أكد الدبلوماسي المصري البارز عبدالرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق في الولايات المتحدة، أن العلاقات المصرية الأميركية تدخل حاليًا مرحلة جديدة، وأن "تطورها يعتمد على قدرة استثمار الجانب المصري في إنجاحها." وقال الريدي في حوار أجرته معه صحيفة "الشروق" المصرية، إن الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب قادران على إذابة الجليد الذى صبغ العلاقات في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي تبنى فكر "الإخوان" دون تجنٍ عليه، مشيرا إلى أن "الإخوان نجحوا في اختراق المؤسسات الأميركية في السنوات الأخيرة، وروجوا لمشروعهم كبديل للتطرف، ومواجهة ذلك يتطلب رؤية مصرية كاملة لا تعتمد فقط على الاستعانة بشركات الدعايا."
واضاف الريدي: "هناك أهمية خاصة جدا للدور الشخصي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى المرحلة المقبلة، والكيميا المشتركة بين ترامب والسيسي يمكنها إذابة الكثير من نقاط التباعد، وشدد على أن الدولة المصرية تمر بأخطر مراحلها منذ نشأة الدولة الحديثة على يد محمد علي، وإقامة علاقات قوية مع أقطاب الكونغرس يسهِّل من الحفاظ على مصالحنا، وتحركنا يجب أن ينطلق من مفاهيم الدولة المدنية والمواطنة ومكافحة الإرهاب والتطرف".
وينشر "مصر اليوم" نصَّ الحوار الذي أجرته "الشروق" المصرية مع الريدي:
* كيف تقرأ زيارة الرئيس السيسي لواشنطن في هذا التوقيت؟
ــ بالتأكيد تدخل العلاقات المصرية الأميركية فى هذه الفترة مرحلة جديدة، واعتقد أن نجاح الزيارة وما سيبنى عليها من تطور في العلاقات بين البلدين على جميع المستويات، سيكون أبرز الإنجازات التي حققها الرئيس السيسي خلال فترة حكمه على الصعيد الخارجي، لا سيما أنها تأتي في أول عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وبعد فترة من التوتر والبرودة في علاقة البلدين خلال سنوات حكم الرئيس السابق باراك أوباما.
* البعض يعول بشكل متزايد على دور ترامب في تحقيق نقلة نوعية في العلاقات مع القاهرة، ما هي رؤيتك؟
ــ توجد نقطة في غاية الأهمية يجب التأكيد عليها فى هذا السياق، هي أن السياسة الخارجية الأميركية محددها الرئيسي هو تحقيق المصلحة الوطنية، لكن رؤية الرئيس ومساعديه وبالأخص الأول تحدد توجه الدولة الأميركية، وقطعا يأتي ذلك الى جانب المؤسسات الرسمية الأخرى مثل الكونغرس والإعلام ووزارة الدفاع والخارجية ومراكز الأبحاث، بل حتى هناك بعض الولايات التي تمتلك التأثير في صياغة المصلحة الوطنية. فضلا عن الموازنات التي يقيمها الرئيس مع القوى الداخلية لصياغة المصلحة الوطنية، ولعل أبرزها الجالية اليهودية النشطة في أميركا. ومن ثم فإن ترامب والمؤسسات الرسمية الأميركية بتوجهها المنفتح نحو القاهرة والرغبة في طي صفحة الماضي، بالتأكيد يمكن البناء عليها من أجل تطوير علاقات وإعادة الدفء لها.
* لكن مواقف ترامب تتسم كثيرا بالتناقض.. كيف ترى دوره في الفترة المقبلة؟
ــ لا شك أننا بصدد مرحلة جديدة تعيشها الولايات المتحدة، فلم يكن أحد يتوقع أن دونالد ترامب قطب العقارات ورجل الأعمال الثري أن يكون رئيسا للولايات المتحدة، لكنه قائد شعبوي تمكن من قراءة جيدة لمشاعر المواطنين غير الراضين عن سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، رافعا شعارات تروق إليهم، ومنها "استعادة أميركا مجددا" و"جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وأرى أن ترامب رئيس بفكر جديد، من أبرز ما يميزه قدرته على طرح أفكاره بإصرار وشجاعة، فمثلا رغم ما تتسم به علاقة واشنطن مع موسكو من حساسية فى الأوساط السياسية الأميركية، غير أن هذا لم يثنيه عن طرحه الخاص بإمكانية التقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحتى مشروعات التجارة وخروج الشركات الأميركية فهو يركز على أميركا وعودة الاستثمار إليها بغض النظر عن حلفاء بلاده التقليديين ومصالحهم.
وأرى أن هناك أهمية للدور الشخصي في العلاقات بين الرئيسين السيسي وترامب، بالنظر إلى التقارب في رؤيتهما والكيمياء المشتركة بينهما، وهي نقطة في غاية الأهمية.
* هل ترى أن التوتر في العلاقات في عهد الرئيس السابق أوباما يعود في جانب كبير لغياب ذلك التوافق؟
ــ بكل تأكيد، فالرئيس أوباما كان يتبنى بشكل فعلي فكر جماعة الإخوان، وهذا ليس تجنيا عليه. حيث نجحت الجماعة في اختراق مراكز الأبحاث الأميركية، وهذه المراكز في غاية الأهمية لأنها هي من تصوغ عقول السياسيين داخل الولايات المتحدة. كما أن الإخوان نجحوا في فهم العالم وانتقلوا بثقلهم من لندن إلى واشنطن.
وأضاف الريدي يقول: دعني اوضح لك بمثال تأثير مراكز الأبحاث على صانع القرار الأميركي، فالفكرة الأساسية لاتفاقية كامب ديفيد خرجت من رحم مؤسسة بروكنغز، عقب دراسة أجراها وليام بيل كوانت، مساعد الرئيس أنذاك لشؤون الشرق الأوسط، وكان له تأثير فى رؤية الرئيس. والإخوان نجحوا في اختراق مراكز أبحاث انتجت أفكارا وأشخاصا، التحقوا بالعمل في مجلس الأمن القومي، وهناك تمكنوا من الترويج لفكرة يمكن تسويقها جيدا بأنهم يقدمون نموذجًا للإسلام المعتدل في مواجهة خطر الإرهاب والمنظمات الإرهابية المتطرفة، وهي فكرة لاقت رواجا في الداخل الأميركي.
* وماذا عن التحرك المطلوب لمواجهة تلك الاستراتيجية الإخوانية؟
ــ التحرك يجب أن يقوم على الترويج لفكرة الدولة المدنية والمواطنة بعيدة عن الحديث عن الاممية الإسلامية، أي دولة وطنية مؤمنة بالديمقراطية، دولة متعلمة متحضرة لا تؤمن بالفكر المتطرف، وتفصل بين الدين والدولة.
* وهل تروج لها الدولة المصرية بكفاءة الآن؟
ــ برغم أهمية هذا الطرح، فإنه للأسف لم يحدث ترويج بالشكل الكافي للرؤية المصرية في صياغة الدولة المدنية داخل الولايات المتحدة ومؤسساتها الرئيسية المؤثرة في صناعة القرار، ولم تسوق الفكرة كما يجب. فبعد أن نجحت الدولة المصرية في تسويق فكرة استعادة الشعب للدولة من أيدي المتطرفين والعنف، تركت مؤسسات الدولة عملية التسويق لمشروعها اللاحق لشخصية الرئيس السيسي، ولم تقم المؤسسات بواجبها، إذ لا بد أن تعمل الأخيرة على اختراق الإعلام ومختلف الأوساط الفكرية والبحثية الأميركية من أجل التسويق لفكرة الدولة المدنية المصرية المتحضرة. وأرى أن الحل ليس أسناد مهمة الترويج والتسويق لشركات العلاقات العامة، بل من الضروري العمل على إيضاح الصورة إلى الأميريكيين بشكل متكامل بين المؤسسات المصرية.
* هل ترى أننا فقدنا الفرصة الآن للترويج للرؤية المصرية؟
ــ لا لم نفقدها، ولكن لا بد أن تعمل على التواصل ثم في مرحلة تالية تعمل على الصورة ذاتها، فقد تكون بحاجة الى مراجعة بعض الجوانب، كأوضاع سجناء أو تعرض مواطنين لتعامل بشكل غير لائق، ومتابعة تلك الامور باستمرار يؤدي إلى تجنب أي نقاط قد تؤثر بالسلب على الترويج للرؤية المصرية.
* هل ترى أن هناك توافقا أميركيا مصريا في اللحظة الراهنة بشأن ملفات المنطقة الرئيسية؟
ــ رغم أن الرئيس ترامب جاء إلى البيت الأبيض بأفكار صادمة أثارت مخاوف الكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة، فإنه سيضطر للوصول إلى نقطة توازن، إذا أراد أن يستمر فى الحكم لولاية أخرى. وأفكاره الآن هي بمثابة ردود فعل لمرحلة سابقة، وأميركا في الفترات الأولى لحكم رؤسائها تعمل كالبندول تذهب يمينا ويسارا، وحاليا واشنطن تمر بالمرحلة التي تتشكل فيها الرؤية. إذ توجد مواقف أعلنها ترامب خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه رئيسا المؤسسات المحيطة به أكدت أنها مواقف غير قابلة للتحقق واقعيا. فمثلا رغم تجاوز ترامب لمبدأ الصين الواحدة عقب فوزه بالرئاسة، في أوائل حكمه خلال تعامله مع بكين فرض الواقع نفسه عليه، ورضخ لرؤية المؤسسات الأميركية كوزارة الدفاع «البنتاغون» ووكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» والكونغرس، ولاشك أن الأخير هو أهم المؤسسات وأكثرها تأثيرا.
وأرى أنه على الرئيس السيسى بالتوازي مع الثقة القائمة بينه وبين الرئيس ترامب والكيمياء المشتركة بينهما، أن يقيم علاقة قوية تتسم بنفس الدفء مع أقطاب الكونغرس بمختلف توجهاتهم. لذا أود التأكيد على أنني اعتبر أن الكونغرس ساحة معركة رئيسية لتطوير وتشكيل العلاقات بين البلدين. والرئيس السيسي يمتلك القدرة على أن يتحدث وجها لوجه بصراحة.. ليؤكد أن مصر تواجه تحديات اقتصادية وأمنية وتحديات أيضا فى مجال العلم والتكنولوجيا، ونريد أن نفتح صفحة تشمل كل هذه المجالات.
* وهل تعتقد أن الأرضية مهيأة لمثل هذا الانفتاح والتطور؟
ــ نعم الأرضية مهيأة، وهناك عزم متبادل لفتح صفحة جديدة، ومايميز الساحة الأمريكية أن الحديث فيها يتطرق لجميع الأصعدة. وفى الولايات المتحدة يجب أن تتجه حيث توجد القوى، والتى تكمن فى الكونغرس، فمثلا حين يتم توطيد العلاقة برئيس لجنة الاعتمادات العسكرية تحديدا فى الكونغرس، فهذا أمر مهم جدا لخدمة المصالح المصرية.
وأعتقد أن أهم شيء يمكن أن يحققه الرئيس السيسي في واشنطن أن يقيم علاقة قوية وحوار صريح مع ترامب وأعتقد أن زيارته ايضا مهمة لمحاربة الإرهاب، يساند ذلك قيامه بعدد من الزيارات تشمل الكونغرس ويلتقى برئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس مجلس الشيوخ. وهذا ما يفعله الإسرائيليون بشكل أكبر وهم ناجحون فيه جدا.
كما أن تواصل الرئيس مع الكونجرس فرصة للتأكيد على أن مصر هى القوى القادرة على اقامة نظام اقليمى ناجح، فالآن يوجد سلام مع اسرائيل وانتهت فترة الحروب، لكن الخطر الحالي هو الإرهاب وهو خطر على جميع دول العالم، ومن ثم لا بد أن تقوم الرؤية على التأكيد على مساعدة مصر في حربها ضد الإرهاب والوقوف بجانبها.
أرى أن مصر تمر الآن بمرحلة من أخطر المراحل في تاريخها، منذ نشأة الدولة الحديثة في عهد محمد علي قبل أكثر من 200 عام. و من المهم أن تستوعب أبعاد وخطورة وقيمة المرحلة الحالية في مصر، والشق الآخر لذلك يتصل بعلاقات مصر الخارجية وهي جزء أساس لانعكاس نجاحها في الداخل.
أرسل تعليقك