القاهرة - مصر اليوم
أشاد مستشار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ورئيس منظمة "أنا ليند" للحوار بين الثقافات، أندري أزولاي، بإقرار التعدُّدية الدينية ضمن التعديلات الدستورية في المغرب العام 2011، مدلّلًا على ذلك بإنهائه فترة رئاسته الثانية للمنظمة؛ حيث كان مرشح المغرب للمنصب، باعتباره مستشار الملك.
كما أبدى أزولاي فخره بترشيح الجامعة العربية له للمنصب ذاته، مضيفًا خلال حواره مع صحيفة "الأهرام" المصرية: "أعتقد أنني حالة تاريخية نظرًا إلى خلفيتي الشخصية؛ فأنا مواطن مغربي بربري ويهودي، وكان شرف لي أنَّ أحظى بالإجماع العربي للترشُّح لشغل منصب مهم في منظمة مهمة ومركزية وحيوية كمنظمة "أنا ليند" في ذلك الوقت، وتحمُّل تلك الأجندة الثقيلة خلال ست سنوات، فنحن نعيش فترة تاريخية، والتاريخ يطرق أبوابنا وما يجري في تلك الفترة يؤثر فينا ليس لليوم أو غدًا ولكن على المدى البعيد، إنه تاريخ".
وأضاف أزولاي: "لا أعتقد أبدًا بل وأشعر بالرعب من مصطلح "نظرية صراع الحضارات"، ولم أقبلها وأعتقد أنَّ ما نواجهه حقًا هو "الصراع مع الجهل"، وتعمل منظمة "أنا ليند" جاهدة على رأب تلك الفجوة من خلال المصارحة، واستدعاء الثقافة في مقاومة إغراء أفكار العنصرية، والخوف المرضي، التطرُّف، ومنطق الإقصاء، و الخوف من الآخر، وقلت أنه يجب علينا المقاومة ونحارب ذلك ويجب أنَّ نكون معًا في الشمال والجنوب ونقول لا لهؤلاء الذين يستخدمون معتقداتنا، وتاريخنا وتراثنا".
وعن الأزمة الفلسطينية، ذكر أزولاي: "هناك بعض المواضيع التي من سوء الحظ في قلب الأزمة التي نواجهها اليوم في منطقة المتوسط، وقلت خلال مناقشاتي الافتتاحية عن القضية الفلسطينية، إنه لا يمكننا فقط أنَّ نطالب ونستدعي الشركاء الأوروبيين والمتوسطيين ونكتفي فقط بمشاهدة ما يجري، هناك فرص عديدة لتحقيق السلام في المنطقة قد ضاعت، هناك توقعات كبيرة ضاعت دون أنَّ تجد أي استجابة أو رد، وقلت أنه لا يمكننا تحمل عبء البقاء صامتين أمام ما يجرى دون استدعاء مجتمعاتنا المدنية، وهي خريطة الطريق بالنسبة لمنظمة "أنا ليند" لفعل شيء، فلا يمكن أنَّ نقبل بالبقاء في الوضعية المتجمِّدة إلى الأبد، فليس لهذا أي معنى لأي أحد، إنني أقول من موقعي وعن نفسي أنني كي أحمي روحانياتي، وتاريخي، وتراثي كشخص يهودي يجب علينا أنَّ أقاتل من أجل الحقوق الفلسطينية، وإذا لم أفعل ذلك فسيضيع تاريخي، وتراثي، وسوف أفقد مشروعيتي وأفقد القوة والواقعية، وقد دفعت لليهودية ثمنًا كافيًا عبرالتاريخ وهو ما يدفعنا جميعًا ألا ننسى أنَّ الحرية، والكرامة، والعدالة التي طالما حرم منها اليهود لوقت طويل، لا يمكن إنكارها على أشخاص آخرين".
وأكمل أزولاي: "وأنا أرى ضرورة وجود دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية ولها نفس الحقوق من الحرية والكرامة والعدالة، وقلت بصراحة ووضوح أمام ثلاثمائة من ممثلي المجتمعات المدنية العربية في مكتبة الإسكندرية إنَّ وقت المعايير المزدوجة للحرية والكرامة قد انتهي، ولا يمكنني التفكير في معيار للحرية والكرامة بالنسبة للفلسطينيين مختلف عما هو للإسرائيليين فأنا أكره نظام المعايير المزدوجة هذا.
وبشأن الجدل في إسرائيل حول تشريع "يهودية الدولة"، أي تعريف أنها دولة لليهود فقط، ذكر أزولاي: "أعتقد كيهودي أنني لن أدع أحدًا يتكلم باسمي ولا يسعني إلا أنَّ أرفض ذلك واليهود موجودون في كل أنحاء العالم، وبصراحة لا أعتبر أنَّ هذه القضية هي الأكثر إلحاحًا للنقاش الآن، ما يربكني هو أنني لا أفهم لماذا يطرح على الطاولة المبادرة العربية للسلام وهي في رأيي خريطة الطريق المثالية للجميع، بما فيهم إسرائيل، للتوصُّل نهائيًا لاتفاق، وهذه المبادرة تشمل كل شيء وهي ليست مبادرة عربية فقط، بل حظيت بموافقة منظمة المؤتمر الإسلامي وهو ما يعني تأييد العالم الإسلامي كله، وأرى أنها فرصة لا يجب أنَّ نهدرها كغيرها، وإلا سيكون هناك فرصًا محدودة للسلام، ولا أفهم كيف أنه في العالم الغربي لم أجد أي برلمان أوروبي أو أي دولة أوروبية على سبيل المثال، تناقش تلك المبادرة لفهم معناها، لم أر الكونجرس الأميركي ينفق عدّة ساعات لمحاولة فهم تلك المبادرة ولماذا لا نتعامل معها كيف يمكن حدوث ذلك؟!!".
وشدَّد أزولاي على أنَّ هناك بعض المتعصبين في الغرب يربطون مباشرة بين الإسلام والتطرُّف، مضيفًا: "وأنا أشعر تمامًا وبشكل كامل بالاهتمام عندما يتعرض أخوتي وأصدقائي المواطنين المسلمين للاعتداء، وأشعر أنني شخصيًا تعرضت للاعتداء فأنا أيضًا ضحية الخوف المرضي من الإسلام "الإسلاموفوبيا"، وأرى ذلك وأستشعره كضحية، وعلى سبيل المثال فأنا شخصيًا إذا كان عليّ أنَّ أحارب معاداة السامية، وبالمناسبة عندما يحدث معاداة للسامية فإنَّ ذلك يقترن أيضًا في دول عديدة بـ"الإسلاموفوبيا"، وكمواطن يهودي أرى على سبيل المثال أنه إذا لم أرفض وأقاوم بكل قوة الـ"إسلاموفوبيا" وأعلن عن ذلك بأعلى صوتي، فلا يمكنني إذن أنَّ أعلن عن رفضي ومقاومتي لمعاداة السامية، فلا يمكنك مقاومة هذه الخطابات القمعية العنصرية والبالية عندما تتعرض لها كشخص، فأنا أشعر شخصيًا كما قلت بالإساءة وأرى نفسي كضحية عندما أرى تلك الدعاوى كـ"الاسلاموفوبيا" تعاود الظهور في كل مكان وهو شيء غير مقبول، ومن مسؤوليات منظمة "أنا ليند" أنَّ تعطي الفرصة للمجتمع المدني والقادة، وصانعي القرار، أصحاب الرأي في المجتمعات الغربية والأوروبية لفهم أنَّ هؤلاء الذين يوظفون الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية يستغلون الجهل، وفي اليوم الذي نتحرك فيه بأقصى قوتنا لملء تلك الفجوة عندها فقط سوف نعطي المزيد من فرص النجاح لعملية مقاومة تلك الافكار".
وأبدى أزولاي فخره واعتزازه بكونه مغربيًا، وانتمائه إلى تاريخ عربي وتراث بربري، وديانة يهودية، وهو ما يرسل برسالة إلى من لا يفهمون حقًا ما الذي يعنيه عربي من جنوب البحر المتوسط، وأننا على العكس مما يقولون نحن عصريون، وأصحاب عقلية متفتحة وديناميكية، وهي القيم التي تنحسر الآن في الشمال وهي إشارة قوية للغاية، وعلينا جميعا أنَّ نشعر بالفخر لانتمائنا إلى تلك المنطقة، بحسب قوله.
وفي إطار آخر، ذكر أزولاي أنَّ من أهم التعديلات الدستورية في المغرب، والتي اقترحها وأقرّها العاهل المغربي محمد السادس العام ٢٠١١ هو النص والإقرار بأنَّ المجتمع المغربي كما هو اليوم صاغته وساهمت في تكوينه تاريخيًا الحضارات العربية الإسلامية، والبربرية، واليهودية، والأصول الأفريقية الحسنية للمغرب، وتم النص في الدستور صراحة على ذلك، ولا أعرف في العديد من دول العالم الغربي دساتير بها مثل هذا النص الواضح والقاطع على شرعية التعدُّدية في تكوين العقلية المغربية، وهو دستور يعكس للعالم اليوم ماذا يعني كونك من أصول حضارية عربية إسلامية.
وبشأن تزايد التلاسُن الإعلامي المتبادل في مصر والمغرب، ومدى تأثيره على العلاقات المشتركة، أكد أزولاي أنَّ "مثل تلك الأشياء والمواقف البالية، والقمعية، والمخزية، الغير المقبولة توجد في كل الأديان وليس فقط في المجتمعات الإسلامية وعلينا أنَّ نرفضها، وأنا أنتمى إلى مجتمع كبير فيه المسلمون والمسيحيون واليهود الذين يرفضون أنَّ توظف معتقداتهم سياسيًا، بل على العكس أرى أنَّ من يوظفون المعتقدات الدينية لتوجيه خطابات سياسية، هم بالتحديد من لا يريدون تقديم إجابات سياسية للقضايا السياسية، وهؤلاء الذين يستخدمون الأديان لصالحهم هم من يقوضون الأديان".
أرسل تعليقك