دمياط ـ نجلاء بدر
ازدهرت سورية في العصور القديمة لخصوبة تربتها، وبوصفها طريقًا للقوافل التجارية أو الجيوش، وقامت فيها امبراطوريات متعاقبة قوية اشتملت أغلبها على الهلال الخصيب برمته، وبرزت منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد الحضارة الآرامية التي استمرت هوية البلاد الحضارية الأساسية حتى استعراب غالبيتها مع حلول القرن الحادي عشر بعد الميلاد، وخلال القرون الوسطى بعد فتح الشام، كانت البلاد حاضرة الدولة الأموية - أكبر دولة إسلامية في التاريخ من حيث المساحة -، وتعاقبت الأحداث المليئة بالازدهار والنماء والإنكسارات على هذا الوطن على حد سواء، وصولُا إلى الأزمة السورية التي اندلعت في عام 2011 وأدت لدمار واسع في البلاد، ووصفت بكونها أكبر كوارثها في العصر الحديث.
منذ 6 سنوات وحتى الآن باتت سورية وطنًا جريحًا مواطنوه ذوي عيون دامعة وقلوب تشتاق حنينا لسورية، بعد ما اضطر معظمهم إلى النزوح خارج البلاد هربًا من جحيم الحرب، ولكن ما إن لبثوا يعانون آلام الفراق لذويهم والمعاناة والاشتياق لبلدانهم .والتقت "مصر اليوم" بعدد من المواطنين السوريين النازحين إلى مصر، وتحدثوا عن آلامهم ومعاناتهم وعن مشاريعهم الناجحة التي أقيمت في مدينة دمياط الجديدة، والتي تُعتبر أكبر المدن من حيث عدد السوريين المقيمين فيها نظرًا لإتساع فرص وسوق العمل ومناخ المدينة المشابه لـ"ضيعات الشام" على حد وصفهم .
ويروي "أكرم شميس" صاحب مطعم سوري لـ"مصر اليوم" قائلًا إنه جاء لمحافظة دمياط منذ عام 2013، واختار محافظة دمياط بالتحديد لأن مهنته في سورية كانت بمجال الأثاث لذلك جاء لدمياط لأنها "بلد الأثاث"، و بعد ما جاء إلى دمياط اكتشف انها لاتناسبه لانه يريد أن يستقل بذاته بمهنه يجد فيها مصدراً للرزق وهو ما لم يوفره له مجال صناعة الأثاث، ومن ثم قام بافتتاح "مطعم للوجبات السورية" ولاقى رواج بين أهالي المدينة وتحسنت أوضاعه المادية .
وأضاف "شميس" أنه جاء من بلده هو وأسرته واستقبلهم المصريين بوجوه يملأها الكرم والطيبة، قائلاً :"المصريين أهلنا ومفيش فرق بين المصريين والسوريين" وبسؤاله عن إمكان عودته لبلده سورية بعد تحسن الأوضاع بها، قال "لا أنوي الرجوع، مازال المشوار في سورية طويل"، مشيرًا لاستقرار أوضاع أسرته في مصر وتحسنها، بخاصة بعد تكوين صداقات ومعرفة الأهالي به، وبخاصة أنه إذا نوى الرجوع لسوريا سوف يواجه الكثير من المصاعب لحين تتحسن وتنهض بلده .
وعن أزمة غلاء الأسعار قال شميس، "هي لا تؤثر على السوريين فحسب بل على جميع المواطنين سواء مصريين أو سوريين ونسعى للتأقلم بها والتعامل معها ". وعند سؤاله عن "الإقامة" ومايتعلق بها قال :" إن الكثير من المشاكل تواجه السوريين بالإقامة مثل الإقامات المدرسية لأولادهم وفواتير الغاز والكهرباء والمياه "، ووجه "شميس" حديثه للحكومة المصرية قائلاً: " لابد من تحديد رسوم للإقامة على كل مواطن سوري والتغلب على الروتين الموجود بمعظم المصالح الحكومية أثناء تخليص أوراقهم لمنع المحتالين من استغلال تلك الأمور والنصب عليهم مطالباً التسهيل في تلك الإجراءات والاهتمام بالأمر".
وفي ما يخص الشؤون العائلية أوضح شميس أنه ليس لديه أي اعتراض على زواج أحد أبنائه من مصرية الجنسية، بالعكس هو يشجعهم على هذا، وبخاصة لأنهم انخرطوا في المجتعم بشكل كامل .وعلى الرغم من العقبات التي تواجه السوريين فى مصر إلا أنهم على حد سواء عبروا عن شكرهم للشعب المصرى احتضانه للشعب السوري، بعبارات من قبيل "أجدع شعب، أطيب شعب فى العالم"، وبات المصريون ينظرون للسوريين على أنهم جزء لا يتجزأ من الشارع الصري .
وما زالت إحصاءات عدد الأسر السورية في دمياط غير دقيقة، إلا أن آخر تقرير غير رسمي لإحدى المؤسسات التنموية، حصر وجود نحو 6 آلاف عائلة من سورية في دمياط الجديدة، بما يعادل نحو 150 ألف مواطن. وبلقاء أحد السوريين يعمل بمطعم بدمياط الجديدة "رفض ذكر اسمه" قال: "جئت من الشام لمصر قبل خمس سنوات بصحبة نصف عائلتي والنصف الآخر يعاني من مشاكل ومازال ف الشام حتى الأن، مؤكداً أنه جاء إلى دمياط لأنه شعر أن جو دمياط نفس جو سورية هادئ وهواها نظيف، ومن سبقونا من الشام إلى مصر نصحونا بالمجيء إلى دمياط، مضيفاً أنه عندما كان بالشام كان لديه مطعم وفضل عندما جاء إلى دمياط أن يفتح مطعم على الرغم من كثرة المطاعم في المنطقة حوله.
وعند سؤاله عن عودته من عدمها لسورية بعد استقرار الأوضاع وقف بعينين دامعتين ووجه حزين قائلاً " بكره برجع على سوريا "، مصر أم الدنيا وأطيب شعب بالعالم بس بلدي أغلى من الدنيا كلها ".
وعن المشاكل التي تواجه قال إن أكبر مشاكله هي الإقامة، حيث وضعونا بين خيارين الكارت الأصفر الذي لا تستطيع الاستغناء عنه عليه دعم مادي، واذا استغنيت عن الكارت الأصفر مصيبة هناك 400 جنيه على الفرد لعمل الإقامة، وإذا قام بعمل الإقامة على الكارت الأصفر بيسموه لاجئ في سورية بتأثر عليه بالضرر له هنا وفي سورية .
ويتابع لم نتعرض لأي أذى من قبل الحكومة المصرية، وعندما يعلم أي شخص أنك سوري بيتعاون معك، لم اتعرض لأي أذى ولا حتى بالألفاظ دائما بالكلمة والمعاملة الطيبة، ورداً على مدى تأثره بغلاء الأسعار قال إنه تأثر بشكل كبير مثل جميع المصريين، وتوقف للحظات وأكمل "نحن أجينا لمصر لحتى نعيش ما بدنا نغنى لبين ما تنحل مشاكل سورية وبنرجع ".
أرسل تعليقك