أسفرت الجولة الاستطلاعية لوفد "مجلس سورية الديمقراطية"، الذراع السياسية لـ"قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من واشنطن إلى دمشق عن تشكيل لجان بين الطرفين لتطوير المفاوضات بهدف وضع خريطة طريق تقود إلى "دولة ديمقراطية لا مركزية" فرض سيطرتها على جميع المناطق بما فيها شرق نهر الفرات، حيث تقيم قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، بقيادة أميركا.
وقال الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" رياض درار لـ"الشرق الأوسط" السبت: "نعمل على أننا مستقرون في أرض حررنا ونريد أن نعيدها إلى الدولة السورية"، وأضاف: "الدولة ليست النظام. نحن نريد الدولة التي نسعى إليها ما بعد التسوية السياسية"، في وقت أكد صالح مسلم الرئيس السابق لـ"الاتحاد الديمقراطي الكردي" الذراع السياسية لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية الفريق الأساسي في "قوات سورية الديمقراطية"، أن الزيارة إلى دمشق، لم تتجاوز كونها "جسن نبض أسفرت عن تشكيل لجان لحل القضايا الخلافية".
وتُعد هذه المحادثات الأولى الرسمية العلنية بين "مجلس سورية الديمقراطية" ودمشق لبحث مستقبل مناطق الإدارات الذاتية شمال شرقي سورية، بعدما استعادت قوات النظام مناطق واسعة من البلاد خسرتها منذ 2011 وباتت تسيطر حاليا على نحو 60 في المائة من الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع.
وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" التي تعد "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري على نحو ثلاثين في المائة من مساحة البلاد تتركز شمال شرقي البلاد وتضم 90 في المائة من نفط البلاد ونصف الغاز وأهم المحاصيل الزراعية والسدود، لتكون بذلك ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد الجيش السوري.
وجاءت زيارة وفد "مجلس سورية الديمقراطية" التي بدأت الخميس، إلى دمشق بدعوة من الحكومة السورية، حسب بيان لـ"المجلس". وأضاف أن الهدف هو "وضع الأسس التي تمهد لحوارات أوسع وأشمل لحل كل المشكلات العالقة، حيث جرى اتخاذ قرارات بتشكيل لجان على مختلف المستويات لتطوير الحوار والمفاوضات وصولا إلى وضع نهاية للعنف والحرب التي أنهكت الشعب والمجتمع السوري من جهة، ورسم خارطة طريق تقود إلى سورية ديمقراطية لا مركزية".
ولم يوضح البيان عدد اللجان أو موعد تشكيلها أو مضمونها، كما لم يحدد مواعيد أي محادثات مقبلة. لكن مصادر أفادت أن اللجان ستشمل قضايا عسكرية وأمنية واقتصادية وخدمية وقانونية "بحيث يحدد لكل لجنة دورها وأعضائها وآلية عملها وصولا إلى تفاهمات".
وجاء الاتفاق على تشكيل اللجان كحل وسط بين موقفي الطرفين، ذلك أن دمشق "تريد البدء بتسليم المعابر الحدودية مع تركيا والعراق وإرسال الأمن إلى مناطق شرق نهر الفرات"، فيما ركز وفد "المجلس" على أولوية "استعادة الخدمات وتوفير الكهرباء والتعليم والسجل المدني قبل الانتقال إلى القضايا الأكبر المتعلقة بالسيطرة على الحدود وانتشار الأمن". وقال قيادي في "المجلس": "لدينا قوات شرطة محلية قادرة على حماية موظفي الحكومة لإصلاح المؤسسات الخدمية والعمل فيها".
من جهته، قال درار إن تشكيل اللجان "يوفر القاعدة التفاوضية للمستقبل وصولا إلى دولة ديمقراطية لامركزية"، لافتا إلى أن مؤسسات "المجلس" لديها الكثير من المهمات في الفترة المقبلة، وهي تعمل على عقد مؤتمر حوار سوري - سوري في عين عيسى في ريف الرقة أو الطبقة لاستكمال الحوارات بين الأطياف السورية، بعد مؤتمر "مجلس سورية الديمقراطي" الذي عقد في الطبقة قبل أسابيع وضم نحو 300 شخص.
وقال سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي" لوكالة الصحافة الفرنسية إن "وظيفية اللجان وضع خريطة طريق لتكون سورية لا مركزية. عملية التفاوض ستكون طويلة وشاقة، لأن السلطة في دمشق وبنيتها مركبة على أساس شديد المركزية".
ولم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي من دمشق، وتصر دمشق على استرداد مناطق البلاد كافة بما فيها مناطق الأكراد، لكن وزير الخارجية السورية وليد المعلم أعرب العام الماضي عن استعداد دمشق للحوار مع الأكراد بشأن إقامة "إدارة ذاتية"، بينما لوح الرئيس بشار الأسد في مايو/ أيار بعمل عسكري ما لم تنجح المفاوضات.
وطوال سنوات النزاع، بقيت المواجهات العسكرية بين قوات النظام والمقاتلين الأكراد محدودة وحصلت تفاهمات في مناطق عدة لمنع حصول صدام.
وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ الأكراد في سورية مع انسحاب قوات النظام تدريجيا من مناطقها في عام 2012، ليعلنوا لاحقا الإدارة الذاتية ثم النظام الفيدرالي قبل نحو عامين في منطقة "روج أفا" (غرب كردستان)، وتضم هذه المنطقة الجزيرة (محافظة الحسكة)، والفرات (شمال وسط، تشمل أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة)، وعفرين (شمال غرب) التي باتت منذ أشهر تحت سيطرة قوات تركية وفصائل سورية موالية. وأوضح درار: "جرى في الفترة الأخيرة التراجع عن موضوع الفيدرالية والتركيز على اللامركزية لأسباب تفاوضية، وإن كانت مؤسسات الفيدرالية لا تزال موجودة شمال شرقي سورية".
وتأخذ دمشق على المقاتلين الأكراد تحالفهم مع واشنطن، التي قدمت لهم عبر التحالف الدولي غطاء جويا لعملياتهم العسكرية ضد "داعش" ودعمتهم بالتدريب والسلاح والمستشارين على الأرض مع وجود عدد من القواعد العسكرية الثابتة.
وإذ قال العضو الكردي في مجلس الشعب (البرلمان) السوري عمر أوسي لوكالة الصحافة الفرنسية الجمعة من دمشق أن المفاوضات ترمي إلى "تسهيل دخول الجيش السوري إلى المناطق ذات الغالبية الكردية وإعادة مؤسسات الدولة إليها في مقابل اعتراف الدستور المقبل بالمكون الكردي.. ومنحه حقوقه الثقافية"، أوضح درار: "نعمل على أننا مستقرون في أرض حررنا ونريد أن نعيدها إلى الدولة. الدولة ليست النظام. نحن نريد الدولة التي نسعى إليها ما بعد التسوية السياسية".
وفي مقابل تخلي أكراد الشمال عن "الأجندات الخارجية والحكم الذاتي" وفق أوسي، فإن "الحل الأمثل سيكون بتطوير قانون الإدارة المحلية" رقم 107 الصادر في عام 2012 من أجل تفعيل الإدارات المحلية في إطار اللامركزية الإدارية.
وإذا كانت واشنطن دعمت الأكراد في كل معاركهم ضد تنظيم "داعش"، امتنعت عن دعمهم في مواجهتهم مع القوات التركية في عفرين ضمن عملية "غصن الزيتون" التي سهلتها موسكو، وتصنف أنقرة "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي وذراعه العسكرية "وحدات الحماية" على أنهما "إرهابيان".
وبعد تهديد أنقرة مرارا بشن هجوم ضد المقاتلين الأكراد في مدينة منبج (شمال)، انسحب المقاتلون الأكراد من المدينة بناء على اتفاق أميركي - تركي. وكشفت مصادر مطلعة لـ"الشرق الأوسط" أن وفد "مجلس سورية الديمقراطي" كان برئاسة إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية وضم خمسة أشخاص بينهم إبراهيم القفطان رئيس "حزب سورية المستقبل" وهو من السياسيين الصاعدين في منبج، وأوضحت المصادر: "أي اتفاق سيتم مع دمشق سيشمل منبج أيضا ونريد ضم منبج إلى الدولة السورية الجديدة".
أرسل تعليقك