لا تزال أيديهم تعبث في الخفاء، ولا يريدون الخير لهذا البلد، فلا يتركون مجالًا إلا وعاثوا فيه فسادًا، فلم يكفهم ما اقترفت أيديهم طوال أعوام النظام البائد فوضعوا أيديهم على آلاف الأفدنة في مدينة وادي النطرون، وإن دفع بعضهم فيها ثمنًا كان ثمنًا بخسًا، فهل يستطيع أي مصري أن يحصل على الفدان بسعر 100 جنيه أو مائتان جنيه مثلما حصلوا عليه؟، بل إن الغالبية العظمي لم يدفعوا جنيهًا واحدًا فوضعوا أيديهم عليها واحتفظوا بها دون أي استثمار زراعي يذكر، لتظل معلقة في أيديهم وآلاف الشباب لا يجدون قيراطًا واحدًا لزراعته، فما بين جمعية أراضي ضباط أمن الدولة وجمعية أراضي الدبلوماسيين وجمعية أراضي جهاز المخابرات وحتى جمعية أراضي الجهاز المركزي للمحاسبات، بالإضافة إلي العديد من جمعيات رجال الأعمال كشركة "رباح والوادي والرواد وأبناء الغربية"، وزعت أراضي وادي النطرون وكأنها تركة دون مقابل وبوضع اليد ...
أراضي وادي النطرون
تنحصر تلك الأراضي وفقًا لقرار وزير الزراعة رقم 13698، بين الكيلو 84 جنوبًا والكيلو 130 شمالًا بعمق 20 كيلو متر غرب الطريق الصحراوي، إلا أن واضعي الأيدي لم يلتزموا بأي من تلك الحدود فتوغلوا في أرض الصحراء الغربية، ورغم تلك المساحة الشاسعة إلا أنه لا يوجد حصرًا دقيقًا للموقف القانوني لتلك الأراضي أو تبعيتها أو كيف تم التصرف فيها وما هو موقف الدولة من واضعي اليد على أملاكها في ظل قيامهم باستغلال عرب الصحراء الغربية المتواجدين في المنطقة في حماية أراضيهم بالقوة وباستخدام الأسلحة.
وشهدت المنطقة العديد من وقائع القتل لرجال الشرطة في حملات لانتزاع تلك الأراضي وتسليمها لمستحقيها، وبعد أن يأست الأجهزة الأمنية من السيطرة عليهم تركت الأمر برمته لتصبح شريعة الغاب هي السائدة في تلك المنطقة، ومن يمتلك القوة والنفوذ يصبح صاحب أكبر مساحة من أراضي الدولة.
التحرك الفعلي
تحرك "مصر اليوم" ليرصد ما يحدث من مخالفات في أراضي وادي النطرون، فانطلقنا على الطريق الصحراوي حتى وصلنا منطقة الرست عند مدخل وادي النطرون، وتحدثنا مع الأهالي الذين يعيشون في تلك المنطقة وكأنهم ضيوف عليها لا يملكون منها شيئًا، وذكروا المأساة ورحلة النصب وأنهم إذا اشتروا من هذه الأراضي شيئًا الآن وبمبالغ ضخمة فإنهم لا يستطيعون تسلمها من واضعي اليد عليها أو من البدو الذين يفرضون عليهم الإتاوات، ومن ثم توجهنا إلى الإدارة الزراعية في وادي النطرون لنتحدث مع عدد من المسؤولين عن تلك الأراضي هناك وكيف تتم حماية الأراضي، وفي الطريق رحنا نرصد ما تقع عليه أعيننا من مخالفات أخرى ...
أرض ابني بيتك ضاعت في وادي النطرون
كان من تلك المخالفات 32 فدانًا في كفر داوود في وادي النطرون، تم تخصيصها لمشروع "ابني بيتك"، وصدر قرار التقسيم على الرغم من أن الأرض كانت تحت وضع اليد منذ أعوام، ويقوم على حراستها مجموعة من البدو العرب فلم تستطع الأجهزة الأمنية الاقتراب منها أو تسليمها للشركات التي كانت ترغب في البدء في تنفيذ المشروع، بالإضافة إلى 60 فدانًا أخرى في منطقة الرست عند مدخل وادي النطرون، والتي كانت مخصصة لإنشاء مساكن ومشاريع للشباب، ولم تستطع الأجهزة الأمنية أيضًا الاقتراب منها لسطوة واضعي اليد عليها ووجود حراسة بالسلاح عليها .
داخل الإدارة الزراعية في وادي النطرون
ثم وصلنا إلى الإدارة الزراعية في وادي النطرون، فقال المهندس سلامة في الإدارة الزراعية، بإن أراضي الدولة المنهوبة في وادي النطرون كثيرة جدًا وليست جمعية أمن الدولة فقط هي الوحيدة، ولكن توجد جمعيات كثيرة والمسؤولين لم يتحركوا لاسترداد تلك الأراضي التي تؤخذ عن طريق رجال الإعمال بوضع اليد، مثل ف- س محافظ سابق وكثير من الشركات الأجنبية مثل شركة "أمات" السعودية، التي استولت على أكثر من ألفين فدان لاستثمارها في تصدير وإنتاج الدواجن.وأضاف مسعد عبدالحميد، مدير الإدارة الزراعية، أن الجمعيات المتواجدة في الوادي والتي يمتلكها عدد من رجال الإعمال، الغالبية العظمي منها أوراقهم غير سليمة لأن الجمعية المالكة عندما يتم حلها لا يوجد دليل واحد على ملكيه الأرض لأصحابها، إلا بعقد ابتدئي لا يثبت أي حق أمام القضاء، ومن هنا تبدأ مشاكل عديدة ليس لها حصر ما بين الجمعية والمشتري الذي لا يعرف مصير أمواله التي أخذتها هذه التنظيمات من المافيا التي تنصب تحت اسم جمعية استصلاح أراضي أو تقسيم أراضي .
وأكد مسعد أن جمعية أمن الدولة ليست الوحيدة التي تتحصل على أراضي كثيرة من أراضي الدولة، لأن الكثير من الجمعيات مثل جمعية "رباح" التي تمتلك عشر آلاف فدان في داخل منطقة الوادي الفارغ، وجمعية "أبناء الغربية" وتملك 5000 فدان وشباب الغربية وتملك 10000فدان وجمعية الأصدقاء وتملك 20000 ألف فدان، جميعهم يمتلك أراضي تكاد تكون مماثلة ولكن لسطوة ضباط أمن الدولة ونفوذهم قاموا بوضع أيديهم علي مساحات مماثلة لما حصلوا عليه من الجمعية التي أخذته من الأصل بثمن بخس.
وتابع مسعد: "لنفترض أن 2000 فدان تأخذ من حولها من أراضي الدولة بوضع اليد 2000 فدان أخرى، لتزيد من نسبة مبيعاتها، وفي النهاية لا يقع في الفخ إلا المشتري العادي الذي لا يجد أوراقًا لتلك الأرض، ويرى أن الحل في هذا الأمر هو الرقابة الصارمة من الدولة، لأنه لا توجد رقابة من الأساس على تلك الأراضي التي يتم من خلالها النصب على الناس.
رحلة وسط مافيا الأراضي
لنكشف الحقيقة كان لزامًا علينا أن نصل إلى تلك المافيا التي تضع أيديها على الأراضي، فتوجهنا إلى أحد تجار الأراضي في المنطقة ويدعى المهندس محمد عبدالعال، والذي يمتلك مئات الأفدنة في جمعية الزراعيين، بحجة أننا نرغب في شراء أراضي في المنطقة لاستصلاحها وزراعتها، فاصطحبنا في سيارته إلى الجبل ولأكثر من ساعة سيرًا بالسيارة وسط مرتفعات ومنخفضات راح يعرض علينا قطع الأراضي واحدة تلو الأخرى.
وكان التاجر يقول أثناء الرحلة، هذه وضع يد وثمنها كذا وتلك بأوراق وثمنها كذا، ورغم أنهم حصلوا على الأرض التي لها أوراق بما بين مائة جنيه ومائتين للفدان، إلا أنهم عرضوها علينا بما بين 25 ألف للفدان غير المستصلح و 60 ألف للفدان المستصلح، أما الأراضي التي وضعوا أيديهم عليها فيعرضونها كحافز لبيع الأراضي فيقول بعضهم اشترى منا 40 فدانًا بأوراقهم بسعر 35 ألف للفدان مثلًا وحصل على 10 أفدنه وضع يد معهم كهدية، ثم كانت المفاجأة حينما أخرج لنا مسدسًا من سيارته ليقول بأن أي شخص يشتري أرض هنا لن يستطيع أن يمشي دون سلاح معه .
ضحايا نصب الجمعيات
ثم كان لنا لقاءً مع بعض ممن تم النصب عليهم باسم جمعيات تقسيم الأراضي، فكانت جمعية شباب الغربية التي يمتلكها المهندس مصطفى مجاهد، من أبرز الجمعيات التي استغلت بعض الأهالي لتبيع لهم الأراضي التي استولوا عليها بوضع اليد...
وأوضح المهندس معتز جلال، أحد المنصوب عليهم في جمعية "شباب الغربية"، "خصصوا لي مساحة خمسة أفدنة في وادي النطرون تقع في القطعة 12حوض 83، وأثناء البحث عن الأرض في الجمعية اكتشفت أنها تم حلها وجميع العقود الابتدائية توجد في وزارة الزراعة التي لن تسلمها إلا بعد استيفاء كامل الحقوق القانونية للدولة في ثمن الأرض، لأن الجمعية لم تسدد للوزارة ثمن أراضي الجمعية كاملًا، وتم دفع 25% فقط، رغم أن الجمعية تسلمت مني ثمن الأرض كاملًا وعلى هذا لم أستطيع تسلم الأرض من الوزارة التي ستقوم على الرغم من شرائي للأرض ببيعها لآخر، ولن يستطيع هو الآخر تسلمها لأنها من المفترض أن تكون لي وهذه هي أهم المشاكل التي تواجه كثير منا في وادي النطرون".
وبينت منى العراقي، أنه "في عام 2000 قمت بحجز قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة لي ولكل فرد من أفراد أسرتي بمساحة إجمالية 25 فدانًا في جمعية "شباب الغربية" التابعة لوادي النطرون وأوراقها أيضًا لم نتسلمها لأنها لا تزال تابعة لوزارة الزراعة، ولم يتم الرد علينا حتي الآن فمتى نتسلم أرضنا أو أوراقها لتثبت ملكيتنا للأرض".
وتابعت العراقي: "الغريب أننا حاولنا الاتصال بوزارة الزراعة لمعرفة مسؤوليتهم عن تلك الأراضي فاصطدمنا بصمت رهيب، وعندما سألنا عن ولاية الوزارة على تلك الأراضي أكدت مصادر من داخل الوزارة أن الولاية على أراضي الدولة للوزارة تقف عند 4 كيلو مترات من بداية طريق مصر إسكندرية الصحراوي، والمسؤولية بعد ذلك لمحافظة البحيرة".
من ناحية أخرى، أشار نائب مدير إدارة حماية أراضي البحيرة، عمرو عبد الرحيم، إلى أن تلك الجمعيات المشار إليها يتم التعامل معها على أساس استصلاح أراضي صحراوية، وتم تخصيص تلك الأراضي على هذا الأساس، ووزعت بالتقسيط على الجمعيات لتقوم بتقسيمها وتوزيعها على الأعضاء، على أن تقوم الجمعية بتحصيل الأقساط وسدادها للمحافظة، وبعد السداد الكامل تصبح المحافظة غير مسؤولة عنها، لكن المشكلة الآن في أن معظم تلك الجمعيات قد تصرفت في الأراضي بطريق قانوني أو غير قانوني ولم يعد لبعضها وجودًا، أما فيما يخص وضع اليد فقد بادرت به المحافظة من خلال لجان للتقنين لكن حتى الآن لم تتقدم أي من هذه الجمعيات أو واضعي اليد لتقنين أوضاعهم في منطقة وادي النطرون.
وفي النهاية، فذلك جزء بسيط من مسلسل النهب والاستيلاء على أراضي الدولة الذي سنظل نقدمه ونتابع الفساد فيه حتى تتحرك أجهزة الدولة لملاحقتهم وسحب الأراضي منهم وإعادتها للدولة، لتوزع وفق عدالة اجتماعية.
أرسل تعليقك