها فى عهد الخليفة الحافظ 1130 م – 1149 م ورممه الشيخ أبو ذكرى بن بو نصير عامل الأشمونيين، والبابا غبريال السابع 1525 م- 1568 م، والمعلم إبراهيم الجوهرى فى أواخر القرن الثامن عشر الميلادى، والقمص عبد الملاك الهوارى، رئيس الدير فى منتصف القرن التاسع عشر.
كما رممت منطقة آثار أسيوط الإسلامية والقبطية ممثلة فى وحدة الترميم، الحصن عام 1990 م، وأعيد ترميمه بأحدث أساليب الترميم 2003 م، للحفاظ عليه من الشروخ حتى يظل نموذجا للحصون المنتشرة فى الأديرة فى مصر.
أما عن تأثير العقيدة على الحصن فتظهر فى زخرفة واجهة الحصن بمجموعة من الصلبان، إشارة إلى أن هذا المكان يخدم العقيدة القبطية، ومن ناحية أخرى أوجبت العقيدة – فى ظل الغارات والقلاقل – بناء كنيسة بالحصن لأداء طقوس هذه العقيدة، مع ملاحظة إطلاق اسم الملاك ميخائيل عليها، لاعتقادهم أن هذا الملاك سوف يتشفع لأجلهم للحفاظ عليهم من أى سوء، ولكى يحدد الرهبان مواعيد صلاتهم وشعائرهم فى أوقاتها، واستخدموا المزاولة لتحديد الوقت عن طريق سقوط ظل الشمس على سطحها، ووجدت على الجدار الجنوبى لحصن دير المحرق.
قــــــــد يهمك أيــــــضًأ :
الكشف عن أسعار تذاكر المتحف المصري الكبير ومصير "التحرير"
العناني يؤكّد أن تنوع الحضارات والثقافات أنتج شخصية مصرية فريدة
أرسل تعليقك