معاناة مستمرة تواجه الفلاحين، بسبب «المبيدات المغشوشة» والمهربة، خاصة وأن تلك المواد ليست لها جدوى فى التصدى للأمراض والآفات الزراعية، فضلًا عن تأثيرها السلبى على معدلات الإنتاج والتسبب فى خسائر فادحة للمزارعين. ورغم أن وزارة الزراعة ممثلة فى لجنة المبيدات استحدثت نظامًا جديدًا لتتبع المبيدات المغشوشة باستخدام نظام شفرة يتم وضعها على العبوة لتتبع مصدرها، فضلًا عن وضع شارة على المحل المرخص به لتعريف المشترى أن المنتج آمن ومضمون، إلا أن سرطان تلك المبيدات مستمر فى التوغل، ما يجعل الفلاحين مع دخول فصل الشتاء يلاقون أزمة كبرى من هلاك معظم محاصيلهم وخاصة القمح والموالح؛ بسبب تلك المبيدات المغشوشة، والتى كانت سببا فى انتشار الآفات الزراعية بشراسة.
ويأتى ذلك فى الوقت الذى تسعى فيها الوزارة بالتنسيق مع لجنة مبيدات الآفات الزراعية والإدارة المركزية لمكافحة الآفات، للسيطرة على المبيدات المغشوشة والحفاظ على سلامة المواطن والإنتاج الزراعي، وذلك بإلزام جميع محال المبيدات المرخصة بإصدار فاتورة للمزارعين عند شراء المبيدات للمحصول الشتوي، إضافة إلى وضع لوحات "شارة" على واجهات المحلات المرخصة، بها رقم ترخيص المحل وكود المحافظة، فضلًا عن؛ وضع أسماء المحلات المرخصة بمديريات الزراعة لتعريف المزارعين بشراء المنتج السليم من مكانه، فضلًا عن النزول إلى الأراضى وتتبع خطر سير المنتجات المغشوشة التى تفرض العديد من التحديات والمخاطر على القطاع الزراعى والاقتصادى المصري.
ويطالب الدكتور محمد عبد المجيد رئيس لجنة المبيدات فى وزارة الزراعة - عبر «الأهرام التعاوني» - جميع الشركات العاملة داخل السوق الزراعى بالتكاتف للتصدى لظاهرة غش وتهريب المبيدات بإعتبارها تمثل رأى عام, وقضية أمن قومى. وأكد أن هذه الظاهرة الكارثية تضر بالاقتصاد القومى للدول كونها تجارة غير مشروعة. وطبقا للبيانات ولإحصائيات العالمية يصل حجم هذه التجارة فى العالم حجم التجارة غير المشروعة والمهربة من المبيدات فى العالم يمثل نسبة 22 % من إجمالى السلع المهربة والمغشوشة على مستوى العالم والتى تقدر بحوالى 1,6 تريليون دولار سنويا.
فيما يقول الدكتور عماد مختار الشافعي، أستاذ الإرشاد فى كلية الزراعة بجامعة القاهرة، أن انتشار المبيدات المغشوشة يمثل خطرًا حقيقيًا على الإنتاج الزراعى المصرى بالإضافة إلى سمعة مصر العالمية فى هذا المجال، ما يحتاج إلى درجة كبيرة من الوعى والتوعية، خاص ةبعد اعتماد عدد كبير من المزارعين على مبيدات مجهولة المصدر لانخفاض سعرها، دون الإلمام بالأضرار المترتبة على استخدام هذه الأنواع. وأكد الشافعى على أهمية تنشيط دور هيئات الإرشاد الزراعى وعمل حملات توعية دورية، تجوب كل قرى ومحافظات مصر، بالتزامنمع تشديد الرقابة على متاجر بيع مستلزمات الإنتاج الزراعي، وأخذ عينات منها وإرسالها إلى معهد البحوث الزراعية، لتحليلها ومعرفة مركباتها وتأثيراتها على المحصول والأرض وكذلك الصحة العامة.
واعتبر أستاذ الإرشاد الزراعى أن رش المبيدات فى موسم الحصاد يعد أسوأ ما يرتكب داخل العملية الزراعية، ويترتب عليه وصول تصل الفاكهة والخضروات للمستهلك مليئة بالمبيدات السامة، وهذا يحدث تحديدًا فى الطماطم والخيار-وفق قوله-، مشيرًا إلى وجود فترة أمان لاستخدام المبيدات تتراوح من ثلاثة إلى أربعة أيام، حيث تناول الثمرة خلال تلك الفترة بمثابة تناول سُم قاتل يؤدى إلى الإصابة بأمراض الفشل الكلوى والسرطانات وغيرها من الأمراض المعقدة والخطيرة المدمرة للصحة العامة. وحذر الدكتور عماد مختار الشافعي، أستاذ الإرشاد بكلية الزراعة فى جامعة القاهرة، تهريب المبيدات المسرطنة إلى مصر، بالطريقة نفسها المستخدمة فى إدخال المخدرات والممنوعات، لافتًا إلى تشابه المخاطر بين كل من المبيدات المسرطنة والمخدرات وتأثيراتها على الصحة العامة للبلاد، مطالبًا بزيادة الرقابة وتنفيذ القانون بصرامة على كل شخص يثبت تورطه فى تلك العمليات المشبوهة، والتى تؤدى لتدمير مجتمع بأكمله وليس مدينة أو قرية فقط.
وأوضح أن الطرق الصحيحة لتجنب أضرار استخدام المبيدات المغشوشة أو حتى السليمة من خلال شراء الفاكهة والخضروات وتخزينها فى الثلاجة لمدة ثلاث أيام، كضمان شخصى لفترة الأمان، وعدم الاعتماد على ضمير المزارع أو حتى التاجر، ومن ثم نقع الخضروات فى مياه بارده وخل، ثم غسلها بمادة منظفة وشطفها جيدًا، وبعد ذلك تصبح الثمرة جاهزة للتناول وبدون أى أضرار تقريبًا خاصة بعد استخدام الخل فى عملية التنظيف، وهو مادة فعالة فى محاربة السموم والقضاء عليها. وكشف الشافعى عن وجود بعض المستوردين متورطون فى استيراد أنواع مبيدات محرمة دوليًّا، مما يتطلب القيام بحملات تفتيش مستمرة وكذلك عمل نشرات توزع على الجمعيات الزراعية فى كل أنحاء البلاد، وتحتوى على اسماء تلك الأنواع من المبيدات وأضرارها على المزارع أولًا، ثم الأرض الزراعية، وأخيرًا المستهلك.
وحول أسباب انتشار المبيدات مجهولة المصدر، رأى أستاذ الإرشاد الزراعي، أن انتشار الإصابات والأمراض فى الزرع يدفع الفلاح للذهاب إلى متاجر المبيدات، وعرض الحشرة على البائع ليختار المبيد المناسب، مؤكدًا أن معظم البائعين ليس لديهم خلفية علمية لاختيار الأنواع المناسبة، بينما يتم ترشيح المبيدات التى تحقق لهم هامش ربح أعلى دون النظر للنتائج السلبية المترتبة على استخدام هذا المبيد. وقال: المبيد قاتل للحشرة واذا تم استخدامه بشكل خاطئ يمكن أن يقتل الإنسان، نظرًا لتشابه تركيب الخلية لدى الكائنين، مع تراكم بقايا تلك المبيدات داخل جسم الإنسان تصبح حياته مهددة بالخطر فى أى لحظة، هذا الملف يعد من الأمن القومى المصري، أى يحتاج لتكاتف وتعاون بين كل الأجهزة المختصة فى مصر، لمحاربة الفساد فى تلك المنظومة، وحماية المواطنيين من هذه المخاطر، والتى تتحمل تبعاتهاالدولة بشكل كامل.
أما مجدى أبو العلا، نقيب الفلاحين فى محافظة الجيزة، فيقول إن ظاهرة غش المبيدات أصبحت منتشرة بشكل مقلق فى السوق الزراعى المصري، ولابد من وجود آلية لمواجهة مثل هذه التحديات التى تعرض الأمن الغذائى المصرى لخطر كبير، موضحًا إن هذه الأنواع من المبيدات المغشوشة يتم استيرادها من الخارج وغالبًا تدخل البلاد بطريقة غير قانونية عن طريق التهريب من خلال مافيا تنشط فى هذا المجال، بينما لا يستطيع المزارع اكتشاف الحقيقة إلا بعد استخدام المبيدات فى الزراعة وتحديدًا عند مرحلة الإزهار ومع بداية ظهور الثمرة، ما يؤدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
ونوه أبو العلا بأن المبيدات المغشوشة أدت بجانب الخسائر المادية الداخلية إلى تشويه سمعة المنتج الزراعى المصرى فى السوق العالمي،وقد شاهدنا سابقًا ارجاع شحنات البطاطس المصرية والفراولة لعدم مطابقتهم للمواصفات، وقد حدث ذلك بعد وصول المنتجات إلى البلدان المستوردة ما ضاعف الخسارة نتيجة تحمل الشركات المصرية تكلفة الشحن أيضًا، مشددا على أهمية تحديث أليات المراقبة على القطاع الزراعى المصرى بما يتناسب مع حجم التحديات الحالية، مؤكدًا أن المشهد الزراعى المصرى فى مرحلة نهوض حقيقية تحتاج لتضافر جهود كل الجهات المختصة من أجل حماية القطاع الزراعى المصرى وازدهاره بشكل يتناسب مع السوق العالمى بعد كورونا.
فى السياق نفسه، قال المهندس سعيد شنب، خبير الإرشاد الزراعي، إن المبيدات الموثوقة والآمنة متوافرة ولكن بأسعار مرتفعة، ومع ارتفاع اسعار كل مستلزمات للإنتاج وانتشار الأمراض بدأ المزارعون فى البحث عن بدائل أقل فى التكلفة، وهنا يلعب بعض التجار دور غير نزيهة من خلال توفير مبيدات رديئة مجهولة المصدر بأسعار أقل، لافتًا إلى المخاطر المترتبة على هذه النوعية من المبيدات، وتسببها فى الإصابة بأمراض خطيرة للزرع والإنسان على المدى البعيد. وأوضح شنب أن سوق المبيدات المغشوشة أشبه بسوق المخدرات فى ارتفاع مستوى الربحية ربحية عالية جدًا، ولذلك يسيطر عليه مافيا بالمعنى وليس تجار، فى وقت تنعدم فيه الرقابة، بالإضافة إلى صعوبة السيطرة على سلوكيات البشر عموماً إلا بالقانون الحازم، مع انعدام مستوى الخبرة لدى المزارعين التقليدين وتلاشى دور الهيئات الإرشادية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
وزارة الزراعة المصرية تصدر توصيات فنية لمزارعي الموالح يجب مراعاتها
وزارة الزراعة المصرية تحذر فلاحي شمال الدلتا بسبب موجة الأمطار الغزيرة
أرسل تعليقك