طرابلس ـ فاطمة السعداوي
أعلن بعض المتطوعين الذين شاركوا في انقاذ سفينة اللاجئين التي غرقت في البحر المتوسط أنهم كانوا "محظوظين لبقائهم أحياء"، بعد أن اعترض رجال خفر السواحل الليبيون سفينتهم لمنعهم من إنقاذ اللاجئين في البحر، حيث سُجل عدد هائل من الوفيات. وكانت سفينة تديرها شركة "سي واتش" الخيرية الألمانية على وشك توزيع سترات النجاة لمئات من المهاجرين على قارب صيد خشبي في المياه الدولية عندما اقتربت سفينة مدجَّجة بالسلاح.
وقال أوين ثورغيت الذي كان في زورق سريع مع مترجم يتحدث مع من كانوا على متنها، انه تلقى مكالمة انذار لاسلكي مفادها بان "سفينة حربية" في الطريق اليهم. واضاف "عندما نظرنا كان هناك قارب يقترب منا وكان يتجه نحونا بسرعة عالية". وقد صوَّرت المؤسسة الخيرية اللحظات التي مرت بها السفينة العسكرية، وعلى متنها اناس يحملون بندقية بعيدة المدى. وقال روبن لامبارت، قائد السفينة البحرية الثانية، انه ليس لديه "فكرة" عن سبب قيام الليبيين بتلك المناورة "الخطيرة جدا" بعد فشلهم فى الرد على الاتصال اللاسلكي. وقال "لم استطع تجنب ذلك". "وضعوا سفينتهم، وسفينتي، واللاجئين، في خطر كبير.
واضاف "اننا جميعا سعداء لاننا ما زلنا على قيد الحياة ... وما حدث غير مقبول على الاطلاق". وتم تصوير رجال خفر السواحل الليبي وهم يقومون بإجبار المهاجرين على النزول من سفينة الصيد الى سفينتهم دون سترات النجاة . وادعى عاملون آخرون في مجال المساعدات أن تلك الأرواح كانت معرضة للخطر. وتلقت شركة "سي واتش" تعليمات من مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما، ونشرتها في عملية الإنقاذ الأصلية، قائلة إن خفر السواحل الليبي يتحكم في الابحار في الموقع".
وقال أيوب قاسم المتحدث باسم خفر السواحل ان الحادث وقع على بعد 19 ميلا شمال ساحل ليبيا صباح الاربعاء خارج المياه الاقليمية للبلاد. وقال "ان منظمة انقاذ دولية تدعى "سي واتش" حاولت عرقلة عمل خفر السواحل في محاولة لنقل المهاجرين، مدعية ان ليبيا ليست آمنة للمهاجرين"، واضاف انه تم تبادل اطلاق النار مع المهربين، دون تقديم تفاصيل .
وقال مسؤولون ليبيون ان حوالى 350 شخصًا كانوا على متن القارب الخشبي نقلوا الى مركز الاعتقال في طرابلس، على الرغم من ان المهاجرين قالوا لعمال الاغاثة ان هناك اكثر من 500 شخص محاصرون على سطح السفينة وفي الحجز. وتحتاج خمس نساء على الأقل إلى علاج طبي فوري. وقد غادرت السفينة مركز صبراتة للتهريب ليلة الثلاثاء، وحملت طالبي اللجوء من المغرب والدول الافريقية الاخرى والشرق الاوسط. وقال رجل مغربي يبلغ من العمر 24 عاما إنه جاء إلى ليبيا قبل خمسة أسابيع من أجل محاولة الوصول إلى أوروبا، في حين كان مغربي يبلغ من العمر 28 عاما يعمل في البلاد التي مزقتها الحرب لمدة أربع سنوات ولكن اضطر إلى الفرار بعد تدهور الوضع.
وقد سافرت امرأة سورية عبر ست دول للوصول إلى ليبيا، ودفعت 1000 دولار (780 جنيها إسترلينيا) في كل منها وتركت ابنين بعمر 12 و 13 عاما في الأردن. وقد اتهم خفر السواحل الليبي، الذي تلقى تدريبا خارجيا من دول أوروبية بما فيها المملكة المتحدة، بإطلاق النار وضرب المهاجرين وإساءة معاملتهم. وقد اطلق ضباط الشرطة النار على سفينة تابعة لاحدى وكالات الاغاثة العام الماضي، مما ادى الى وقوع اصابات بالاعيرة النارية، في حين ان محاولة سابقة لوقف "سي واتش" في تشرين الاول/اكتوبر ادت الى مقتل 25 لاجئا غرقوا بعد ان بدأ ضابط خفر السواحل في ضرب المهاجرين على زورق مطاطي.
وكثيرًا ما تعيد السلطات الليبية قسرًا زوارق اللاجئين من المياه الإقليمية والدولية على السواء - وهي خطوة تقول الوكالات الإنسانية إنها تنتهك القوانين الدولية ضد الإعادة القسرية. ولم تتمكن حكومة الوفاق الوطني الليبية الهشة حتى الآن من وقف الحرب الأهلية الجارية، حيث تتقاتل كل من حكومتين متنافستين وقبائل و"داعش" من أجل السيطرة على الأرض. وقد سمح تعطل القانون على نطاق واسع لمهربي البشر بتوسيع تجارتهم المربحة، وربطهم بالعصابات الذين يحتجزون المهاجرين، وينهبونهم أو يجبرونهم على العمل في "أسواق الرقيق" والبغاء.
ويعتقد أن ما لا يقل عن 000 20 مهاجر محتجزون في مراكز احتجاز غير نظامية في البلد، حيث يبلغ الناجون عن التعذيب والاغتصاب والمجاعة في ظروف قاسية - مما أثار تحقيقا من جانب المحكمة الجنائية الدولية. وقد انتقدت بشدة التحركات التي قام بها الاتحاد الأوروبي لدعم مراكز الاحتجاز كجزء من مجموعة من الدعم لتعزيز الجهود الليبية ضد تهريب الأشخاص ووقف معابر القوارب في البحر الأبيض المتوسط. ووقعت ايطاليا اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطنى الليبية الهشة فى طرابلس في فبراير/شباط الماضي. ووعدت ايضا بتقديم التدريب والمال لمحاربة تجار البشر - وهو اتفاق اقرته دول الاتحاد الاوروبي في قمة عقدت في مالطا. وينظر الاتحاد الأوروبي أيضا في طلب معدات تشمل سفنًا مسلحة بمدافع رشاشة لخفر السواحل الليبي الذي يحاول زيادة عملياته.
تجدر الاشارة الى ان اكثر من 1300 مهاجر لقوا حتفهم على الطريق حتى الان هذا العام، حيث تم انقاذ 45 الف شخص واقتيادهم الى ايطاليا، بينما عبر 5600 شخص بحر ايجه بين تركيا واليونان. وقد تباطأ هذا الطريق الى حد بعيد منذ بدء سريان الاتفاق بين الاتحاد الاوروبي وتركيا المثير للجدل في مارس/آذار الماضي، حيث أن جميع طالبي اللجوء الذين يصلون الى الجزر اليونانية محتجزون تحت تهديد الترحيل. لكن احتمال تنفيذ اتفاق مماثل مع ليبيا يبدو ضعيفا نظرا لانخفاض قدرة الحكومة ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وقال فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن وفيات قياسية في البحر الأبيض المتوسط والقادمين الجدد أظهرت أن عمليات الإنقاذ "بالغة الأهمية كما كانت دائما". وقال "منذ بداية عام 2017، توفي شخص واحد من بين 35 شخصا في رحلة بحرية من ليبيا الى ايطاليا ... وهذا لا يمكن ان يستمر"، ودعا الى زيادة جهود الانقاذ، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة. واضاف "ان هذه مسألة حياة او موت تندلع بمعناها الاساسي للبشرية ولا يجب التشكيك فيها"
أرسل تعليقك