قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن النبي صلى الله عليه وسلم ,حقق خمسة إنجازات كبرى في الشهور الخمسة الأولى من هجرته إلى المدينة، على رأسها إصلاح الأوضاع الداخلية، في ظل أوضاع معقد جدًا.
و أشار في خامس حلقات برنامجه الرمضاني "السيرة حياة" إلى أوضاع المهاجرين الذين هاجروا بلا مأوى، أو مال، وإلى العلاقة بين الأوس والخزرج التي كانت تتسم بالتوتر على الرغم من دخولهم الإسلام، حيث ظلوا يخوضون حروبًا ضد بعض لمدة 100 سنة.
و أوضح خالد أنه "كان هناك غير مسلمين، ومنافقين 300 شخص (طابور خامس)، واليهود 3 قبائل تتحكم في الاقتصاد، أهل المدينة يعتمدون في توفير احتياجاتهم من الماء عليهم، على الرغم من أن المطر كان يهطل بغزارة، لكن الحرب بين الأوس والخزرج منعت تحقيق التنمية، حيث كانت هناك مستنقعات بوسط المدينة، وانتشر البعوض، وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة والأمراض والحمى، وزادت الوفيات بين الأطفال، ما جعل سكان المدينة يرسلون أولادهم إلى اليهود، من أجل أن يوفروا لهم حياة إنسانية أفضل".
وذكر خالد أنه على رأس الحلول الخمسة الإبداعية التي نفذها النبي في غضون خمسة أشهر، هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان من نتائج ذلك تحوّل المدينة إلى مجتمع زراعي – تجاري.
وأشار إلى أنه "مثلما قامت نهضة ماليزيا في الأساس على زيت النخيل، كان معروفًا عن المدينة أنها تشتهر بالتمر، وهو أهم محصول لدى العرب فتضاعفت زراعته، لتتحول من مجتمع مستهلك إلى مجتمع مصدر".
وتابع خالد "الأمر الثاني: بناء المسجد، الذي خرجت منه الأفكار الإبداعية، وكان منبرًا إعلاميًا للمجتمع، ومستشفى لعلاج الجرحى، كما كان هناك مكان للنساء، وملحق بالمسجد مكان لإيواء الفقراء والضعفاء (أهل الصفة)، ومركز تعليم حرفي".
وقال "كان المسجد بداخله روح تجمع ولا تفرق، بعكس ما يفعل المتشددون الآن، وشارك الصحابة يقودهم النبي في عملية البناء، ما خلق انتماء بهذا العمل الجماعي بين الصحابة".
وأوضح أن العمل لم يكن قائمًا على "الفهلوة"، بل كان النبي يحترم الحرفيين المتخصصين، كان يقول لهم: قدموا اليمامي، الخبير في البناء، فإنه أحسن ملمسًا وأعرض منكبًا، هذه هي معادلة النجاح".
وتحدث عن دور السيدات في البناء، "فالنبي كان يشرك المرأة في أي عمل حضاري".
و قال خالد إن النبي والصحابة ذهبوا لأداء صلاة الفجر، فوجدوا بداخل الجدران "كوة" و"مشكاة" وفيها شموع تنير المسجد، بعد أن بادر تميم الداري إلى ذلك، "نورت مسجدنا نور الله حياتك".. رأى عبدالله بن زيد، بلالاً يؤذن، فصار يؤذن للصلاة.
و رصد خالد: بناء السوق (الاقتصاد)، إذ "عمل النبي على بناء سوق واسعة، فانتعش سوق المسلمين وجذب حتى اليهود، وتحول إلى مركز جذب للقبائل المحيطة بالمدينة".
وأرجع العامل الأهم في نجاحه إلى أحاديث أمانة الأسواق، "التاجر الأمين الصدوق"، "من غشنا فليس منا"، "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه"، فنافس سوق المسلمين أسواق اليهود وأسواق مكة لأول مرة.
ووصف خالد، النبي بأنه "كان صاحب خبرة في التجارة، ألغى الضريبة، لا يؤخذ فيها خراج، واختار السوق في مكان واسع، فيه مكان ربط الرواحل والجمال، كان الرجل يأتي سوق المدينة فيربط راحلته بيسر، كما أنه كان يرى من مدخل المدينة، ومنع النبي التسول فيه".
وتابع أن الأمر الرابع، الذي انشغل به النبي - كما يقول خالد – "تمهيد الطرق وإصلاح البنية التحتية للمدينة، فالمدينة كلها مستنقعات، كانت سببًا في انتشار الأوبئة، وكانت أطراف المدينة منفصلة عن بعضها، بالإضافة إلى أن هناك مشكلة مياه شرب خطيرة، فأخذ النبي يرد كل المستنقعات، ومهد الطريق من المسجد للسوق".
وأوضح أن "النبي عمل على حفر الآبار المردومة بالمدينة، وغير اسمها من "يثرب": الطاردة، لتصبح المدينة.. من المدنية، لم يسمها المحمدية، ولم يضع لافتة دينية، أسماها أسماء كثيرة، مثل: طيبة، طابة، المحبوبة، دار السلام، دار الإيمان، دار الأنصار، مدخل صدق".
وقال الأمر الخامس إن "النبي أعد وثيقة للتعايش بين كل أطياف المجتمع في المدينة.. وضع دستور المدينة، والذي يقال إنه أول دستور عرفته البشرية في التاريخ أول دستور مكتوب عرفه العالم، كان هدفه تحقيق فكرة المواطنة، وهي المساواة في الحقوق والواجبات لكل أبناء الوطن بصرف النظر عن دينهم أو جنسهم أو عرقهم".
وذكر أن أهم بنود هذه الوثيقة:
- البند الأول: المهاجرون من قريش وأهل يثرب وبني الأوس وبني الخزرج ونبي النجار ونبي عوف أمة واحدة، أيديهم على كل من بقى عليهم ظلمًا أو أثمًا أو عدوانًا أو فسادًا ولو كان ولد أحدهم، سمى القبائل ولم يستخدم عبارة المسلمين في الوثيقة، لأن هذا المقصود بالمواطنة.
- وأوضح أن البند الثاني: أن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، (حرية الاعتقاد)، اعترف لليهود بأنهم جزء من المجتمع.. أمة مع المؤمنين. - البند الثالث: أن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.. "وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الوثيقة وإن بينهم النصح والبرمن دون الإثم"، البر فوق العدل.
- وأوضح أن البند الرابع يشمل إذا حدث بين أهل هذه الصحيفة شجار أو نزاع يخاف فساده فإن مرده إلى محمد رسول الله، فلا بد من مرجع وإلا سادت الفوضى. الدستور جعل وجود الدين ضمانة للحقوق وليس تهديدًا لها، فالدين داعم للوطن وليس مهددًا له.
أرسل تعليقك