ميونيخ ـ وكالات
تشكل الدراجة السياحية منذ خمسة عشر عاماً أحد معالم مدينة ميونيخ، وبالإضافة إلى كونها طريقة رخيصة وممتعة لرؤية المدينة والتمتع ما تقدمه، فإنها تعتبر أيضاً وسيلة رفيقة بالبيئة وقادرة على الوصول إلى أماكن لا تصلها السيارات.
ظهرت الدراجة السياحية لأول مرة سنة 1997 وسط مدينة ميونيخ الألمانية في ساحة "مارين"، التي تتوسط قلب المدينة القديمة. ومنذ ذلك الوقت وهي تثير فضول السياح الذين يسارعون إليها من أجل التقاط الصورالتذكارية وسؤال السائق عن العروض التي يقدمها للسياح من أجل القيام بجولة عبر شوارع المدينة القديمة.
صممت الدراجة السياحية بشكل يسمح لراكبين أو ثلاثة بالجلوس خلف مقعد السائق. ومنذ ظهورها لأول مرة في شوارع المدينة وهي تنال إعجاب السياح، لا سيما السياح العرب الذين يترددون علي المدينة في شهور الصيف. فهم يفضلون هذه الوسيلة للتنقل من وسط المدينة إلى الفنادق المتاخمة للشوارع الشهيرة في قلب المدينة القديمة، ويفضلون التجول بها عبر الشوارع لرؤية ميونيخ بشكل أكثر قرباً للناس وبعيداً عن السيارات المغلقة. كما أنهم لا يحتاجون أيضاً للبحث عن مكان انتظار للسيارات قرب المتاجر الكبيرة. لهذا السبب تطورت فكرة الدراجة السياحية بسرعة مذهلة، وبعد أن كان هناك 60 دراجة في ميادين ميونيخ، أصبح عددها الآن يزيد على 300 دراجة، موزعة بين معالم المدينة الكبيرة، مثل ساحة "مارين" و"أوديونز" و"الحديقة الإنجليزية"، ومحطة القطارات الرئيسية.
تتراص الدراجات السياحية بأشكالها المختلفة وزخرفاتها المتباينة في صف واحد في ميدان "مارين"، وبمجرد أن اقتربت من إحداها، حتى هم السائق مسرعاً. لكنه بعد أن عرف الهدف الصحفي من وراء مقابلته تراجع حماسه شيئاً ما، في وقت ظلت فيه عيناه تترقب زبوناً جديداً. ويقول السائق شتيفان شلويدر: "إنها مهنة وليست هواية، فأنا أكسب عيشي منها، بل إن الكثير من الطلبة في فترة الإجازة يحضرون إلى هنا للعمل بكثافة، ويزداد العمل بشكل كبير في الاحتفالات والمهرجانات مثل مهرجان أكتوبر فيست".
ويرى شلويدر أن ظاهرة الدراجة السياحية بدأت في ميونيخ، إلا أنها تنمو بسرعة الآن، مضيفاً أنها بدأت تنتقل إلى المدن الأخرى المجاورة بسرعة كبيرة، ويقول :"إن البعض ممن يحملون شهادات جامعية يعملون هنا بدافع الرياضة وكسب بعض المال. إنك تستطيع أن تقطع بها يومياً 280 كيلومتراً، وفي وقت الذروة يمكن أن تزيد عن الثلاثمائة كيلومتر". أما من الناحية الصحية، فيوضح شلويدر أن سياقة الدراجة السياحية "مفيدة جداً، إذ يستطيع المرء أن يحرق حوالي 5000 سعرة حرارية يومياً. لذلك ترى أن السائقين لا يخافون من تراكم الدهون ويأكلون كل شيء، كالمعجنات والمعكرونة والكثير من البروتين الحيواني في المساء، مثل اللحوم الحمراء. وفي أيام الصيف، فإنهم يشربون كميات كبيرة من الماء قد تصل إلى 3 أو 4 لترات من الماء في اليوم الواحد. إنها كذلك تساعدهم في التغلب على الأرق، ذلك أنهم ينامون بعد العمل نوماً عميقاً".
وحول إقبال السياح على الدراجات السياحية، يشير شتيفان شلويدر إلى أن أكثر السياح الذين يقبلون عليه هم السياح العرب، خاصة في فصل الصيف. ويتابع بالقول: "إنهم يستمتعون بها جداً. لكنهم يشكلون ضغطاً عندما يكون عددهم كبيراً أو أحياناً لكثرة التنقل. وفي بعض الأحيان تكون معهم مشتريات كثيرة لا يسمح بها المكان، إلا أنهم لطفاء جداً".
من جهتها تعتبر زابينا باور، من سكان ميونيخ، أن الدراجة السياحية فكرة رائعة حتى يبقى وسط المدينة خالياً من تلوث السيارات، وهو ما يتفق برأيها مع الثقافة البافارية، التي تتجه بشكل سريع إلى كل الوسائل التي تحافظ على نظافة البيئة.
وبسبب انتشارها بشكل كبير، تخضع الدراجات السياحية للفحص الدوري من أجل سلامة الركاب، ولا يسمح لسائقها بالسير بها إلا بعد استخراج تصريح خاص. كما أنها لم تعد محل طلب فقط من السياح والأفراد، بل امتد الطلب عليها إلى المناسبات والأعياد والاحتفالات الخاصة، فأصبح البعض يقبل عليها في الأفراح، ويستقلونها عادة من مكتب عقد القران إلى الكنيسة، ومن ثم تتجه بهم صوب الحديقة الإنجليزية لالتقاط بعض الصور التذكارية. وفي بعض الأحيان يمكن تزيين الدراجة حسب رغبة العروسين، للذهاب إلى نزهة على ضفاف نهر الإيزار، مما يبعث الفرح والسرور على وجه العروسين.
لقد باتت الدراجة بديلاً مريحاً لسيارة الأجرة، فهي تخترق كل الشوارع دون عائق وتتواجد في الأماكن السياحية الهامة. كما أنها تأخذ الراكب حيث يريد، ويفضل الكثيرون الذهاب بها إلى المطاعم والتسوق من وسط المدينة والعودة بها حيث تقف سياراتهم خارج منطقة وسط المدينة. وبالنسبة للأسعار، يوضح سائق الدراجة السياحية شتيفان شلويدر أن بالإمكان الاتفاق عليها مع السائق، وهي تتراوح كالآتي: سعر نصف الساعة 35 يورو، ومن 35 إلى 60 دقيقة 55 يورو، وفوق 90 دقيقة 80 يورو.
وحول هذه الأسعار يقول أحمد الغامدي، سائح من الإمارات العربية المتحدة، وهو يتأهب لركوب إحدى الدراجات في جولة حول المدينة: "إن الأسعار مقبولة، ويكفي أن يتجول الإنسان بعيداً عن صوت محرك السيارة وخلف الزجاج. يمكنك أن تتجول بحرية دون صخب أو ضجيج. إنها ممتعة للغاية وأولادي يعشقون ركوبها، وهي ممتعة للصغار جداً".
أغلب سائقي الدراجة السياحية يتكلمون عدة لغات، كالإيطالية والفرنسية والبرتغالية والأسبانية والبولندية والروسية، ومن لا يعرف اللغة العربية يبث كنوع من الدعاية الموسيقى والأغاني العربية من أجل جذب السياح العرب، الذين يبتسمون لهم عند سماع الموسيقى، فيحييهم السائق بجملتين فقط، هما " أهلاً وسهلاً بكم في ميونيخ" أو" تفضلوا..". وكثيراً ما يعجب العرب بهذه التحية فيقبلون عليهم. إحدى السائحات الخليجيات التي هبطت للتو وصديقتها من إحدى الدراجات تقول: "الأسعار معقولة والسائق أسمعنا أغان عربية. لقد أتى بنا من أمام البرج الصيني في الحديقة الإنجليزية إلى وسط المدينة وأعطيناه 50 يورو فقط".
مما لا شك فيه أن هناك إجماعاً بين سائقي الدراجة السياحية على حبهم لهذا العمل. كما أنهم يتفقون على أنهم يجدون سعادة بالغة في ذلك ومتعة كبيرة في العمل في الهواء الطلق وبعيداً عن شاشات الكمبيوتر في المكاتب وأماكن العمل المغلقة. فبعضهم اتجه إلى هذه المهنة للتخلص من التوتر والقلق، ذلك أن أغلبهم يجدون في الدراجة السياحية نوعاً من الرياضة النفسية التي تخلصهم من التوتر والضغوط النفسية.
لركاب أيضاً يستمتعون كثيراً بالقيام بجولة على متن الدراجة، أما الأطفال الصغار فهم يعشقونها. الغريب أيضاً أن علاقة من نوع خاص تربط السائق بالزبائن، فهو في أغلب الأحيان يقوم بدور إضافي كدليل سياحي يشرح لهم شوارع المدينة ومعالمها التاريخية والأماكن الهامة التي يمرون بها. قيادة الدراجة السياحية تحتاج إلى سائق رياضي خفيف الوزن، إذ يصل وزنها وهي فارغة إلى 80 كيلوغرام، وهذا يستلزم عضلات قوية ومتماسكة.
لكن ما الذي قد يزعج سائق الدراجة السياحية؟ يقول أندرياس فيبر، أحد سائقي الدراجات السياحية ميدان "أوديونز"، إنه في بعض الأحيان يضطر إلى تقديم عروضه للناس لأخذهم في جولة. لكنهم لا يرغبون في ذلك. أو عندما عمله ويتأهب للعودة إلى المنزل، يجد من يسأله أن يأخذه في جولة. ويقول فيبر أيضاً إنه بعد حوالي 50 كيلومتراً من العمل المستمر يشعر بتعب في الساقين وأحياناً حول الرقبة. كما لا يعجبه كذلك أن يرمقه الناس بنظرة شفقة بسبب هذا العمل المضني، وهو يرى أن هذه النظرة ليست صحيحة، فهو يحب هذا العمل وهو صحي أيضاً ويساعد على نظافة البيئة.
أرسل تعليقك