أثار حكم البراءة الذي حصل عليه الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ووزير داخليته اللواء حبيب العادلي و6 من معاوني الأخير، من اتّهامات بالتورُّط في قتل المتظاهرين إبان ثورة 25يناير 2011، في القضية التي عُرِفت بـ"قضية القرن"، استياءً واسع النطاق في مصر.
كما انطلقت تظاهرات عدّة، وكان على رأسها احتجاج العشرات في ميدان عبدالمنعم رياض بالقرب من ميدان التحرير، وسط القاهرة، واندلاع مناوشات مع قوات الأمن التي أغلقت الميدان وأطلقت طلقات تحذيرية لتفريق المتظاهرين.
وتُعدّ هذه الأحكام "نهائية" لكنها "غير باتّة"؛ حيث تبقى درجة أخيرة من درجات التقاضي أمام محكمة النقض، وهي أعلى سلطة قضائية مصرية، والتي من المقرَّر أنَّ تنظر في طعون سيقدّمها النائب العام، المستشار هشام بركات، للمرة الأخيرة، فإذا رفضتها تصبح أحكام البراءة نهائية، أما في حال قُبلت تلك الطعون، فتتولى محكمة النقض "مباشرة" إعادة محاكمة المتّهمين في الوقائع كافةً التي تضمنتها القضية.
وعما سبق ذكره، أكد وزير العدل المصري، المستشار محفوظ صابر، أنَّ السلطة التنفيذية لا علاقة لها بأحكام البراءة الصادرة بحق مبارك ورموز نظامه، وتُعدّ النيابة العامة الجهة الوحيدة التي لها الحق في الطعن على تلك الأحكام.
وأضاف صابر، خلال حوار خاص مع صحيفة "الأهرام" المصرية، أنه "لا دستورية لعقد محاكمات ثورية طالما صدرت أحكام قضائية ضد المتهمين في الجرائم المنسوبة إليهم.
وأكد الوزير أنَّ الرئيس عبدالفتاح السيسي كلفه بتنفيذ توصيات قاضي محاكمة مبارك المتعلقة بضرورة تعديل قانون الرشوة، فيما يتعلق بمسألة انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، ومراعاة أسر الشهداء والمصابين وصرف مستحقاتهم كافة من خلال تفعيل اللجنة المختصة بذلك، مؤكدًا أنَّ الرئيس شدَّد في توجيهاته علي استقلالية القضاء وأنه لاتعقيب على أحكامه.
وعن تعليقه الخاص على أحكام البراءة، ذكر صابر: "لا تعليق على الأحكام والجهة المختصة بالطعن على أحكام البراءة هي النيابة العامة، باعتبارها تمثل المجتمع، ولكن الدولة ملتزمة بتنفيذ الأحكام، ولا شأن للسلطة التنفيذية بأحكام القضاء.
ونفى الوزير أنَّ تؤثر تعديلات جريمة الرشوة على ما صدر من أحكام قضائية؛ فالقانون لا يطبّق بأثر رجعي، ولكن إذا ما تمّت محاكمة المتهمين عن جرائم أخرى فسيقعوا تحت طائلة التعديلات الجديدة.
وعن طلب البعض عقد محاكمات ثورية أو عسكرية لرموز النظام الأسبق، أكد الوزير محفوظ صابر أنَّ "السيسي أوصى بعدم العودة إلى الوراء، وأنه تم عمل استفتاء على الدستور كاستحقاق أول، وانتخاب الرئيس كاستحقاق ثان، ونحن في انتظار الاستحقاق الثالث في إجراء الانتخابات البرلمانية، والدولة الآن تخضع لدستور يفصل بين السلطات ويحافظ علي حقوق الإنسان، ومن أهم آليات ذلك عدم محاكمة المتهم عن فعل واحد مرتين".
وأضاف: "الشعب في بداية ثورة 25 يناير طالب باللجوء إلى القضاء العادي ومن ثم فلا يجوز الرجوع عن ذلك بعد أنَّ أصدر القضاء أحكامه، وإلا يعد ذلك مخالفة للدستور، وكل الدساتير أكدت ذلك منها دستور 71 ودستور 2013، بأنه لايجوز محاكمة شخص عن تهمة واحدة مرتين"، مؤكدًا أنه "لا علاقة لنا بالإعلانات الدستورية فهي في حكم العدم ولا يمكن بموجبها إجراء محاكمات ثورية".
وبشأن قضايا الكسب الغير المشروع الخاصة بمبارك، ذكر: "تم تقديم مبارك للمحاكمة بتهمة الرشوة من قبل النيابة العامة، وقد صدر بشأنها حكم قضائي بسقوط الدعوي الجنائية، أما فيما يتعلق بقضايا الكسب التي ينظرها الجهاز، فهي مازالت في مرحلة التحقيق، ولم يتخذ بشأنها أيّة قرارات، وهناك تعديل تشريعي بقانون الكسب الغير المشروع حول إدارة جهاز الكسب للأموال المتحفظ عليها، حتي لاتتحمل تلك الأموال أعباء بسبب الظروف الحالية ولاينتقص من قيمتها الفعلية، والعوائد من إدارتها ستتم إضافته لتلك الأموال لحين صدور أحكام قضائية للمتهمين".
وأكد: "الأمر الثاني أنَّ هناك تعديلات على قانون الكسب الغير المشروع تتيح للمتهمين التصالح مع الدولة في كل المراحل؛ ففي مرحلة التحقيق يسدِّد المتهم الأموال التي تكسّبها بطريقة غير مشروعة مضافًا اليها نصفها، وبعد الإحالة إلى المحاكمة الجنائية، يسدِّدها مضافًا إليها مثلها، أو عقب صدور أحكامًا قضائية فيسدِّدها مضافًا إليها ضعفها".
وبشأن قانون التطرُّف، أكد أنَّ مكافحته موجودة في قانون العقوبات الجنائية، ولكن الجديد أنَّ هناك مشروع لقانون الكيانات المتطرِّفة يتم إعداده حاليًا، ويركز على تحديد الكيانات المتطرِّفة ووضعها في قوائم والتحفظ على أموالها وأنشطتها، وهذا القانون يحاكم كيانات وليس أفراد، ويتم دراسة إمكانية وضع عقوبات جنائية لتلك الكيانات عن الجرائم المرتكبة من قِبلهم.
وعن أهم التشريعات التي تعدها الوزارة الآن، أضاف الوزير أنَّ رئيس الجمهورية شدَّد على أهمية التشريعات الخاصة بالاستثمار، وهناك تعديلات تشريعية على قانون الاستثمار الحالي بعد إجراء عدة مقابلات مع وزير الاستثمار والمختصين لوضع أهم النقاط التي ستتضمنها التعديلات، فضلاً عن مراجعة قوانين الدول الأخرى وتجاربهم في مجال الاستثمار للحصول على أفضل ما فيها، بهدف جذب الاستثمار وتشجيع المستثمرين لأن النمو الأقتصادي هو الركيزة الأساسية للتقدم، كما تعكف الوزارة أيضًا على إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، ومن المنتظر إجراء عدة لقاءات مع مندوبين عن الطوائف المسيحية المختلفة للتواصل معهم".
وأكد محفوظ صابر أنه يتمنى إصدار قانون "تقسيم الدوائر الانتخابية" في أقرب فرصة، وهو منظور الآن أمام لجنة الاصلاح التشريعي لوضعه في صيغته النهائية، ومن المنتظر الانتهاء منه الأسبوع المقبل لعرضه على مجلس الوزراء، وبعدها ستحدِّد اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية جدول زمني لإجراء انتخابات مجلس النواب.
ويقتصر دور الوزارة في انتخابات الاستحقاق الثالث على إعداد كشوف القضاة والموظفين الذين سيعملون في اللجان وإمداد اللجنة العليا بتلك الكشوف، والأخذ بعين الاعتبار توزيعهم بالقرب من محل إقامتهم، ما لم يبد القاضي رغبة في الانتقال إلى دائرة أخرى غير محل إقامته؛ لوجود علاقة له مع أحد المرشحين بدائرته، وقد تم استبعاد القضاة ممن لهم انتماءات سياسية من تلك الكشوف، لإحالتهم للصلاحية.
أرسل تعليقك