القاهرة – محمد الدوي
نقل وزير الخارجية نبيل فهمي رسالة واضحة للإدارة الأميركية، مفادها أن مصر صاحبة قرار مستقل، ولديها خيارات متعددة ومتنوعة على الصعيد الخارجي، وهي في الوقت ذاته صديق لكل من يصادقها، وجاءت زيارة فهمي إلى الولايات المتحدة خلال الفترة من 23 نيسان/أبريل الماضي إلى 1 أيار/مايو الجاري، لتحمل أهمية خاصة من جوانب عدة، من أهمها، كثافة اللقاءات والاتصالات والفعاليات التي أجراها الوزير، حيث تمثل إضافة مهمة ونقلة في العلاقات المصرية الأميركية، نظرًا إلى ما حققته من نتائج وأهداف تمخضت عنها.
فلاشك أن حجم الولايات المتحدة وتأثيرها الكبير في الشؤون العالمية والإقليمية جعل من الأهمية بمكان التواصل مع الساحة الأميركية بمختلف مكوناتها سواء الرسمية أو مراكز الأبحاث أو الإعلامية.
وعلى الرغم من أن اتصالات الوزير فهمي مع نظيره الأميركي جون كيري مستمرة على مدار السبعة أشهر الماضية، فكان من المهم القيام بزيارة إلى الولايات المتحدة في ضوء حجمها السياسي والاقتصادي، وأهمية التواصل مع دوائر صنع القرار الرسمية والأكاديمية والإعلامية.
ومن هنا جاءت زيارة الوزير إلى واشنطن، ولاسيما مع توافر جوانب إيجابية لتلك العلاقات، ما يجعل لها، دون شك، مردود واسع على الساحة المصرية، والعكس صحيح فإن تفاقم المشاكل وتعميق الفهم لدى الجانب الأميركي بشأن حقيقة الأوضاع في مصر، وتركه دون شرح أو معالجة، يكون له تداعيات كثيرة على المصالح المصرية إذا تركت دون التعامل الحكيم معها.
ومرت بالفعل أشهر عدة منذ زيارة الوزير فهمي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، ثم جاءت زيارة جون كيري في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وبعد تشاور بين الجانبين تم تحديد توقيت زيارة الوزير فهمي إلى الولايات المتحدة بعد اتصالات متواصلة بين وزيري الخارجية، حيث كانت هناك رؤية مشتركة لأهمية إتمام تلك الزيارة مع قرب استكمال الخطوة التالية في خارطة الطريق بإتمام الانتخابات الرئاسية، وضرورة وضع أرضية قوية لمستقبل العلاقات بين البلدين ورؤية مشتركة بأن الأوضاع الإقليمية المتوترة والمتعددة تفرض على البلدين بنفوذهما الإقليمي والدولي التشاور بقدر أكبر من التفاصيل، كما رؤي أيضًا أن مصر بدأت الدخول في مرحلة الاستقرار السياسي والاقتصاد، مع ضرورة التحاور مع رجال الأعمال والمستثمرين الأميركيين.
وتضمنت زيارة فهمي للولايات المتحدة لقاءات متشعبة ومتنوعة ومتعددة مع مؤسسات صنع القرار وقادة الفكر والرأي ورجال الأعمال والإعلام، وبدأت بزيارة إلى منطقة الساحل الغربي في سان فرانسيسكو، نظراً إلى أهميتها الاقتصادية الكبيرة، حيث شملت لقاءات مع رجال الأعمال والمستثمرين لجذب الاستثمارات إلى مصر وقادة الفكر والرأي وممثلي المؤسسات الإعلامية المحلية لشرح حقيقة الأوضاع المصرية.
ثم انتقل الوزير إلى العاصمة واشنطن، حيث تم ترتيب برنامج مُكثَّف لزيارة جميع دوائر صنع القرار وتشكيل الرأي العام في الولايات المتحدة، وبدأت تلك اللقاءات والفاعليات بإلقاء خطاب شامل لوزير الخارجية عن مستقبل السياسة الخارجية المصرية أمام مركز للدراسات الإستراتيجية والشؤون الدولية، أحد أهم مراكز الأبحاث هناك، حيث تضمن الخطاب شرحًا وافيًا لأسس تفكيرنا المستقبلي ونقل رسالة للساحة الأميركية بأن مصر استردت عافيتها وتمارس دورها ولها طموحات إقليمية دولية، فضلًا عن شرح لعملية التحول الديمقراطي، وما تم إنجازه على صعيد الدستور، وشرحًا للأحكام القضائية الأخيرة.
كما التقى الوزير مع نخبة من المفكرين والأكاديميين في مركز "وودرو ويلسون"، وفي مجلس العلاقات الخارجية، يضاف إلى ذلك لقاءات مع سياسيين قُدامى وإعلاميين متميزين، مثل: كيسنجر، وريتشارد هاس، وتوماس فريمدمان، ونيجربونتي.
كما أدلى الوزير بأحاديث تلفزيونية وإذاعية عدة، لأهم المحطات الإعلامية الأميركية، ومع أبرز مقدمي البرامج الحوارية، مثل: تشارلي روز، وفريد زكريا، وأندريا ميتشيل، وديفيد سيغال، ومن ثم، جاءت لقاءات الوزير مع مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام لتقدم شرحًا للمفاهيم والرؤى المصرية، وتصحح المعلومات، وترد على بعض الإدعاءات غير الصحيحة.
وامتدت لقاءات وحوارات الوزير مع ممثلي الإدارة لتشمل بالإضافة إلى وزير الخارجية جون كيري أيضًا البيت الأبيض، حيث التقى مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، بالإضافة إلى البنتاغون، ولقاء وزير الدفاع تشاك هاجل، وذلك يعكس تعدد المحاور للعلاقات المصرية الأميركية.
وفي تلك اللقاءات نقل الكثير من الرسائل المصرية المهمة، كما أنها وفرت فرصة أيضًا للرد على الكثير من التساؤلات الأميركية بشأن الواقع المصري، ولاسيما الأحكام القضائية الأخيرة، ومسار تنفيذ خارطة الطريق.
وما يمكن استخلاصه من تلك اللقاءات، أن البلدين لديهما اهتمام قوي بمواصلة التعاون فيما بينهما، مع التشديد على استقلالية القرار المصري، والتعامل بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والندية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ويضاف إلى ذلك الاتفاق على الاستفادة من الفرص التي توفرها برامج المساعدات الأميركية إلى مصر دون محاولة استغلالها كأداة للضغط، وفي هذا الصدد أبرز الجانب المصري أن التعاون الاقتصادي، هو الذي يسمح ببناء وتطوير المؤسسات، ويزيد من كفاءتها ويُحقِّق التنمية، في حين أن التعاون العسكري له طبيعة إستراتيجية، ومن ثم لابد من التعامل معه بحساسية، ولاسيما دون المساس باستقراره باعتبار أنه يوجه إلى مجالات ترتبط بالأمن القومي والسيادة ومكافحة الإرهاب.
وجاء الطرح الأميركي خلال لقاء الوزير فهمي، مع كبار المسؤولين الأميركيين ليؤكد على أهمية مصر ودورها ومكانتها الإقليمية والثقة في إنجاح التطور الديمقراطي فيها، والدعم الكامل لخارطة الطريق، وقبول الطرح المصري بالتمسك باستقلالية القرار.
كما جاء تأكيد الإدارة، على أهمية التعاون البنَّاء مع القيادة المصرية المنتخبة، غير أنه يلاحظ تكرار الحديث مع ممثلي الإدارة الأميركية، ومراكز البحث، ووسائل الإعلام عن قضايا حقوق الإنسان في مصر، والأحكام القضائية الأخيرة، فضلًا عن قضية الصحافيين.
وفيما يتعلق بنتائج زيارة الوزير فهمي فيمكن إجمالها في الآتي، خلال فترة التمهيد والتحضير للزيارة جرت اتصالات بين وزيري الخارجية على مدار شهرين اتسم الحديث خلالها بالصراحة الكاملة في ما يتعلق بما تواجهه العلاقات من مشاكل وضرورة وجود رؤى وأسلوب مختلف في التعامل مع القضايا القائمة، وتهيئة المناخ لعلاقة مستقبلية تستند إلى الاحترام المتبادل، والندية في التعامل، وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل.
وأحد الخطوات التي تم اتخاذها للتمهيد للزيارة، وضمان نجاحها، كان القرار الخاص بالإفراج عن الطائرات الأباتشي بعد مشاورات "أميركية/أميركية" داخلية، امتدت لأسابيع عدة.
ونقل رسالة واضحة للساحة الأميركية بأن مصر صاحبة قرار مستقل، ولديها خيارات متعددة ومتنوعة على الصعيد الخارجي، وهي في الوقت ذاته صديق لكل من يصادقها، والاهتمام الأميركي الكامل بالتشاور مع القيادة المصرية الجديدة المنتخبة في أقرب فرصة ممكنة، وفور إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتأكيد الأميركي الكامل على أهمية العلاقات مع مصر باعتبارها قوة إقليمية مُؤثِّرة، ووجود مصالح متبادلة تتجاوز كثيرًا مجرد إعطاء مساعدات من طرف لطرف آخر، ولتكون علاقة مشاركة كاملة وليست علاقة مانح بمتلقي، والحديث عن مستقبل العلاقات بين البلدين، وضرورة وضع أسس واضحة لها تستند إلى الاحترام المتبادل والبناء على نقاط الاتفاق وحسن إدارة نقاط التباين.
الاتفاق على مراجعة برنامج المساعدات، وسبل وأساليب تطويرها، ولاسيما في الشق الاقتصادي وضمان استقرارها في المجال العسكري والأمني.
وتقديم شرح كامل بما تم إنجازه على صعيد تنفيذ خارطة الطريق، ولاسيما إقرار الدستور، وما تضمنه من مواد غير مسبوقة في ضمان الحقوق والحريات، ونقل الصورة الحقيقية للأوضاع في مصر، وشرح ملابسات الأحكام القضائية الأخيرة، وتأكيد استقلالية القضاء المصري.
والاتفاق الكامل على خطورة ملف الإرهاب، والتعاون الأميركي الكامل مع مصر في مواجهته، وتأكيد الجانب الأميركي على أعلى مستوى بأنه لا توجد أية مؤامرات على مصر وأن الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على نجاح عملية التحول الديمقراطي فيها.
والتحول من الدفاع إلى المبادرة من الجانب المصري وإظهار الثقة في النفس وهو ما تحقق إلى حد كبير، حيث لا يشكك أحد في مصداقية ذلك باستثناء تكرار إثارة موضوعات حقوق الإنسان وبصفة خاصة الأحكام القضائية الأخيرة.
إن اللقاء مع كيري، وما تم خلاله، من تناول لقضايا إقليمية ودولية، يعكس في حد ذاته احترام كامل للدور المصري الإقليمي والعالمي، بما في ذلك رؤية مصر في قضايا مهمة كالعلاقة مع إيران والأوضاع في ليبيا والقضية الفلسطينية والأزمة السورية وقضايا الأمن الإقليمي ومنع الانتشار، فضلًا عن تطورات الأزمة الأوكرانية، وهو ما يعكس تعافي مصر وعودتها لممارسة دورها الإقليمي والدولي.
يضاف إلى ذلك نقل الموقف المصري من قضية الأمن المائي والالتزام بسياسة تنويع البدائل والخيارات الخارجية لإضافة شركاء جدد كروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند والبرازيل وغيرها.
كما وفر لقاء الوزير فهمي مع سكرتير عام الأمم المتحدة، خلال توقفه في نيويورك في ختام زيارته للولايات المتحدة فرصة مهمة للتشاور بشأن التعاون المشترك في عمليات حفظ السلام الأممية في أفريقيا، وإدانة أعمال الإرهاب التي تواجهها مصر، وفهم حقيقة التطورات الداخلية.
أرسل تعليقك