كشف دبلوماسيون في الأمم المتحدة، أنّ واشنطن وموسكو طلبتا من مجلس الأمن التصويت، الخميس، على مشروعي قرارين متنافسين، الأول أميركي والثاني روسي، لتمديد مهمة الفريق الأممي الذي يحقّق في الهجمات التي استخدمت فيها أسلحة كيمياوية في سورية.
وتنتهي مهمة "آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية" ليل الخميس، إلا أن الخلاف حولها ما زال مستمراً بين الولايات المتحدة وروسيا، ففي حين تريد واشنطن تمديد التفويض من دون أي تعديل، تشترط موسكو إعادة النظر في مهام لجنة التحقيق وتشكيلتها قبل تمديد فترة تفويضها.
وقال مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في الأمم المتحدة، إن مجلس الأمن الدولي سيصوّت مساء الخميس على مشروع قرار أميركي يمدّد لمدة سنة مهمة فريق التحقيق المكلّف تحديد هويات المسؤولين عن شن هجمات باستخدام أسلحة كيمياوية في سوريا. وأضاف المصدر أن التصويت على مشروع القرار الأميركي سيتم في الساعة 20:00 غرينتش، يليه فوراً التصويت على مشروع القرار الروسي.
والقاسم المشترك بين مشروعي القرارين الأميركي والروسي هو تمديد مهمة لجنة التحقيق لمدة سنة، علماً بأن موسكو اقترحت في مسودة سابقة أن تكون فترة التمديد لستة أشهر، بينما اقترحت واشنطن بالمقابل أن تكون الفترة سنتين ثم خفّضتها في مسودة لاحقة إلى 18 شهراً لتعود وتستقر في مشروع القرار على فترة سنة.
وفيما عدا نقطة الالتقاء الوحيدة هذه فإن مشروعي القرارين الأميركي والروسي يختلفان حد التضاد. وينص مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا، حليفة النظام السوري، على إعادة النظر بتفويض اللجنة وتجميد نتائج عملها، وأن يعود محققوها إلى سوريا لإجراء تحقيقات ميدانية.
والشهر الفائت اتهم تقرير وضعته "آلية التحقيق المشترك" بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية سلاح الجو السوري بقصف بلدة خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب (شمال سوريا) بغاز السارين في 4 أبريل/نيسان الفائت مما أوقع أكثر من 80 قتيلاً. لكن روسيا رفضت الاعتراف بنتائج التحقيق بدعوى أن المحققين لم يسافروا إلى خان شيخون، وعملوا على عينات يمكن أن تكون أجهزة الاستخبارات الغربية تلاعبت بها.
بالمقابل فإن مشروع القرار الأميركي يكرس نتائج التحقيق في هجوم خان شيخون ولا يدخل أي تعديل على التفويض الممنوح للمحققين الذين ما زال عليهم التحقيق في حوالي 60 هجوماً كيمياوياً مزعوماً. ولإقرار أحد هذين المشروعين لابد لمجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً أن يصوّت عليه بأغلبية 9 أصوات على الأقل وألا تستخدم أي من الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) حق النقض (الفيتو) ضده.
وأكدت موسكو تمسكها بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي، وحددت موعده الأول في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل بطريقة تنافس مفاوضات جنيف التي دعا إليها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بدءاً من 28 من الشهر الحالي، بعد المؤتمر الموسَّع للمعارضة السورية في الرياض بين 22 و24 من الشهر الحالي، بمشاركة نحو 140 من ممثلي القوى السياسية والمستقلين.
الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متعجل لإعلان "النصر العسكري" في ديسمبر/كانون الأول قبل عيد الميلاد الروسي في الأسبوع الأول من العام المقبل، وأن عملية سلام وضعت على المسار عبر تشكيل هيئة سورية لتعديل الدستور الحالي لعام 2012، أو صياغة دستور جديد يمهد لانتخابات.
وما يعكر نية بوتين، هو اختلاف التفسير بين واشنطن وموسكو إزاء اتفاقه مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في فيتنام، الأسبوع الماضي، خصوصاً فيما يتعلق بـ«الغموض البناء» إزاء دور روسيا لسحب ميليشيات تدعمها إيران من جنوب سوريا.
بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزارة الدفاع الروسية بدأت اتصالات في سوريا لدعوة نحو ألف شخص من ممثلي اتفاقات «خفض التصعيد» و«المصالحات» وقوى سياسية ومجتمع مدني إلى سوتشي، بداية الشهر المقبل، إضافة إلى مئات من خارج البلاد.
وأبدت وزارة الدفاع عزمها تخصيص طائرات لنقلهم إلى «مؤتمر الحوار الوطني»، الذي انتقل مكانه من قاعدة حميميم إلى سوتشي، وقد يتغير مكان انعقاده، في وقت بدأت الخارجية الروسية اتصالات دبلوماسية لتوفير غطاء دولي لهذا المؤتمر، حيث التقى نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في جنيف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وشخصيات سورية معارضة.
الواضح أن «المؤتمر الروسي» يحظى بعدم قبول من طهران ودمشق وواشنطن، في وقت وضعت فيه أنقرة شرطاً بعدم دعوة «الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي» إلى المؤتمر كي تشجع أنقرة حلفاءها من المعارضة السورية على الحضور، وهذا ما أبلغه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بوتين في سوتشي قبل أيام.
وتعترض دمشق على بنود المؤتمر وآلية إقرار الإصلاحات الدستورية والانتخابات، في حين ترفض طهران أن يكون هذا بداية لـ«انتقال سياسي ما»، في سوريا، لذلك رفضت إعطاءه شرعية في اجتماع آستانة الأخير.
وكان مؤتمر سوتشي محورياً في محادثات مساعد وزير الخارجية الإيراني حسن أنصاري في موسكو، ولقائه بدمشق الرئيس بشار الأسد، ووزير الخارجية وليد المعلم.
وسيكون مطروحاً في محادثات وزراء خارجية «ضامني» عملية «آستانة» الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران، بعد أيام.
وبحسب وثيقة أعدها الجانب الروسي لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري»، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، فإن المؤتمر سيُدعى إليه ممثلو «الجماعات العرقية والدينية والمؤسسات التقليدية» من «المسلمين من السنّة والعلويين والشيعة والدروز والإسماعيليين، والمسيحيين من الأرثوذكس والسيريانيين والكاثوليك والمارونيين»، إضافة إلى «العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والسيريانيين والأرمن والجماعات القبلية، أي القبائل والشيوخ»، إضافة إلى القوى السياسية في النظام والمعارضة، بما في ذلك «الهيئة العليا للمفاوضات، ومجموعة القاهرة، ومجموعة موسكو، ومجموعة آستانة»، وإلى «منظمات المجتمع المدني المهمة، منها جمعية الهلال الأحمر السوري».
ولم تكن دمشق مرتاحة لـ«التصنيف الطائفي»، فيما اعتبرت المعارضة أن المؤتمر يرمي إلى «شرعنة النظام ونسف الانتقال السياسي».
ونصت الوثيقة على أن المؤتمر العتيد يرمي إلى «تسهيل الإصلاحات السياسية، استناداً إلى التشريعات السارية حالياً في سوريا، وتسهيل إطلاق العملية السياسية بقيادة سورية بصورة تتفق مع الطموحات المشروعة للشعب السوري، وتأكيد الشروع في صياغة الدستور السوري لإجراء انتخابات ديمقراطية بمشاركة جميع السوريين وفق الدستور الجديد وتحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وتضمن برنامجه 5 بنود، بينها «محاربة الإرهاب وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253، والحاجة إلى صياغة قانون جديد، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة على أساسها وبمشاركة جميع السوريين، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتشكيل اللجنة الدستورية والمجلس الأعلى للمؤتمر»، وهما هدفان ملموسان تسعى موسكو لتحقيقهما.
موسكو ليست واثقة أن وفد الحكومة السورية سيأتي إلى جنيف في 28 الشهر الحالي، وليست مستعدة لممارسة ضغوطات عليه كي يجري «مفاوضات مباشرة جدية»، لكن جهوداً تُبذَل لضمان نجاح المؤتمر الموسع للمعارضة السورية في الرياض بمشاركة ممثلي «الائتلاف الوطني السوري» بـ22 مقعداً، و«هيئة التنسيق» بـ21 مقعداً، و«مجموعة القاهرة» بعشرة مقاعد، و«مجموعة موسكو» بسبعة مقاعد، و21 من ممثلي فصائل مسلحة، و70 مستقلاً، بحيث يخرج المؤتمر بعد تحضيرات اللجنة التحضيرية في 19 من الشهر الحالي بوثيقة سياسية ووفد موحد الموقف ليجري مفاوضات جادة لتنفيذ القرار 2254.
وفي مقابل تمسُّك موسكو سوتشي بعملية آستانة ومؤتمر سوتشي، لا تزال متمسكة بعملية جنيف؛ إذ إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون رفض اقتراح نظيره الروسي سيرغي لافروف بإضافة بند يتضمن دعم مؤتمر سوتشي وعملية آستانة إلى اتفاق بوتين - ترمب الأخير، لأن واشنطن تريد التركيز على عملية جنيف، وأصر تيلرسون على بنود وعبارات محددة تدعم «عملية جنيف وتنفيذ القرار 2254»، إلى اتفاق ترمب - بوتين.
ونصحت واشنطن المبعوث الدولي بـ«عدم شرعنة» عملية آستانة ومؤتمر سوتشي، الأمر الذي تسعى إليه موسكو بقوة.
وليس هذا هو الخلاف الوحيد بين واشنطن وموسكو؛ فإلى جانب التباين حول التمديد لآلية التحقيق بالسلاح الكيماوي في الأمم المتحدة والاتهامات المتبادلة إزاء «التواطؤ» مع «داعش» شرق سوريا، هناك خلاف أيضاً إزاء تفسير بعض بنود اتفاق ترمب - بوتين الذي نص على «الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة» في هدنة جنوب غربي سوريا قرب حدود الأردن والجولان المحتل للبناء على اتفاق أميركي - روسي - أردني وُقِّع الأسبوع الماضي لاستكمال اتفاق سابق في يوليو (تموز) لإبعاد «المقاتلين غير السوريين» من المنطقة.
المشكلة بين الجانبين بدأت عندما قال مسؤول أميركي في إيجاز صحافي: «مذكرة الأطراف تكرس التزام الولايات المتحدة وروسيا والأردن بالقضاء على وجود القوات الأجنبية غير السورية. ويشمل ذلك القوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها إيران، مثل (حزب الله) اللبناني والمتطرفين الأجانب الذين يعملون مع جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة من المنطقة الجنوبية الغربية، حيث استخدمت هذه العناصر - هذه الجماعات المتطرفة والميليشيات المدعومة من الخارج - الصراع السوري على مدى السنوات الخمس الماضية لزيادة وجودها في هذا الجزء من سوريا، ما قوض وقف إطلاق النار وشكل تهديداً للأردن وإسرائيل، لذلك نعتقد أن هذا المبدأ مهم جدّاً، وهو مكرس في الاتفاق الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع». وأضاف: «وافق الروس في هذه النقطة الأخيرة تحديداً على العمل مع النظام السوري لإزالة القوات المدعومة من إيران مسافة محددة من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وكذلك حدود الجولان والأردن. واتفقنا من جانبنا على العمل مع الأردن والمعارضة للحد من وجود المتطرفين الأجانب مثل الذين يقاتلون مع جبهة النصرة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، والقضاء عليها في نهاية المطاف. والمبدأ الأساسي هو أن جميع الإرهابيين الأجانب ومقاتلي الميليشيات يجب أن يغادروا هذه المناطق ويغادروا سوريا في نهاية المطاف».
وكان هذا سبباً لانزعاج موسكو التي أعلنت أنها لم تلتزم إبعاد ميليشيات إيران عن الحدود. كما تطلب ذلك محادثات إيرانية - روسية، في وقت صعدت فيه واشنطن، عندما قالت إن وجود قواتها لدعم «قوات سوريا الديمقراطية» شرق سوريا ليس مرتبطاً فقط بهزيمة «داعش»، بل بتحقيق مفاوضات جنيف نتائج ملموسة. وقال مسؤول أميركي في تفسير لاتفاق ترمب - بوتين: «ينبغي علينا أن نسهل الجهود التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع. ويبقى رأينا أن سوريا الجديدة والمستقرة في ظل منطقة أكثر استقراراً تحتاج في نهاية المطاف إلى قيادة جديدة في دمشق ومغادرة الرئيس الأسد للمشهد. بيد أن ذلك ينبغي أن يحدث كجزء من عملية سياسية تتيح لجميع الشعب السوري، بما في ذلك الملايين النازحون بسبب هذا الصراع المروع، تحديد مستقبلهم دون تهديد، ودون تخويف، ومن دون جميع التدخلات الأجنبية وكذلك من خلال تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية».
أرسل تعليقك