اسوان-اسراء عبيدة
جولتنا السياحية اليوم في معبد المعجزات الذي يضم أكثر من ظاهرة كونية رائعة فلقد تميّز المصريون القدماء بإتقانهم للعلوم الفلكية والعلوم الرياضية وبراعتهم في حساب التقويم، فهذا المعبد الذي يأتي إليه مئات السائحين لمشاهدة المعالم الفرعونية المختلفة والظاهرة الفلكية الرائعة وهي تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بمعبدي أبو سمبل يومين في العام واحدة في ذكرى ميلاده والأخرى في ذكرى توليه العرش حيث يؤكد السائحون من مختلف الجنسيات ومنها أستراليا والمكسيك وأوكرانيا ونيوزلندا، على حرصهم الشديد على حضور الظاهرة الفلكية النادرة بتعامد الشمس على معبد أبوسمبل وعلى التواجد المستمر أثناء زيارتهم لمحافظة أسوان وأن معبد أبو سمبل على قائمة اهتمامتهم في جولاتهم السياحية وأن المعبد يضم الكثير والكثير من الظواهر الفلكية المتميزة، وأشاد السائحون بالتنظيم والاحتفالات والتأمينات من جانب الأمن المصري مؤكدين بأنهم يشعرون بسعادة بالغة خلال زيارتهم للمعبد.
ورمسيس الثاني هو ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشر، وكان والده الملك سيتي الأول. وُلد رمسيس الثاني عام 1303 قبل الميلاد وحكم مصر لمدة 67 سنة من 1279 ق.م. حتى 1212 ق.م. صعد إلى الحكم وهو في أوائل العشرينات من العمر. ظُن من قبل أنه عاش حتى أصبح عمره 99 عاماً، إلا أنه على الأغلب توفي في أوائل تسعيناته. الكتاب الإغريق القدامى (مثل هيرودوت) نسبوا إنجازاته إلى الملك شبه الأسطوري سنوسرت الثالث، الذي عاش في عصر الدولة الوسطى، وسماه اليونانيون سيزوستريس وتعود شهرة معبد أبو سمبل إلى الظاهرة الكونية التي تحدث مرتين في العام وهي تعامد الشمس على وجه أبو سمبل هذه الظاهرة التي تؤكد وجود ازدواجية منظر المراكب داخل قدس الاقداس والصالة الثانية بمعبد أبو سمبل تؤكد وجود مناسبتين للاحتفال وخروج مواكب تلقى القرابين من المحتفلين مما يؤكد أن تعامد الشمس ظاهرة مؤكدة تتم عبر حسابات فلكية دقيقة.
فلقد قامت المستكشفة "اميليا ادوارذ " برصد هذه الظاهرة عام 1874 وأكدت أن الظاهرة هي تتم عندما تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وسقوط أشعتها عليها كما قيل أن يومي 21 فبراير/شباط، و21 أكتوبر/تشرين الأول وهما عيد ميلاد رمسيس الثاني وذكرى جلوسه على العرش.
فقد كانت الشمس هي المعبود الأول عند قدماء المصريين وكان قرص الشمس"رع" هو أكبر آلهتهم، وقد أقاموا له المعابد وقرنوا أسمه بأسمائهم واتخذوا من مدينة عين شمس مركزاً لعبادته، وكان الغرض من نحت معبد أبو سمبل في جبل صخري وفي مكان نائي مقدس لهم هو عبادة الشمس عند شروقها . لذلك ومنذ عصر ما قبل بناء الأهرامات أهتم المصريون القدماء بتتبع حركة الشمس بين النجوم ورصدها رصداً دقيقاً منتظماً ومن الأدلة البارزة على دقة أرصادهم وسبق غيرهم في رصد ودراسة حركات الأجرام السماوية دراسة عميقة مؤسسة على أرصاد دقيقة منتظمة، ومعرفة بأصول الرياضيات .
ولم تقف الظواهر الفلكية عند هذا حيث تم العثور في "وادي النبطة" على أول بوصلة حجرية وأقدم ساعة حجرية تحدد اتجاهات السفر ومواعيد سقوط الامطارويرجع تاريخهما إلى 11 ألف سنة وهو أقدم دليل تاريخى حدد بدايات السنة والانقلاب الشمسي والاتجاهات الأربعة وهو من أعظم الاكتشافات الفلكية في مصر والعالم. كما يُزيل هذا الكشف الغموض الذى يُحيط بظاهرة تعامُد الشمس على معبد أبوسمبل ويؤكد أن المصريين القدماء امتلكوا فنون وعلوم وأسرار الفلك باقتدار. بالإضافة إلى وجود الكثير من الدلائل على اهتمام الفراعنة بالشمس وشروقها فنجد أعلى واجهة معبد أبو سمبل 22 قردا تمثل ساعات اليوم الذى كان يتكوّن من 22 ساعة في عهد "الرعامسة".
وصف للمعبد
يتكوّن المعبد من جدارين الشمالي والغربي وبهما مداخل تؤدي إلى مجموعة من الحجرات كانت تستعمل غالباً كمخازن للكهنة حيث أن مناظر الجدران كلها دينية . أما الباب الأوسط في الجدار الغربي فيوصِّل إلى بهو صغير تحمل أسقفه أربعة أعمدة مربعة فيوصل إلى بهو صغير تحمل أسقفه أربعة أعمدة مربعة والمناظر كلها في هذا البهو ذات طابع ديني.
وهناك غرفة صغيرة توصِّل إلى قدس الأقداس الذي يحتوي ثلاثة أبواب في الجدار الغربي اثنان على جانبي الجدار توصلان إلى حجرات غير منقوشة وأما الوسطى والتي تستند إلى محور المعبد المستقيم فتوصِّل إلى قدس الأقداس، وفي الجدار الغربي لقدس الأقداس نجد أربعة تماثيل جالسة نحتت في الصخر، وهي تماثيل حور ـ أختى ـ وبتاح ورمسيس الثاني نفسه مع الإله آمون رع إله الشمس، وفي وسط الحجرة نجد أمامهم مائدة قرابين غير منقوشة وكانت الضحايا والقرابين تقدّم عليها عندما كان نور الشمس المشرقة يدخل بعد الفجر .
ومن أهم المظاهر التي تميّز هذا المعبد عن غيره من معابد المصريين القدماء دخول أشعة الشمس في الصباح المبكر إلى قدس الأقداس ووصولها إلى التماثيل الأربعة، فتضيء هذا المكان العميق في الصخر والذي يبعد عن المدخل بنحو ستين متراً ، إنها لحظات أكثر من رائعة لحظة هذة الظاهرة الفلكية الرائعة التي تتساقط أشعة الشمس بسرعة مكونة حزمة من الضوء تضيء وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس، وبرغم مايحدث من تغيرات مناخية وفلكية ولكن لا تتغير حسابات الكهان والمهندسين والفنانين ورجال الفلك المصريين من ثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة .
لكن تبقى المعجزة، إذا كان يومي تعامُد الشمس مختارين ومحددين عمداً قبل عملية النحت لأن ذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك، وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق، ويجب الإشارة إلى المعجزة في المعمار بأن يكون المحور مستقيم ولا سيما أن المعبد منحوت في الصخر .
أرسل تعليقك