اسباب الخشوع في الصلاة.. يظهر الخشوع والخضوع لله -تعالى- على جوارح المسلم في الصلاة، وهو خير دليل على استقامته وصلاحه، وسلامة وطهارة قلبه، وعظيم إيمانه؛ لأنّ الخشوع في الصلاة يزرع في قلب المسلم الرهبة من الله -تعالى- وبالتالي ينعكس ذلك على سلوكه وإتقانه لصلاته.
ويبحث كثيرون على مواقع البحث والتواصل الاجتماعى عن اسباب الخشوع في الصلاة وكيفية الخشوع في الصلاة وأهمية الخشوع في الصلاة، وفي هذا التقرير نبرز كل ما يتعلق الخشوع في الصلاة بالتفصيل.
معنى الخشوع
يُعرَّف الخشوع في اللغة، والاصطلاح الشرعيّ على النحو الآتي:
الخشوع لغةً: هو الخُضوعُ، والسُّكونُ، والتذلُّلُ، والفعل منه: خَشَعَ؛ يُقال: خشَع الشخصُ لربّه: أي خضع واستكان، وتضرّع، وتذلّل، والخُشوعُ يمكن أن يكون في البدن، أو الصوت، أو البصر.
الخشوع شرعًا: هو تحقُّق تذلُّل القلب، وخضوعه، وانكساره لله -سبحانه-، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
كما يُعرَّف الخشوع بأنّه: قبول القلب للحقّ، والانقياد غليه، والخضوع له إن خالف هواه، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء، والجوارح؛ إذ إنّها تتبع القلب، وبناءً على ما سبق فالقلب مَحلّ الخشوع، مع ظهور آثاره وعلاماته على الجوارح، ولا يتحقّق الخشوع إن لم يكن في القلب، كما أن لفظة (الخشوع) وردت في القرآن الكريم مرتبطة بالصلاة، كما وردت مطلقة.
اسباب الخشوع في الصلاة
لا بُدّ للمسلم؛ حتى يحقّق الخشوع في الصلاة من أن يحرص على ما يُحقّقه، ويُقوّيه، ويبتعد عمّا يقلّله، ويُنافيه، ومن الأسباب المُعينة على الخشوع:
الاستعداد للصلاة والتهيُّؤ لها، ومن ذلك: حُسن الوضوء، والدعاء بين الأذان والإقامة، والتسوُّك، وتسوية الصفوف، وانتظار الصلاة، والاطمئنان فيها.
قراءة الآيات آيةً آيةً؛ فذلك يُعين على التدبُّر والخشوع، والحرص على ترتيل الآيات.
استشعار إجابة الله لعبده المُصلّي، قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: (مالِكِ يَومِ الدِّينِ)، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ) قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ).
تجنُّب التركيز على آياتٍ، أو أدعيةٍ، أو أذكارٍ مُعيَّنةٍ في الصلاة وترديدها في كلّ صلاةٍ، بل يجب الحرص على التنويع فيها، وبذلك تتجدّد المعاني والدلالات، ويتحقّق الخشوع أيضًا.
أداء سجود التلاوة إن مرّ به المُصلّي أثناء القراءة في الصلاة.
الاستعاذة بالله واللجوء إليه من الشيطان الرجيم؛ وبذلك يتّقي المُصلّي وساوس الشيطان، ويطردها.
التأمُّل في حال السَّلَف الصالح وحرصهم على أداء الصلاة، والخشوع فيها؛ فقد كان عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- يتغيّر لون وجهه، وتتغيّر حالته إن حضرت الصلاة، وحين سُئِل عن ذلك أجاب بأنّه وقت الأمانة.
معرفة عظيم أجر الخشوع في الصلاة، وممّا يُبيّن ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (يقولُ ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ).
عدم أداء الصلاة في حال حصر البول، أو الغائط، أو الرِّيح، أو النوم، أو حضور الطعام؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ)، وقوله: (إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ، حتَّى يَعْلَمَ ما يَقْرَأُ).
أداء الصلاة بعيدًا عن أيّ أمرٍ قد يُشغل البال والتفكير، ومن ذلك أداؤها بعيدًا عن المُتحدِّثين والمُتكلِّمين؛ لعدم التفكير في حديثهم .
تجنُّب رفع البصر إلى السماء أو التثاؤب، وغير ذلك من الأمور الصارفة للخشوع، والنظر إلى موضع السجود، وعدم الالتفات في الصلاة.
كيفيّة الخشوع في الصلاة
يمكن للمسلم تحقيق الخشوع في الصلاة بعدّة أمورٍ، ومنها ما يأتي:
تجنُّب حديث النفس، والتفكير في أمور الدنيا، وتركيز التفكير في أمور الصلاة، وما فيها من الأقوال، والأفعال.
النظر إلى موضع السجود حال القيام، وإلى الحضن حال الجلوس.
تجنُّب ارتداء ملابس قد تُلهي المُصلّي، وتُشغله.
عدم الإكثار من الحركة، والالتفات أثناء الصلاة.
عدم عدّ الآيات التي تُقرَأ في الصلاة، أو مرّات التسبيح في الركوع والسجود.
حرص المُصلّي على وضع سترة، أو حاجزٍ أمامه.
تدبُّر معاني آيات القرآن الكريم.
استحضار القُرب من الله -تعالى- في الصلاة، وخاصّةً في السجود الذي يُعَدّ موضع استجابة الدعاء، ورَفع الدرجات.
حُكم الخشوع في الصلاة
اختلف الفقهاء في حُكم الخشوع في الصلاة؛ فذهب الجمهور إلى القول بأنّ الخشوع سُنّةً من سُنن الصلاة، واستدلّوا على ذلك بعدم بطلان صلاة من فكّر بأمرٍ من أمور الدنيا، ويُحكَم على صلاته بالصحّة، خاصّةً إن كانت أفعالها صحيحةً، إلّا أنّ الإمام الغزالي جعله شرطًا من شروط صحّة الصلاة؛ استدلالًا بعدّة أدلّةٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، يُذكَر منها:
قول الله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري)، وظاهر الأمر في الآية يُفيد الوجوب، والغافل عن الصلاة غير المُحقّقِ للخشوع لا يكون مُقيمًا للصلاة، كما قال -تعالى-: (وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ)؛ فالنهي عن الغفلة وعدم الخشوع يُفيد التحريم، وكذلك نُهِيَ السكران عن الصلاة حتى يعلم ويدرك ما يقول؛ لأنّه غافلٌ لا يُحقّق الخشوع.
قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صلاتُهُ بالمعروفِ وتنهاه عنِ المنكرِ لم يزْدَدْ مِنَ اللهِ إلَّا بُعْدًا)، وقال الغزالي بأنّ صلاة الغافل لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر. قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ للعبدِ من صلاتِهِ إلا ما عَقَلَ منها).
قول رسول الله: (إنَّ العبدَ ليصلي الصلاةَ لا يُكتبُ له نِصفُها ولا ثُلُثُها ولا رُبُعُها ولا خُمُسُها ولا سُدُسُها ولا عُشْرُها).
عدم تحقُّق المناجاة لله من الغافل غير الخاشع؛ إذ إنّ المُصلّي يُناجي ربّه في صلاته.
موانع الخشوع في الصلاة
توجد عدّة أمورٍ لا بُدّ للمُصلّي من الابتعاد عنها؛ كي يُحقّق الخشوع في الصلاة، ومنها:
الاختصار في الصلاة: وقد اختلف العلماء في معناه؛ فمنهم من فسّره بوضع اليد على الخاصرة، وقِيل إنّه الاقتصار في القراءة، وعدم إعطاء الصلاة حقّها؛ وذلك بالاختصار من واجباتها.
كثرة العبث والحركة: فقد وضع الله -سبحانه- للصلاة من السُّنَن، والآداب، والشروط ما يجعل المسلم يُتقنها، وينتفع بها في الدنيا والآخرة؛ ولذلك لا تليق بها كثرة العبث والحركة؛ فذلك يُفقد المُصلّي الخشوع.
فرقعة الأصابع: لأنّ ذلك ينافي الخشوع، ومثل ذلك الفعل العبثُ باللحية، أو الساعة، ونحو ذلك.
إلصاق القدمَين: فقال الحنفيّة بسُنّية التفريق بين القدمَين بمقدار أربعة أصابع؛ تحقيقًا للخشوع، وقد عَدّ الشافعية إلصاق القدمَين ببعضهما البعض تكلُّفًا يُنافي الخشوع، وكرهوه، وقالوا بالتفريق بين القدمَين بمقدار شِبْرٍ، أمّا المالكية والحنابلة، فقد قالوا بأن يُفرِّج المُصلّي بين قدميه بالمقدار المعروف عُرفًا، وبقَدْرٍ مُتوسّطٍ؛ بحيث لا يضمّهما، ولا يُوسّع بينهما كثيرًا، وقالوا إنّ التفريق بين القدمَين مندوبٌ.
ثمرات الخشوع في الصلاة
تترتّب العديد من الثمرات، والآثار الحسنة على الخشوع في الصلاة، وفيما يأتي ذِكر البعض منها:
تكفير صغائر الذنوب؛ لقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ).
استجابة الدعاء في الصلاة.
سببٌ في قبول الطاعات، وسائر الأعمال.
نيل الثواب العظيم الذي أعدّه الله -تعالى- لعباده الطائعين. تحقيق صفة الفلاح، لقول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).
حبّ الصلاة والمسارعة إليها، والعون على أداء ما أوجبه الله -تعالى-، والبُعد عمّا حرّمه.
قد يهمك أيضا" :
أرسل تعليقك