القاهرة - مصر اليوم
تقدم "بوابة الأهرام" اليوم الجمعة، في رابع حلقاتها من "نساء حول النبي" سيرة مختصرة للسيدة أسماء بنت أبي بكر (ذاتُ النِّطاقَين) -رضي الله عنها. تقول الواعظة هدير فتاح محمد أحمد من واعظات الأزهر الشريف بمنطقة وعظ أسوان: إن أسماء بنت أبي بكر (ذاتُ النِّطاقَين) رضي الله عنها، لها قصة من أجمل القصص قصة صحابية بنت صحابي أخت أم المؤمنين (السيدة عائشة)، من أوائل الذين أسلموا، وآخر المهاجرات وفاةً، وزوج الزبير بن العوام وأم ولديه عبد الله وعروة رضي الله عنهم جميعًا.
ولدت السيدة أسماء، قبل الهجرة بحوالي ثلاث وعشرين سنة، وهي أكبر من السيدة عائشة ، وكان لها الكثير من الخصال والمواقف فقد ضُرب بها المثل في الشجاعة والقوة، كما كانت محدثة، ورعة راضية، كريمة سخية، صابرة محتسبة.
ولنذكر موقف يدل على قوتها وشجاعتها: فعند هجرة المصطفى مع أبيها؛ كانت تجهز لهما طعام السفر، فلم تجد ما تربط به الطعام، فشقَّت خمارها نصفين وربطت في أحدهما الطعام وارتدت الآخر، فرُوي أن النبي (ﷺ) قال لها: «أَبْدَلَكِ اللهُ بِنِطَاقِكِ هَذَا نِطَاقَيْنِ فِي الجَنَّةِ»، فسُمِّيَتْ بذاتِ النِّطاقَين.
ومن مواقفها التي تدل على أخلاقها الفاضلة وسرعة بديهتها؛ عندما أتى جدها أبي قحافة، تقول السيدة أسماء: "لما توجَّه النبي (ﷺ) من مكة، حمل أبي سيدنا أبو بكر – رضي الله عنه- معه جميع ماله (خمسة آلاف أو ستة آلاف) فأتاني جدي أبو قحافة وقد عَمِي، فقال: إن هذا قد فَجَعَكُمْ بماله ونفسه، فقلت: كلَّا، قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، فعمدتُ إلى أحجار، فجعلتهنَّ في كُوَّةِ البيت، وَغَطَّيْتُ عليها بثوبٍ، ثم أخذتُ بيده، ووضعْتُها على الثوب، فقلت: هذا تركه لنا، فقال: "أما إذ ترك لكم هذا، فنعم".
عاشت السيدة أسماء، حياة صعبة خَشِنَةً بعد زواجها من سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عنه؛ إذ كان فقيرًا لا يملك غير فرسه، وكان في طبعه شدة وكان يغار عليها، فكانت السيدة أسماء تعتني بالفرس وتعلفه وتدق النوى وتحمله على رأسها مسافة طويلة من أرض الزبير، وكان من عظيم عنايتها بزوجها وصبرها معه وتقديرها له أن النبي (ﷺ) لقيها وهي تحمل النَّوى فأراد أن يحملها على دابته تخفيفًا عنها، لكنها اعتذرت له لما كانت تعلمه عن زوجها من غيرةٍ عليها، فأخبرت الزبير، فقال لها: "والله، لحَملُكِ النَّوى كان أشدَّ عليَّ من ركوبِك معه!".
واستمرت على هذا الحال حتى أرسل لها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه خادمة تخفف عنها بعض هذا الحمل الثقيل، فكفتها سياسة الفرس، قالت السيدة أسماء عن هذا الموقف من أبيها: "فكأنما أعتقني".
وكان من شدَّة ورعها أنها حين قدمت عليها أمها وهي لا تزال على الشِّرك وأحضرت لها بعضَ الهدايا لم تقبلها، حتى سألت النبي قائلة له: إنَّ أمِّي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي غير مسلمة) أفأصِلُهَا؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» [رواه البخاري].
وقد روت رضي الله عنها حوالي (58) حديثًا عن النبي (ﷺ)، ثلاثة عشر حديثًا متفق عليه، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة.
وكانت السيدة أسماء، امرأةً كريمة سخية، قال ابنها عبد الله ابن الزبير: "ما رأيتُ امرأة قط أجود من عائشة وأسماء رضي الله عنهما؛ وَجُودُهُمَا مختلف: أما عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدَّخِرُ شيئًا لغدٍ".
ومما يدل على ثباتها واحتفاظها بشجاعتها وقوتها، وسمو نفسها، وكرامتها، بالرغم من كبر سنها؛ فقد كانت في هذا الوقت في سنٍّ كبيرة جدًّا، حوالي 100 سنة، عندما تعرَّض ابنها عبد الله بن الزبير للحصار حين دعا لنفسه بالخلافة، قالت له: "يا بنيّ، عِشْ كريمًا، ومُتْ كريمًا، لا يأخذك القوم أسيرًا".
ضربت لنا السيدة أسماء، أروع الأمثلة في قوة العزيمة والشجاعة، والكرم والعطاء، والصبر والتضحية، فعاشت حياتها على هذا الحال حتى وافتها المنيَّة، تتحمل كل المشاق والصعوبات التي واجهتها، راضيةً النفس بقضاء الله، لتترك لنا القدوة الحسنة في كل ما عاشت وعاصرت في حياتها، ووافتها المنية فتُوفِّيَتْ سنة (73هـ)، فرضي الله عنها وأرضاها.
أرسل تعليقك