كشفت دراسة مطولة أعدها مركز "نيو أميركا " في واشنطن، عن وجود علاقة تعاون بين إيران وتنظيم "القاعدة" خلال سنوات كثيرة، وأن هذا التعاون كان الهدف منه تمكين "القاعدة" لخدمة مصالحها.
واعتمدت الدراسة على 300 وثيقة سرية حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" بعد الهجوم على المجمع الذي كان يسكن فيه زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، في أبوت آباد الباكستانية عام 2011 ، و وفق التقرير، لم يكن التعاون بين إيران و"القاعدة" ، على أساس استراتيجي، وذلك بسبب الاختلاف الآيديولوجي، وغياب الثقة بين الطرفين، بل كانت علاقاتهما بسبب المصالح المتبادلة التي تقتضيها ظروف كل مرحلة.
و ركز التقرير على وثيقتين من وثائق "سي آي إيه" ، واحدة منهما من 19 صفحة خصصت للعلاقة بين "القاعدة" وإيران ،و تقول هذه الوثيقة إن أي تعاون قد تقدمه إيران إلى "القاعدة" ، سيكون مبنيًا على أساس خدمة سياستها الخارجية ضد الولايات المتحدة ، ووصفت الوثيقة هذه السياسة بأنها تتسم بخصومة حقيقية وأنها ليست مسرحية افتراضية.
وقالت الوثيقة إنّ إيران "مستعدة إلى تقديم دعم ومساعدة بالمال والسلاح، وكل ما هو مطلوب وأن النظام الإيراني يجسد البراغماتية السياسية المبنية على أساس الغاية تبرر الوسيلة" ، و ذهبت الوثيقة أبعد من ذلك حين ذكرت بين أمور أخرى ، أن الإيرانيين اقترحوا على بعض الجهاديين الجدد التدرب في معسكرات حزب الله في لبنان من أجل مهاجمة مصالح أميركية في السعودية والخليج ، وتشير إحدى الوثائق أن إيران حاولت ﻓﻲ ﻋﺎم 2004، إقناع بن لادن بالتوسط لوقف هجمات أبو مصعب الزرقاوي ضد الشيعة ومواقعهم المقدسة في العراق.
"القاعدة" تصف الولايات المتحدة بـ"العدو الحالي" و إيران "العدو المؤجل"
وكان رأي "القاعدة" أن إيران وضعت في البداية سياسة مرنة نحوها، وذلك منذ تأسيسها عام 1988 ، لهذا لم يجد أفراد التنظيم، بل حتى أفراد أسرة بن لادن، غضاضة في اللجوء إلى إيران بعد هجمات 11 سبتمبر / أيلول، وما تلاها من سقوط طالبان ، وأيضًا استخدم "القاعدة" إيران ممرًا لتهريب الأشخاص والمال سرًا ،وعلى الرغم من ذلك، فإن الوثائق لا تخفي عدم الثقة القائمة بين الطرفين وتصوير "القاعدة" لإيران على أنها كيان معاد، وأن زيارة أو إقامة أعضاء من "القاعدة" في إيران، على الرغم من اعتراض البعض، كانت ملاذًا مؤقتًا، أو ممرًا آمنًا لدول أخرى، كما توضح الوثائق.
و أثبتت عدم الثقة بين إيران و"القاعدة" وثيقة من وثائق "القاعدة" تصف الولايات المتحدة بأنها العدو الحالي، وأن إيران هي العدو المؤجل ، وفي الوقت نفسه، تعرض أفراد "القاعدة" في إيران للاعتقال مرات كثيرة ،مثلًا بعدما أخل بعضهم بشروط الإقامة، أو تناقلوا آراء عدتها حكومة إيران مخالفة لسياسة إيران ، وأيضًا نشطت الاستخبارات الإيرانية في متابعة هؤلاء الأفراد، والتجسس عليهم، ومراقبة اتصالاتهم التليفونية وتحركاتهم ، و لكن تغيرت سياسة إيران نحو "القاعدة"، عما كانت عليه خلال الثمانينات والتسعينات، عندما وقع هجوم "11 سبتمبر / أيلول" على الولايات المتحدة، وأعلن بوش الحرب ضد التطرف ، ووضع إيران في قائمة محور الشر.
و قلّ عامل عدم الثقة وفق تقرير مركز "نيو أميركا"، وذلك لسببين ، في جانب إيران، صارت تريد تحالفات معها ضد الولايات المتحدة ، وفي جانب "القاعدة"، احتاجت إلى إيران، ملجأً بعد أن بدأ قادتها يفرون من أفغانستان ، وكشفت الوثائق أن "القاعدة" كانت براغماتية في جهودها لتأمين الملجأ لقادتها، أو الإفراج عن قادتها الذين اعتقلوا هنا وهناك ، وقال تقرير "نيو أميركا" "بسبب التزام القاعدة بمبادئها الآيديولوجية، بخاصة رفضها شرعية أنظمة دول مسلمة، بما فيها إيران، تعرقل التعاون بين الجانبين على مستوى استراتيجي أكبر".
وثائق بن لادن تكشف دعم إيران إلى القاعدة
وأضاف التقرير "تحدت القاعدة المجتمع الدولي من خلال شن حملة عالمية متطرفة ، بينما رفضت شرعية النظام العالمي، ورفضت شرعية أنظمة في دول أعضاء في هذا النظام العالمي ، و في الشهر الماضي، أصدر فريق من خبراء الأمم المتحدة تقريرًا يفيد بأن زعماء "القاعدة" في إيران أصبحوا أكثر نفوذًا ويعملون مع زعيم التنظيم المتطرف، أيمن الظواهري، للتأثير على الأحداث في سورية ، ونقل التقرير عن سفراء دول أعضاء في الأمم المتحدة أن الإيرانيين والظواهري تعاونوا مع جماعة على صلة بتنظيم القاعدة في إدلب ، وقال التقرير إن العلاقة بين إيران و"القاعدة" قويت في تسعينات القرن الماضي، عندما التقى عماد مغنية ، أحد قيادات ميليشيا "حزب الله"، مع أسامة بن لادن بهدف تبادل الخبرات بين الجانبين.
وأشار التقرير إلى أن وثائق بن لادن التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات الأميركية ، تكشف دعم إيران إلى القاعدة، وأن بن لادن كتب في رسائله الخاصة إن "إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة للأموال، والأفراد، والمراسلات" ، ونقل التقرير تأكيد منشقين عن صفوف التنظيم لهذه العلاقة التي تربط إيران بـ"القاعدة" ، وأشار التقرير إلى قول جمال الفضل، وهو أحد عناصر "القاعدة" المنشقين عن التنظيم، أثناء محاكمة متطرفيين في نيويورك، إن بعض رفاقه سافروا إلى لبنان، حيث تلقوا تدريبات، بشأن كيفية تنفيذ تفجيرات، على أيدي "حزب الله" ، وقال الفضل "رأيت أحد تلك الأشرطة التي توضح كيفية صنع متفجرات لتدمير أبنية كبيرة".
طهران في حلف مع الشيطان لإعادة بناء القاعدة
وكان التقرير الذي أصدرته لجنة تحقيق أميركية بشأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول ، كشف كيف زودت إيران و"حزب الله" تنظيم "القاعدة" بخبرة تقنية كانت مفيدة في تنفيذ تفجيري سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا.
و نشرت صحيفة بريطانية في بداية هذا العام تقريرًا يفيد بأن إيران تخطط لأن تبعث تنظيم القاعدة من رحم تنظيم داعش ، وذلك عبر تنسيق بين طهران وقادة عسكريين من القاعدة سافروا إلى دمشق من أجل تجميع صفوف مقاتلي داعش، وتأسيس تنظيم قاعدة جديد يشبه فيلق القدس وحزب الله ، وقال التقرير إن قيادة التحالف الدولي تخشى أن تستغل إيران الهزائم التي مني بها تنظيم "داعش" في العراق وسورية لتعيد إحياء تنظيم "القاعدة"، وذلك عبر استغلال الروابط التاريخية التي تربط القاعدة مع إيران منذ هزيمة القاعدة في أفغانستان ، وأضاف التقرير، وعنوانه "طهران في حلف مع الشيطان لإعادة بناء القاعدة "لعب السخاء الإيراني دورًا كبيرًا في إعادة إحياء القاعدة".
أرسل تعليقك