تحتفل مصر غدا بمرور 70عاما على افتتاح المكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالقاهرة والشرق الأوسط، وذلك فى احتفالية كبرى بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، حيث تعد مصر من أول 20 دولة صدقت على تشكيله، كما احتفظت مصر بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو منذ عام 1946، مما أعطاها الخبرة غير المتوفرة لدى الكثير من الأعضاء.
يأتى اختيار المتحف القومي للحضارة لاستضافة تلك الاحتفالية، باعتباره جزءا من عمل منظمة اليونسكو للمساعدة في حماية وحفظ التراث الثقافي في مصر، الذى يعود تاريخه إلى أكثر من نصف قرن عند تأسيس الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة في عام 1960؛ حيث تقدم اليونسكو الاستشارة للحكومة المصرية حول المتحف القومي للحضارة المصرية، وأيضاً الدعم الفني للمتحف في مجال التدريب وتنمية المعارض وغيرها من المجالات.
ودشن في عام 1947 مكتب اليونسكو في القاهرة، الذي يعمل ضمن منظومة تتكون من 52 مكتباً ميدانياً منتشرة في جميع أنحاء العالم، ويعمل حالياً على مستوى جميع الدول العربية في مجال العلوم والتكنولوجيا؛ حيث يلعب دورا على المستوى شبه الإقليمي في المنطقة العربية لكل من دول مصر والسودان وليبيا في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، ويتولى مكتب القاهرة الإسهام في دعم ثقافة السلام والأمن في العالم، من خلال تعزيز التعاون الفكري بين الأمم، بالاستعانة بآليات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال، ويخدم المكتب 17 دولة عربية من بينها الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، السودان، سوريا، تونس، دولة الإمارات العربية المتحدة واليمن.
وتعد اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو هى حلقة للاتصال بين منظمة اليونسكو وبين أجهزة الدولة المعنية فى مجالات التربية والعلوم والثقافة، وقد صدر قرارا بإنشاء اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 1949، كما أصدر رئيس الجمهورية قرارا بإعادة تشكيل تلك اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة عام 1962، وتدور مهام اللجنة الوطنية حول العمل على مشاركة مصر مشاركة فعالة فى إعداد وتنفيذ برامج ومشروعات منظمة اليونسكو على نحو يحقق وجهة نظر مصر والمنطقة العربية، وتنظيم المؤتمرات والندوات والاجتماعات بالتعاون مع سائر الجهات المعنية فى الدولة، فى إطار برامج اليونسكو ومجالات اختصاصها، ودعم الجهود والأنشطة التى تنفذها المؤسسات والجهات المعنية فى الدولة فى مجالات التربية والعلوم والثقافة، وتنفيذ الأنشطة التى تساعد على نشر أفكار وأهداف اليونسكو والإعلام عن أنشطتها.
وكانت حملة إنقاذ آثار النوبة أول حملة دولية أطلقتها المنظمة لإنقاذ آثار معبدي ابوسمبل وجزيرة فيله وقت إنشاء السد العالي وتغطية نفقاتها، ومنها جاءت انطلاقة مسيرة حماية التراث العالمي لليونسكو، ويعد "متحف النوبة" بأسوان من أهم المتاحف المصرية، ولعله الفريد من نوعه لتقديمه نموذجاً واضحاً للتعاون الوثيق مع منظمة اليونسكو، ففى 6 أبريل عام 1959، تقدمت الحكومة المصرية بطلب إلى منظمة اليونسكو للحصول على مساعدتها فى إنقاذ الأماكن الآثرية فى بلاد النوبة، خاصة بعد إتمام بناء السد العالى وغرق آثار النوبة فى مياه النيل؛ حيث أسرعت منظمة اليونسكو بالتجاوب ووجهت نداءاً دولياً فى 8 مارس 1961 للمساهمة فى هذا المشروع.
وتعد عملية إنقاذ معبدي أبوسمبل أعظم عملية انقاذ فى التاريخ؛ حيث تقرر إنشاء اللجنة التنفيذية المؤلفة من ممثلى خمس عشرة دولة عضو فى المنظمة، وتم تكليف اللجنة بدراسة التقارير الفنية والآثرية والمالية، وتزويد اليونسكو بالمعلومات الأساسية المتعلقة بسير العمل، وبالأموال المتوفرة لضمان استمرار المشروع، وشاركت اليونسكو فى حث الجمهور على الاهتمام بعملية إنقاذ الآثار، فتدفقت التبرعات حتى بلغت حتى نهاية عام 1975 نحو 12 مليونا و304 دولارات أمريكية تبرعت بها 24 دولة، حيث اشتملت على تفكيك معبدى" أبو سمبل "ومعابد "جزيرة فيلة " ونقلها إلى أماكن آخرى وإعادة تركيبها وبنائها.
وباتت نماذج التعاون والعلاقات الوطيدة بين مصر واليونسكو تشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخهما، فمصر تشارك فى عضويتها بالمنظمة في مختلف أنشطتها وبمختلف القطاعات التي تختص بها، كما وفرت اليونسكو فرصًا للتعاون الوثيق بصفة خاصة، إذ شاركت مصر بنشاط في إعداد الاتفاقية الدولية لحماية التراث غير المادي، وأنشئ مركز الدراسات النوبية في متحف النوبة في أسوان، والمتحف الوطني للحضارة المصرية في القاهرة بدعم من اليونسكو، كما ساهمت المنظمة في إحياء مكتبة الإسكندرية، والتي دمرت منذ ما يزيد عن 2000 سنة مضت، بوصفها مركزاً للتنسيق في مجالات الثقافة والتربية والعلوم، ويعتبر مثالًا حيًا آخر لهذا التعاون الفكري.
كما قدمت اليونسكو كل ما تملكه من صور الدعم المالى والفنى لإعادة ترميم متحف الفن الإسلامى ومقتنياته، بعد أن تعرض للتدمير نتيجة العملية الإرهابية التى استهدفت مبنى مديرية أمن القاهرة المواجه للمتحف فى شهر يناير عام 2014، والذى زارته المديرة العامة لليونسكو لتؤكد اهتمامها بإعادة افتتاحه، وأطلقت منه بحضور عدد من الشباب المصرى مبادرة المنظمة "متحدون مع التراث".
ويقع متحف الحضارة - الذي سيستضيف الاحتفالية الخاصة بافتتاح المكتب الإقليمي لليونسكو بالقاهرة والشرق الأوسط - في مدينة الفسطاط التي أنشأها عمرو بن العاص عام 640 م فى مصر القديمة، علي مساحة 33,5 فدان، منها 130 ألف متر مربع من المباني، ويستوعب المتحف أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة المصرية، بالإضافة إلى عرض لإنجازات الإنسان المصري في مجالات الحياة المختلفة، منذ فجر التاريخ حتي وقتنا الحاضر، كما يحتوى على نماذج وصور فوتوغرافية ومخطوطات ولوحات زيتية وتحف فنية وآثار من العصر الحجري والفرعوني واليوناني والروماني والقبطي والعربي وحضارة السودان والعصر الحديث، بالإضافة الى بحيرة عين الصيرة الطبيعية النادرة.
وافتتحت المرحلة الأولى من المتحف فى ديسمبر عام 2014، والتي شملت الأعمال الإنشائية للمباني بالكامل، وتم افتتاح معرض (الحرف المصرية عبر العصور)، والذي يلقي الضوء على تطور تكنيك الحرف المصرية الأكثر عراقة وعمقًا في التاريخ المصري والإنساني، وهي الفخار والنسيج والحلى وصناعة الخشب؛ حيث يوضح نشأتها وتطورها عبر العصور التاريخية المختلفة، وذلك عن طريق عرض أكثر من 420 قطعة أثرية مختارة من مختلف عصور الحضارة المصرية، تمت استعارتها من المتحف المصري، والمتحف الإسلامي، والمتحف القبطي، ومتحف النسيج بشارع المعز ، ومتحف الأقصر، وباقي القطع من مقتنيات متحف الحضارة الخاصة.
أرسل تعليقك